قررت وزارة التربية والتعليم الأردنية زيادة عدد أيام العام الدراسي أسبوعين لكل فصل دراسي، في سياق خطتها لمعالجة وتعويض الفاقد التعليمي الذي تعتبر أنه كبير لدى الطلاب، بعدما تفاقم إثر تفشي جائحة كورونا. لكن القرار واجه اعتراضات من معلمين وأهالٍ للطلاب.
وقررت وزارة التربية والتعليم، في التقويم الذي أعلنته منتصف يونيو/ حزيران الماضي للعام الدراسي المقبل، وقررت تطبيقه في المدارس الحكومية، ومدارس الثقافة العسكرية، ومدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، تقليص فترتي العطلتين الصيفية والشتوية المقبلتين، تنفيذاً للخطة الوطنية لمعالجة الفاقد التعليمي لدى الطلاب.
ويبدأ العام الدراسي الجديد يوم الأحد في 20 أغسطس/ آب الجاري، وينتهي في 26 مايو/ أيار 2024، ما يعني أن المدة الكاملة للتعليم محددة بـ 217 يوماً، بينها 191 يوماً للدراسة الفعلية، تتضمن زيادة أسبوعين في الفصل الأول، ومثلهما في الفصل الثاني.
تقول معلمة عرّفت نفسها باسمها الأول ختام لـ"العربي الجديد": "جاء القرار على حساب العطلة الصيفية للمعلمين، بعدما أقصيت نقابة المعلمين من المناقشات، علماً أن الفاقد التعليمي ليس فقط نتاج تفشي جائحة كورونا، إذ ترتبط أسبابه أيضاً بطريقة إدارة العملية التعليمية المرتبكة".
تضيف: "أثقلت كمية الحصص كاهل المعلمين في مختلف المدارس، والآن تزيد وزارة التربية والتعليم هذا الأمر من خلال اقتطاعها نحو شهر من عطلتهم. وقد يؤدي ضغط العمل وصعوبة التعامل مع الطلاب إلى نتائج عكسية، تؤثر سلباً في أداء المعلمين، في حين يأتي الطلاب إلى المدارس بلا دوافع بعد تقليص أيام عطلتهم".
وتتمنى فاطمة العبادي، وهي أم لخمسة طلاب، في حديثها لـ"العربي الجديد" أن يحقق قرار زيادة عدد أيام العام الدراسي أسبوعين لكل فصل نتائج إيجابية، في ظل التراجع الواضح في مستوى الطلاب خلال الفترة الأخيرة، لكنها تشير في الوقت ذاته إلى امتعاض أبنائها من قرار تقليص العطلتين الصيفية والشتوية.
إجراءات أخرى
يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم الدكتور أحمد المساعفة لـ"العربي الجديد" إن "حجم الفاقد التعليمي تعمّق خلال جائحة كورونا، بسبب التعلم عن بعد الذي طبقته كل البلدان، لكن بنسب مختلفة. وكشفت دراسات تشخيصية نفذتها وزارة التربية مع شركاء أن نتاجات التعلم أصبحت أقل من الطموحات، بسبب حجم الفاقد الكبير، ما يؤثر في الطلاب، علماً أن التعليم تراكمي، وأي ضعف ينعكس مستقبلاً على الطلاب في الصفوف التالية".
ويشير إلى أن "حلولاً أخرى اقترحت لكن يصعب تطبيقها، منها زيادة عدد الساعات الدراسية اليومية، في ظل تطبيق نظام صفوف خلال فترتي الصباح والمساء في نحو 20 في المائة من المدارس، كما أن منشآت بعض المدارس تكون مشغولة خلال أيام السبت، فتقرر زيادة أيام الدوام".
يتابع: "ليس هذا الإجراء الوحيد، إذ جرى إعداد أوراق خاصة تدعم المنهج، وتوجيه الأنشطة الخاصة والمبادرات للمدارس الأقل ضعفاً، وتدريب المعلمين، في إطار استراتيجية تمتد فترة ثلاث سنوات على الأقل".
ويلفت إلى أن "أوراق عمل خاصة بالرياضيات واللغة العربية ومواد أخرى لتعويض الفاقد التعليمي ضرورية، كي يستطيع الطلاب متابعة المناهج المخصصة للصفوف التي يدرسون فيها، واستغلال بعض حصص اللغة العربية، علماً أن إجراءات تعويض الفاقد ليست فقط زيادة في أيام الدراسة، بل برامج تعليمية على مدار العام".
وفي شأن اعتراضات بعض المعلمين على القرار، يقول المساعفة إن "المعلمين يتعاونون دائماً لخدمة مصالح الطلاب، وهذا واجبهم الوطني الذي يحتمه أيضاً عدم قدرة الطلاب على تجاوز الفاقد التعليمي وحدهم، ما يستدعي تنفيذ حلول. أما بالنسبة إلى أولياء الأمور فهم يعتبرون أن عطلة ثلاثة أشهر طويلة، ويمكن استغلالها، في حين تكفيهم عطلة شهرين للحصول على راحة".
وعي الحلول
من جهتها، تقول أستاذة علم النفس التربوي الدكتورة خولة القدومي لـ"العربي الجديد": "زيادة أيام الدوام في العام الدراسي أو تقليلها ليست مشكلة في حد ذاتها. ولو نظرنا إلى التعليم من وجهة نظر كمّي، فزيادة أيام الدوام ضرورية في ظل تعطّل أيام الدراسة لأسباب مختلفة، لكن عندما ننظر إلى كيفية التعليم ونوعيته، يجب أن نفكر بوعي أكبر، ونسأل هل الفاقد التعليمي كان كبيراً لدرجة أصبح لدى الطلاب نوع من العجز التعليمي؟ وهذا أمر واقع بدليل أن تقارير عالمية صنّفت الأردن بين الدول المتراجعة في مستوى التعليم".
وتضيف: "يتوقع كثيرون أن تعزز وزارة التربية والتعليم فوائد نظام الدوام الصيفي في المدارس". وتشير إلى اقتراحات بتقسيم العام الدراسي إلى ثلاثة فصول متساوية على صعيد الوقت لإزالة الضغوط عن الطلاب، سواء في الشتاء أو الصيف، مع تخصيص عطل متساوية تسمح للطلاب وذويهم باستغلال فتراتها بشكل أكثر مثالية.
وتعتبر أنه "عندما يرهق الطلاب بدوام طويل في الصيف أو الشتاء من دون توفير ميزات في المدارس، سواء على صعيد أماكن اللعب والترفيه، أو تقديم وجبات طعام تلائم اليوم الدراسي الطويل، نحمّل الطلاب ما يفوق طاقاتهم وقدراتهم، وندفع بهم إلى الشعور بضغط وملل، وربما أيضاً بالرغبة في التسرّب من المدرسة".
وترى القدومي أنه "يمكن أيضاً التفكير بأن يكون الفصل الصيفي مناسباً لممارسة أنشطة، وتخطيط مشاريع ومتابعتها بإشراف معلمين، ما يستلزم توفير مصادر تعليم تتناسب مع مهارات القرن الواحد والعشرين، أهمها تعليم أساليب تفيد في تطوير الريادة والابتكار في مجالات مختلفة، بحسب قدرات ورغبات الطلاب، كي يتخرجوا من المدرسة الأساسية برؤية واضحة إلى المستقبل، تزداد وضوحاً في المرحلة التالية. وفي هذه الحالة نستطيع القول إن التعليم الجامعي لن يكون هدفاً وحيداً لمستقبل الطلاب، بل وسيلة لزيادة معرفة الطلاب الذين يتخذون مساراً مهنياً يساعدهم في تحقيق أهدافهم. وهنا أسأل ماذا يمنع طفلاً في العاشرة من العمر يمضي جلّ وقته على مواقع التواصل الاجتماعي من أن يبدأ بالتفكير بجني دخل إضافي لبناء مستقبله؟".
لرفض قبول الأشياء كما هي
وتعتقد القدومي بأن "العقبة الحقيقية تتمثل في تركيز التعليم النظري على الكمّ المعرفي، وتجاهله تنمية التفكير وتطويره نحو بناء مستقبل يستشرف فيه الجميع المعنى الحقيقي للإنتاج والعيش الكريم، بدلاً من خلق حالة من الوهم والخوف من تخصصات راكدة، أو من عدم توفر موارد، وما يتبع ذلك من شعور الطلاب وذويهم بالخوف من مستقبل مجهول مهدد بمخاطر كثيرة. وهكذا يعيشون في قلق مرضي، وشعور بالإحباط وحتى بالاكتئاب".
وتنصح بتغيير طريقة التفكير وأساليب التعليم لتجاوز الفاقد، ويحصل ذلك من خلال جعل مهمة التعليم أكثر من اكتساب المعرفة، بل وسيلة لسلوك طريق لتوظيف المعرفة في شكل مطوّر يختلف عن التنظير والتقليد".
وتشير إلى أهمية أن تتضمن كل روضة ومدرسة تجهيزات للذكاء الاصطناعي تسمح بأن يتعرف الأطفال مبكراً على مكونات الأجهزة المستخدمة في الحياة، "فمن الضروري عدم انتظار المرحلة الجامعية، كي يتعرف الطفل على مكونات الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يشغل حيزاً مهماً في الحياة، وكلما دخل الطفل عالم الذكاء الاصطناعي مبكراً زادت فرصه في تنمية وتطوير قدراته وتشغيل ذكائه، فالذكاء الاصطناعي وليد عقول ذكية، ترفض قبول الأشياء كما هي".
ووفق دائرة الإحصاءات العامة الحكومية، بلغت موازنة التعليم في الأردن للعام الحالي، 1.363 مليار دينار (1.9 مليار دولار)، وعدد المدارس في مختلف أنحاء المملكة 7315، من بينها 4005 مدارس حكومية و3093 خاصة. واستقر عدد مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عند 169، إضافة إلى 48 مدرسة للثقافة العسكرية، ويبلغ عدد الطلاب 2.24 مليون طالب، منهم 1.63 مليون في مدارس حكومية، و123.440 في مدارس "أونروا"، ويعمل نحو 95 ألف مدرس في مدارس حكومية، ونحو 4 آلاف معلم في مدارس "أونروا"، ونحو 138 ألفاً في المدارس الخاصة.