تلقيتُ عام 1999 ملاحظة من الرئيس الفخري للجمعية السودانية لحماية البيئة أستاذي أحمد محمد سعد، وكنت وقتها أُشرف على تحرير صفحة بيئية في صحيفة الأيام العريقة، وأشار إلى أن أحد المستشفيات الحديثة بالعاصمة الخرطوم تم تسويره بمواسير مصنوعة من مادة الأسبستوس المحرّمة دولياً لما للتعرّض لغبار ألياف الأسبستوس من خطورة على صحة الإنسان. وأخذتْ إدارة المستشفى بمقترحنا وإحلال مواسير من ذات الحجم والطول تُصنع من الإسمنت.
وبعد سنوات، تواترت الشكاوى من تأثير الأسوار الشجرية سريعة النمو، والتي استخدم فيها الدمس المستجلب من خارج البلاد، ذو القدرة الكبيرة على التكيّف مع الظروف المناخية الصعبة، وتحمّل مسببات الأمراض، وسهولة الانتشار والتكاثر، والإسهام في امتصاص ثاني أكسيد الكربون والغازات الملوثة الأخرى. كما عُرفت عنها القدرة على امتصاص الضوضاء وعكس الأصوات والحرارة.
بيد أنّ مضارها تتجلى حين نتركها لتمد جذورها بحثاً عن الماء، فتتهدد النباتات والأشجار المراد تسويرها، بل المباني وشبكات إمداد المياه، والصرف الصحي، حتى إن البعض سماها السياج الضار أو السور المميت لدى من تأذى من وجودها من أصحاب المزارع والبساتين.
وتشير التقديرات العالمية الأخيرة إلى أنّ الطول الإجمالي لجميع السياجات حول العالم هو 10 أضعاف الطول الإجمالي للطرقات، وتتم الإشارة غالباً إلى أسوار الدنغو الأسترالية، التي بُنيت لحماية الماشية من الكلاب البرية، والتي تمتد لآلاف الكيلومترات. هذا غير أسوار المدن والقلاع والمجمعات السكنية وأسوار المباني ومختلف المؤسسات.
وللأسوار، كما يؤكد أليكس ماكنتورف وآخرون، "تأثيرات كبيرة على الأرض والحياة البرية حول العالم نادراً ما يتم قياسها"، لكن الحديث عن هذه التأثيرات يتواصل في كل مكان وُجدت فيه الأسوار والسياجات، والتي منها ما تختفي بين المناظر الطبيعية، لتصبح مشهداً بدلاً من أن تكون موضوعاً. فقد دخلت الأسوار الحضارة كتقليد، مثلما باتت تعبيراً اصطلاحياً في القاموس اليومي. وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت تجارة تصنيع وإنتاج الأسوار الجاهزة (الإسمنتية، والحديدية، والخشبية) مجالاً واسعاً أنشئت لأجله الشركات والمصانع، برؤوس أموال تصل إلى مليارات الدولارات.
مؤخراً، ظهر مصطلح إيكولوجيا السياج، وتعمّق الباحثون في الأمر، لتُظهر الدراسات الحديثة أن الأسوار تنتج مجموعة معقدة من التأثيرات البيئية، من العمليات الصغيرة كبناء شبكات العنكبوت، إلى التأثيرات الأوسع مثل تسريع انهيار نظام مارا البيئي في كينيا، حيث تتعايش الحيوانات والبشر، وتتجول الحياة البرية بحرية عبر حدود محمية ماساي مارا الوطنية في مقاطعة وادي ريفت الكيني، بين القرى منذ ما قبل إنشاء المحمية عام 1961، لما للأمر من تأثيرات صحية متبادلة بين البشر والحيوانات.
(متخصص في شؤون البيئة)