على مدى خمس ساعات واصلت عائلة بوخبيزة احتفالاتها بزواج ابنها البكر بابنة الجيران، في مراسم عكست الفرحة الكبيرة بالحدث السعيد، لكن ما إن دقت الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق من ليلة الجمعة 8 سبتمبر/ أيلول الجاري حتى تحوّلت أفراح هذه العائلة التي كانت تعبّر عنها بأهازيج ورقصات، إلى أتراح أطلقت البكاء والآهات التي أخرجت أنفاس الجروح العميقة من المأساة.
في بيت بوخبيزة بمنطقة تكنزيوين في مدينة أمزميز التابعة لإقليم الحوز، كانت الاستعدادات قائمة لاحتضان عرس الشاب عبد المجيد البالغ 23 من العمر، والعروس أسماء، وفي مقدمها قافلة العرس التي تعرف باسم "الهدية" في المغرب، وتضم هدايا العريس للعروس مصحوبة بالصلاة على النبي.
في بيت العروس اختارت عائلة بوخبيزة إطعام النساء اللواتي حضرن من مناطق تابعة لإقليم الحوز، حيث ضرب الزلزال المدمر بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، إضافة إلى نساء قدمن من مراكش والرحامنة وقلعة السراغنة وشيشاوة وإمنتانوت والصويرة.
وكانت بين المدعوات فاطمة الزهراء، وهي أستاذة لغة إنكليزية قدمت من مراكش، التي تروي لـ"العربي الجديد" أن عشرات من المدعوات حضرن إلى منزل العروس، وأكلن وجبات قدمت إليهنّ وسط الزغاريد والأغاني، ثم انتقلن إلى قاعة الحفلات على أنغام الأغاني الشعبية العربية والأمازيغية.
وعند الساعة العاشرة من ليلة الزلزال، كانت فرحة العروس في ذروتها بزواجها بعبد المجيد الذي يعمل مع والده في الزراعة وعصر زيت الزيتون. وحضر العريس إلى منزل أصهاره بعدما ارتدى الزي التقليدي برفقة صديقه الذي كان سيقوم بدور "الوزير" الذي يشرف على كل احتياجات العريس في ليلة العرس.
وكان مجيء العريس عبد المجيد في تلك اللحظة إلى مكان وجود العروس سيجعل الضيوف ينتقلون إلى مكان العرس الذي جُهِّز لاستضافة الاحتفال. حينها تجمّع المدعوون أمام منزل العروس تمهيداً للتوجه إلى مكان العرس حيث استعدت الفرق الموسيقية وتلك الشعبية لإحياء المناسبة السعيدة التي استغرقت فترة تحضيراتها نحو ستة أشهر.
وعلى أنغام الموسيقى الأمازيغية انطلقت قافلة "الهدية" في اتجاه منزل العريس عبد المجيد، من دون أن يكتب لها الوصول بعدما انهار مكان استضافة العرس بالكامل.
تحكي فاطمة أنه حين اقتربت جموع المدعوين من قاعة الحفلات التي ستحتضن العرس، شعر الجميع بحدوث هزة أرضية ثم انقطعت الكهرباء، وتحوّل موكب العرس إلى حلبة للتدافع والصراخ.
وفيما أوقع الزلزال إصابات في صفوف المدعوين بسبب التدافع، سقط 18 قتيلاً تولوا إعداد فضاء العرس، بينهم عناصر في الفرقة الموسيقية التي كانت ستحيي الحفلة، علماً أن شخصين فقط نجوَا من الانهيار في مكان العرس.
وفقد العريس عبد المجيد جدته التي تبلغ 69 من العمر بعدما لفظت أنفاسها الأخيرة تحت ركام الأتربة والحجارة الضخمة، كذلك قضت عاملات وطباخات كنّ منهمكات في إعداد كؤوس الشاي والعصائر والحلوى. ولم يسلم بعض الشبان الذين كانوا يجهزون الصالة من تداعيات الزلزال، إذ فقدوا حياتهم.
وهرع المدعوون إلى مكان الانهيار، في محاولة منهم لإنقاذ الضحايا، لكن ضعف الإمكانات المتوافرة لديهم لرفع الركام والحجارة منع إنقاذ ضحايا. وباءت المحاولات التي بذلها رجال ونساء وشباب لإزالة الحجارة بالفشل، ثم أصبح الوضع مأساوياً جداً بعدما تهاوت كل المنازل المجاورة لمنزل العرس، وخلّفت خسائر في الأرواح معظمها لأطفال تراوح أعمارهم بين 6 سنوات و14 سنة.
وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إلى أن نحو 100 ألف طفل تأثّروا بالزلزال، فيما تصف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) وضع التعليم بأنّه "مقلق" بعد الزلزال، إذ تضرّرت 530 مدرسة و55 أخرى داخلية. وأفادت المنظمة، في بيان، بأنّ "الزلزال ضرب منطقة قروية ونائية تضمّ نحو مليون تلميذ وأكثر من 42 ألف مدرّس".
وسبّب الزلزال انهيار منازل، وتوقفت حركة السير في المنطقة، وصار وصول سيارات الإسعاف والوقاية المدنية أمراً في غاية الصعوبة بسبب سقوط أحجار عند مدخل المنطقة، وانقطاع التيار الكهربائي وسقوط أعمدة، ما حوّل حياة سكان أمزميز، وبينهم زوار للمنطقة الجبلية والسياحية إلى جحيم، كما تروي فاطمة.
ويؤكد مراقبون أنّ الكارثة التي أصابت المغرب وأهله فادحة وتحتاج إلى جهود كبرى وكثيفة لتجاوز آثارها، وهي آثار قد تحتاج إلى عقود طويلة، علماً أن قرى مُحيت عن خريطة العمران البشري.