خطف عراقيين... "داعش" لا يرحم القرويين ويبتزهم مالياً

22 ابريل 2022
لا ينعم الأطفال بالأمن رغم التحرير (إسماعيل عدنان/ Getty)
+ الخط -

يجدُ المدنيون القاطنون عند أطراف المدن والقرى النائية في شمال وغرب العراق أنفسهم معرضين للخطف، إذ ينصب مسلّحو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" كمائن لهم في محاولة لخطفهم، في تحدّ آخر لاستقرار تلك المناطق، كما يؤكد بعض الأهالي الذين اضطروا لمغادرتها بعد نحو عامين من العودة إليها.
وخلال الأشهر الأخيرة، تكررت حوادث خطف المدنيين من قرى كركوك والأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين، من خلال كمائن أو السطو على رعاة أغنام وفلاحين، أو من خلال هجمات إرهابية ليلية خاطفة يقتاد فيها التنظيم أشخاصا يعتبرهم متعاونين مع قوات الأمن وعادة ما يسميهم "مرتدين"، لكنه يقبل مقايضتهم بالمال في مقابل إطلاق سراحهم.
ويقول مسؤول أمني في وزارة الداخلية في بغداد إن عمليات الخطف والهجمات التي تنفذها عناصر "داعش" أثّرت على استقرار الكثير من القرى، وصارت تشهد حركة نزوح لأسر بين فترة وأخرى إلى داخل المدن بحثاً عن الأمن. يضيف أن التهديد الأمني بات سبباً رئيسياً في عرقلة استقرار بعض المناطق المحررة وخصوصاً شمالي العراق. وتصل المبالغ التي يفرضها "داعش" على أهالي المختطفين إلى ما بين 10 آلاف دولار و70 ألف دولار أميركي، ويضطر الأهالي عادة إلى دفع تلك المبالغ لإخلاء سبيل أبنائهم. وفي بعض الأحيان، يقدم التنظيم على إعدام عدد من المختطفين على الرغم من حصولهم على المبالغ المطلوبة، وفقاً لمصادر محلية وأمنية من تلك المناطق.
وبات مشهد رؤية أحدهم في المسجد يطلب التبرع لإنقاذ ابنه أو شقيقه أمراً غير مستغرب في الفترة الأخيرة، وخصوصاً في مناطق شمالي العراق. ويقول علي صخي المجمعي (41 عاماً)، وهو من أهالي محافظة ديالى، إن "المناطق البعيدة عن مراكز المدينة تشهد تزايداً في حالات خطف المدنيين من مختلف الطوائف والعشائر على أيادي داعش، بهدف الحصول على الدعم المالي، من دون أن يكون للأمر علاقة بالدين أو أهداف التنظيم"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن "ديالى شهدت نحو 18 حالة خطف منذ بداية العام الجاري وحتى الآن، وكانت معظم المبالغ التي يطالب بها عناصر التنظيم من المحليين لا تتجاوز 10 آلاف دولار في مقابل الإفراج عن مخطوف واحد".
يتابع المجمعي أن "هذا السلوك الإرهابي بات يمثل معاناة جديدة تُضاف إلى سلسلة المشاكل المجتمعية التي تعاني منها غالبية المناطق المحررة من التنظيم، والتي ما زالت تضم مخابئ لعناصره"، معتبراً أن "بعض القرى على أطراف المحافظات الغربية والشمالية تخلو تماماً من أي تواجد للقوات الأمنية، ما يجعلها فريسة للتنظيم وعناصره، كما أن غالبية عمليات الاختطاف والابتزاز تكون فيها".

مضى نحو خمس سنوات على تحرير الموصل (إسماعيل عدنان يعقوب/ الأناضول)
مضى نحو خمس سنوات على تحرير الموصل (إسماعيل عدنان يعقوب/ الأناضول)

وتنشط بقايا جيوب التنظيم المسلحة بشكل متواصل في مناطق سلسلة جبال حمرين وجبال قره جوغ ووديان الشاي زغيتون في كركوك وقرى في جنوب غربي نينوى، وفي صحراء الأنبار وبحيرة حمرين في ديالى، وفي شمال محافظة صلاح الدين، وجميعها تحت أنظار القوات العراقية، لكنها تحتاج إلى مزيد من العمليات العسكرية لمنع استمرار عمليات الخطف وفقاً لعضو مجلس محافظة نينوى حسام العبار.
ويقول العبار لـ "العربي الجديد" إن "التنظيم تراجع كثيراً، ولم يعد يشكل تهديداً بالنسبة لقوات الأمن، لكنه ما زال يرهب المدنيين في المناطق الصحراوية والبعيدة عن مراكز المدن والمعزولة. ويشكل تواجد عناصر مختبئين في الأدغال والصحاري قلقاً للمدنيين، وخصوصاً أنه يواصل عمليات الابتزاز والمضايقة والخطف من أجل الحصول على المال لتمويل نفسه وتوفير احتياجاته"، مؤكداً أن "مسؤولية الحكومة العراقية تتمثل في حماية عموم العراقيين من دون خذلان المزارعين الذين يسكنون في القرى والأرياف المهددة أمنياً".
يتابع أن "داعش يسعى دائماً إلى خطف المزيد من المدنيين، وأحياناً يخطط لخطف بعض عناصر قوات الأمن لابتزاز السلطات المحلية في المدن المحررة، ويحدث ذلك من دون انتباه من قبل الحكومة، التي يمكنها العمل على الحد من هذه المخاطر"، مؤكداً أن "عناصر التنظيم يحصلون على التمويل اللازم من عمليات الخطف وطلب الفدية بمبالغ كبيرة، قد تكون أحياناً أكبر من قدرة أهالي المختطف على تأمينها". 

أما طارق العسل، وهو قائد شرطة الأنبار السابق، فيوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "التنظيم يستخدم أسلوب الخطف من أجل إرسال رسائل إلى السلطات الأمنية والمحلية، بالإضافة إلى إرهاب المدنيين في بعض المناطق". ويقول لـ "العربي الجديد" إنه "في حال أراد التنظيم الحصول على مبالغ مالية كبيرة، فقد يعمد إلى خطف التجار. في الوقت نفسه، لديه مصادر تمويله التي ما زالت مستمرة، منها تهريب الممنوعات والمواد الغذائية والأسلحة وغيرها. ولا يمكن إنكار أن خطر التنظيم لم ينته، بل هو مستمر ويشكل كارثة أمنية داخل الكثير من المناطق الصحراوية والنائية والقرى والأرياف في المناطق المحررة، والخاسر الأكبر هو المواطن البسيط".
من جهته، يؤكد الناشط من محافظة نينوى أنس السالم، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "داعش أقدم أخيراً على خطف 11 مدنياً، غالبيتهم من رعاة الأغنام من قضاء البعاج غربي المحافظة، ثم أقدم على إعدام أربعة من المختطفين بحجة تعاونهم مع القوات الأمنية"، مشيراً إلى أن "البيئة الهشة أمنياً أدت إلى رفض الكثير من العائلات النازحة في المخيمات الرجوع إلى مناطق سكنها في غرب نينوى (قضاء سنجار والبعاج)، فضلاً عن تهديد بعض الفصائل المسلحة هناك".

المزارعون مستهدفون إلى درجة كبيرة (إسماعيل عدنان/ Getty)
المزارعون مستهدفون إلى درجة كبيرة (إسماعيل عدنان/ Getty)

ويلفت السالم إلى أن "كل منطقة في نينوى تسيطر عليها أكثر من جهة، ما يجعلها غير مستقرة. وينتشر حزب العمال الكردستاني في سنجار وبعض الفصائل المسلحة، ناهيك عن نشاط داعش المتزايد في جزيرة الحضر جنوب الموصل، مع إضعاف متعمد لدور الجيش العراقي في مقابل نفوذ الفصائل المسلحة في هذه المنطقة". ويوضح أنه "لا يعلم إن كان هناك من دفعوا فدية للتنظيم لقاء إطلاق سراح مختطفيهم، لكن ما يعرفه أن نشاط داعش بدأ ينمو وخصوصاً بعد اتباعه استراتيجية الذئاب المنفردة، والتي استطاع من خلالها مهاجمة الكثير من الثكنات العسكرية فضلاً عن خطف العديد من المواطنين، وخصوصاً رعاة الأغنام في المناطق الصحراوية".
أما الباحث العراقي من محافظة صلاح الدين كتاب الميزان، فيقول إن "تنظيم داعش الإرهابي يستخدم أسلوبين في نهج الخطف الذي يعتقده؛ الأول من خلال خطف المطلوبين، وهم متعاونون مع القوات الأمنية أو المعارضون لتواجد العناصر الإرهابية في بعض المناطق، وهذا النوع عادة ما ينتهي بإعدام المختطف. والثاني هو اختطاف المدنيين في مقابل الحصول على الفدية التي تصل أحياناً إلى أكثر من 20 ألف دولار أميركي، في مقابل الإفراج عن المختطف الواحد".

يتابع الميزان في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "التنظيم يستخدم هذه الأموال لتمويل عناصر في المنطقة التي تمت فيها عملية الخطف، وهي المناطق البعيدة عن القوات الأمنية والصحراوية والجبلية، ومنها مكحول وحمرين والجزيرة الممتدة بين محافظتي صلاح الدين ونينوى". ويشير إلى أن عناصر التنظيم الذين يعانون من شح في مصادر التمويل يعمدون إلى خطف المدنيين للحصول على التمويل"، مؤكداً أن "غالبية المختطفين هم من المزارعين ومربي الحيوانات الذين يرفضون دفع الإتاوات للتنظيم". ويقول إن "القوات العراقية مطالبة بتأمين هذه المناطق وتكثيف عملياتها العسكرية لإنهاء خطر التنظيم".
وكان العراق قد أعلن هزيمة "داعش" نهاية عام 2017، بعد معارك دامية استمرت أكثر من ثلاثة أعوام، إلا أن ما تبقى من عناصر التظيم ما زالت قادرة على شن هجمات على القوات الأمنية في مناطق نائية في شمال البلاد وغربها.

المساهمون