لا تتراجع أزمة الازدحام المروري الخانق في العاصمة العراقية بغداد، بل تزداد شدة مع التوتر الأمني الذي تخلّفه الأحداث السياسية المتشنجة في البلاد، والتدابير المتخذة لقطع الشوارع والجسور خلال عقد جلسات البرلمان، والتي "تحبس" المواطنين لساعات طويلة. وبلغ التأثير السلبي للازدحام حد استخدام بعض الموظفين دراجات نارية وهوائية للوصول إلى أماكن عملهم في الدوائر والمؤسسات.
تقضي نور محمد (31 عاماً) نحو أربع ساعات حبيسة الازدحام في النهار، رغم أن المسافة بين موقع وظيفتها ومنزلها لا تتجاوز 25 كيلومتراً، وتقول لـ"العربي الجديد": "أسكن في حي السيدية، وأعمل في شركة بمنطقة العلاوي، لكن الازدحام المروري يجعلني أمضي ساعتين على الطريق في الصباح، ومثلهما بعد انتهاء الدوام، ما يتسبب لي بإرهاق بالغ. وأحياناً اضطر إلى طلب إجازة من دون راتب، للتخلص من الازدحام، وتحديداً يومي الأحد والخميس". تضيف: "باتت حركة التنقل في بغداد صعبة بشكل كبير، ولا حلول جدّية من الحكومة. وما يزيد الأزمة التجاوزات الكثيرة للباعة المتجولين التي تحصل على الطرق والأرصفة، كما أن قوات الأمن وفرق مديرية المرور العامة نفسها قد تكون جزءاً من المشكلة أحياناً، إذ تضع سياراتها وسط الشوارع أو تقطعها، وتنصب نقاط تفتيش في أوقات الذروة، وتحديداً في الصباح".
بدوره، اشترى مصطفى الكرادي (38 عاماً)، وهو عامل في مقهى بحي الجادرية، دراجة نارية للتخلص من الازدحام في حي الكرادة ببغداد الذي قد تغلقه السيارات الكثيرة التي تعبره بشكل شبه كامل، لكن عناصر مديرية المرور يحاسبونه باستمرار على ركوبه دراجة نارية، لأن السلطات تمنع استخدامها في بعض أحياء بغداد منذ اغتال مسلحون شخصيات عامة وصحافيين في أوقات سابقة. ويقول الكرادي لـ"العربي الجديد": "لم تنجح الحكومات العراقية المتعاقبة في حل مشاكل الازدحام في بغداد، كما أنها لم تفكر حتى في نقل عدد من الوزارات أو المؤسسات المهمة إلى مناطق واسعة فارغة تتواجد على أطراف العاصمة، بل تواصل استحداث دوائر رسمية داخل المناطق مكتظة بالسكان أصلاً. وحل أزمة الازدحام يتمثل في إنشاء مترو أو أكثر تربط مناطق بغداد، أو شبكة نقل حكومية، وتشجيع ثقافة ركوب دراجات نارية وهوائية".
وكان رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي اتخذ سلسلة إجراءات لمحاولة تخفيف الاختناق في الشوارع، وأمر بعد اجتماع عقده مع قادة عمليات بغداد، برفع عدد من نقاط التفتيش في العاصمة فوراً، مطالباً بوضع خطة مدروسة في أسرع وقت لرفع نقاط التفتيش الأخرى التي تشكل عبئاً على حركة المواطنين وانسيابية المرور. لكن أهالي بغداد لم يلمسوا تنفيذ أي تدابير خاصة بهذه التوجيهات.
من جهته، يقول الضابط في مديرية المرور العامة ببغداد، حسن البدري، لـ"العربي الجديد": "التوجيهات الحكومية التي تصدر بين حين وآخر تصطدم بالإجراءات الأمنية التي تتخذها القيادات العسكرية، وتحديداً في المناطق الحيوية التي تتواجد فيها مقار الأحزاب والفصائل المسلحة، إضافة إلى مداخل المنطقة الخضراء". يتابع: "مديرية المرور هي جهة منفذة ولا تملك حق اتخاذ أي قرار، وأي صلاحية لفتح أو إغلاق طرقات. والممارسات الأمنية لقوات الشرطة والجيش هي أكثر ما يعيق حالة السير، وتؤدي عادة إلى اختناقات مرورية يتأثر بها العراقيون، بل إنها تتسبب في حوادث مرور ومشاجرات. وفي أوقات الصيف يتعرض ركاب لحالات إغماء بسبب ارتفاع الحرارة داخل السيارات. والحقيقة أن مديرية المرور تملك خططاً كثيرة يمكن أن تقلل الازدحام، لكنها تصطدم عادة بالتدابير الأمنية المتخذة لحماية العاصمة بغداد".
وفي وقتٍ سابق، أكدت مديرية المرور العامة في العراق أن عدد المركبات في العاصمة بغداد وحدها بلغ مليونين و500 ألف مركبة. ويقول مدير المرور العام اللواء طارق إسماعيل: "دخل العدد الأكبر من المركبات العاصمة بغداد بعد عام 2003. وهذا الرقم أثر على انسيابية الطرقات، خصوصاً في أوقات الذروة خلال الدوام الرسمي للموظفين والجامعات، خصوصاً أنها لم تشهد أي توسيع أو تشييد لجسور جديدة باستثناء القليل، في حين أنها غير قادرة على استيعاب الزيادة الكبيرة في عدد السيارات، خصوصاً مع الازدياد الكبير في عدد سكان العراق، والذي وصل إلى نحو 40 مليون مواطن. وبالتالي، لا يخلو بيت واحد من سيارة أو اثنتين".
ويعلّق المسؤول السابق في مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي، بالقول لـ"العربي الجديد" إن "فكرة مترو بغداد تعرضت مرات عديدة للتأجيل، علماً أن معظم المخططات المرورية والهندسية جاهزة منذ سنوات لدى أمانة بغداد ووزارة الإعمار والإسكان والبلديات، كما أن هذه الفكرة تعرضت إلى ابتزاز من جهات سياسية تريد أن يبقى العراق متخلفاً ويعاني أهله من العذابات". يتابع: "هناك حاجة حقيقية للتشجيع على ثقافة الدراجات الهوائية والنارية من خلال الإعلام الحكومي ومنظمات المجتمع المدني، خصوصاً أنها ستؤدي إلى التقليل من الازدحام بشكل كبير".
وعجزت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 عن وضع خطة ناجحة لتخفيف الازدحام المروري في أنحاء البلاد، والذي يتفاقم في وسط العاصمة بغداد، خصوصاً في جانبي الكرخ والرصافة، كما أنها لا تضع قيوداً للسيطرة على زيادة استيراد المركبات، إذ لا يخلو بيت عراقي تقريباً من مركبة أو مركبتين، ما يحتم وضع خطط حديثة للتعامل مع المشكلة، والعمل لتوسيع البنية التحتية للطرق بما يتناسب مع الزيادة السكانية في البلاد.