حمزة تاوزال لـ"العربي الجديد": اختياري كعمدة في وستمنستر مسؤولية كبيرة

09 يوليو 2023
حمزة تاوزال أول عمدة مسلم لبلدية في وستمنستر (نور الدين كاتيك/ Getty)
+ الخط -

تعكس قصة حمزة تاوزال التحديات والفرص التي تواجهها المجتمعات متعددة الثقافات، ويعدّ توليه منصب العمدة ورئيس البلدية بداية جديدة في وستمنستر، وإشارة إلى أن الأمور تتغير في بريطانيا، حيث بات تعيين أشخاص ذوي خلفيات متنوعة في مناصب رفيعة يعزّز التمثيل العادل، كما يلهم مزيداً من الأفراد للسعي إلى الفرص القيادية.

- بصفتك أول عمدة مسلم في "وستمنستر"، وأصغر شاغل لهذا المنصب في المملكة المتحدة، كيف تشعر حيال هذا المنصب المهم؟ وماذا يعني ذلك لك شخصياً، وللمجتمع الذي تمثله؟

كان المنصب بمثابة انفتاح مهم للتعرّف على الجهة الأخرى لعالم مختلف تماماً عن الخلفية التي جئت منها. بدأت بحضور العديد من الفعاليات المرتبطة بالمجتمعات المتنوعة، ووجدت نفسي أحياناً في قصر باكنغهام مع أفراد من العائلة المالكة، وكان هذا بالنسبة لي امتيازاً كبيراً، كما شعرت بفرح الناس من حولي، واعتزازهم بي. في الواقع لم يخطر على بالي الفوز بالمنصب، كونها كانت المرة الأولى التي يفوز بها حزب العمّال بمنصب البلدية في وستمنستر، بعد أن كان المنصب عادة لحزب المحافظين. حصلنا على 31 مقعداً، بينما حصلوا على 23. بصراحة آمنت والدتي باحتمال فوزي بالمنصب أكثر منّي، وكان الفوز مفاجأة كبيرة ورائعة.

- هل يمكن أن تشاركنا رحلتك السياسية المحلية، وما الذي دفعك إلى هذه المشاركة؟ وكيف شكّلت تجربتك وجهة نظرك في الخدمة العامة؟

عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، فكّرت في كيفية الانخراط في السياسة، فانضممت إلى مجلس الشباب. بعدها ترشحت، وأصبحت نائباً في مجلس نواب الشباب في وستمنستر. عقب عام تقريباً رحت أسعى كي أصبح عضواً في مجلس البلدية، وبينما اعتبرني كثيرون شاباً جيداً، لكنهم اعتقدوا أنه من الصعب أن أصبح رئيساً للبلدية، لكني حظيت بالمنصب وأنا في الثامنة عشرة من عمري، وتوليت رئاسة بلدية كوينز بارك في وستمنستر. وكان هذا بالنسبة لي أكبر إنجاز.
كنت لا أزال في الجامعة، وكان عليّ أن أوازن بين دراستي الجامعية ومهامي في البلدية. ومن حظي أن معظم اجتماعات البلدية مصمّمة لتكون في المساء كي يتسنّى لرئيس البلدية إكمال وظيفته اليومية العادية، باعتبار أن هذا المنصب لا يعدّ وظيفة بدوام كامل. لذلك كنت أدرس في النهار، وأذهب إلى البلدية خلال فترة المساء. 
للتوضيح، هناك 18 منطقة في وستمنستر، ويجري تعيين ثلاثة رؤساء بلدية لكل واحدة منها، ما يعني أن هناك 54 رئيس بلدية في وستمنستر التي يعيش فيها ما يقارب 250 ألف شخص. عندما أصبحت رئيس بلدية لأول مرة، وفترة رئاسة البلدية أربع سنوات، كنت حينها في الثامنة عشرة، ومع اقتراب موعد الانتخابات التالية، ترشّحت مجدداً، وكنت حينها في الـ 22 من العمر، وفزت بمنصب العمدة في العام الماضي، والمنصب لعام واحد، واليوم عدت مجدّداً لأكون رئيس بلدية كوينز بارك لأربع سنين قادمة.

- تتمتع وستمنستر بتنوع ثقافي وعرقي غني. كيف تخطط للاستفادة من منصبك لتعزيز الشمولية والتمثيل للمجتمعات المهمشة، لا سيما من ذوي الخلفيات العرقية السوداء والآسيوية والمتعددة؟

وستمنستر تتمتع بتنوّع ثقافي وعرقي أكبر من أي منطقة أخرى في المملكة المتحدة. لذا عندما توليت منصب العمدة، أصبحت أتمتع بالسلطة للقيام بأمور عجزت عن إنجازها في الماضي، سواء من الناحية الثقافية أو الدينية، وأبرز ما قمت به خلال العام الماضي، كان تنظيم حفل ضخم بمناسبة عيد الأضحى. قد لا تكون المرّة الأولى التي تقام فيها مثل هذه الاحتفالات، وربما قام رؤساء البلديات السابقون بذلك أحياناً، لكني على يقين بأنها لم تكن ضمن أولوياتهم. أيضاً تزيّنت شوارع في وسط لندن بأضواء رمضان للمرّة الأولى هذا العام، وقمنا بتنظيم فعاليات عديدة حول التنوّع في مناسبات مثل شهر تاريخ السود، وجيل ويندروش، وقمنا بعرض العديد من الأفلام، بهدف رفع الوعي بالثقافات المختلفة في بلدية وستمنستر التي عانت في الماضي من مشاكل ترتبط بالتنوع العرقي.

تضم لندن تنوعاً كبيراً من العرقيات (دان كيتوود/Getty)
تضم لندن تنوعاً كبيراً من العرقيات (دان كيتوود/Getty)

أريد أن يكون لكل شخص مكانه وفرصته من دون تمييز بين أي عرق أو إثنية، وهذا ما كنت أسعى إليه حتى قبل أن أتولى منصب العمدة، وما لا أجده منطقياً هو احتكار هذا المنصب من أصحاب البشرة البيضاء لسنين عديدة، مع أنّ وستمنستر مدينة تزدحم بالأعراق والثقافات المختلفة، وأنا أوّل شخص من بين الأقليات العرقية الذي يستلم هذا المنصب، ويكسر القاعدة بعد طول انتظار.

- تتضمن خلفيتك التعليمية درجة الماجستير في الشؤون العالمية من جامعة كينغز كوليدج في لندن. كيف ترى تأثير خبرتك الأكاديمية على نهجك في اتخاذ القرارات؟

أعتقد أن دراستي الأكاديمية ساعدتني على فهم القرارات وماهيتها، وكيفية اتخاذها والتأثير بها، فضلاً عن ارتباطها بالسياسة، وهي أهمّ عنصر في وظيفتي. على سبيل المثال، أتاحت لي دراستي القدرة على فهم فوائد اتخاذ قرار توزيع وجبات المدارس المجانية، وماذا تعني بالنسبة لوجهة نظرنا السياسية وقيمنا، وبالفعل اتخذنا قرار التوزيع على الطلاب في العام الماضي.
وفق دراستي أيضاً، فليس من المنطقي أو المقبول أن أقول للناس إنني رئيس بلدية تابع لحزب العمال، لأن العديد منهم سيتساءل عن معنى انتمائي، وما القيم التي أؤمن بها. وبالتالي فقد ساهمت دراستي الجامعية وشهادة الماجستير في مساعدتي على تطبيق المبادئ التي أؤمن بها على أرض الواقع. واجهت في البداية تساؤلات وتعليقات من قبل العديد من الأشخاص، من قبيل: لماذا تدرس السياسة؟ أو أنّ السياسة لن تفيدني بأي شيء كونها ليست شهادة في الهندسة أو العلوم أو الرياضيات، وكنت أردّ بأن السياسة مهمة، وأنها ترتبط بجميع مناحي الحياة تقريباً.

- ما المبادرات التي تفكر فيها لإشراك المجتمع في تشكيل مستقبل وستمنستر؟ وكيف تخطط لتشجيع المشاركة المدنية والتأكد من سماع الأصوات المتنوعة وتمثيلها؟

أنا مهتم بحضور جميع الفعاليات في وستمنستر، سواء كانت فعاليات للمجتمعات المهمشة أو الثرية، بينما انصب تركيز رؤساء البلديات السابقين على حضور فعاليات محددة، خاصة بالأثرياء، وقد رأيت أنّ هذا الأمر مجحف، وأردت أن أتعامل مع جميع مناطق وستمنستر، فجميع السكان سواسية. لذلك حضرت ما يزيد عن 750 حدثاً في غضون عام، وكنت أذهب إلى جميع المناطق من دون أي استثناء، واللافت أنّه قبل أن أتولى المنصب، كانت هناك مجتمعات فقيرة لم تر يوماً عمدة المنطقة، وهذا كان أبرز تغيير ثقافي أنجزته في بداية تولي منصبي.

أود أن ألفت أيضاً إلى أن دور العمدة ليس سياسياً. ما يعني أنني لا أتخذ قرارات سياسية، مثل زيادة التمويل أو غير ذلك، بل يقتصر دوري على تمثيل وستمنستر على المستوى المدني، ومن ذلك حضور الاجتماعات والفعاليات، كما نقوم بالعديد من الأعمال مع السفارات المختلفة، ومع أعضاء من العائلة المالكة، ونتحدث إلى أهالي المنطقة، وإلى الشباب خصوصاً، ونشاركهم في همومهم. باختصار، أسعى إلى الاستماع باستمرار إلى احتياجات السكّان لمعرفة ما يمكن القيام به لتطوير المنطقة ضمن الإمكانيات المتاحة. من أبرز مطالب سكان وستمنستر بناء مزيد من الشقق والمنازل، وترميم القديم منها، فمن الواضح أنّه ليس لدينا ما يكفي، كما يزداد الطلب على المنازل الكبيرة ذات غرف النوم المتعددة.

- بالنظر إلى خبراتك. هل هناك برامج أو مبادرات محددة تنوي تنفيذها لدعم احتياجات وتطلعات الشباب في مجتمعك؟

عندما توليت منصب العمدة، اخترت تمثيل مؤسسة وستمنستر للشباب، لأنّها تعمل بشكل مباشر مع نوادي الشباب، وتتعامل مع أولئك الذين يواجهون مخاطر في الحياة، مثل الإدمان، أو الانزلاق في الجريمة، وتعمل على تحسين أوضاعهم، من خلال التعليم، أو التوجيه، أو توفير فرص العمل.
في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أقمنا فعالية كبيرة للشباب، وشاركت فيها الأميرة بياتريس، وهي أحد أعضاء العائلة المالكة، ولم ينته تمثيلي لمجلس الشباب مع انتهاء فترتي كعمدة، بل لا أزال أمثّل هذه المؤسسة حتى اليوم، وفي كل مكان.
للأسف وقعت حادثة طعن في وستمنستر، خلال فترة ولايتي، ثم وقعت حادثة طعن أخرى راح ضحيتها مراهق عراقي. بصفتي عمدة أو رئيس بلدية، جلّ ما يمكنني القيام به هو مساعدة الشباب الذين نرى أنهم عرضة للوقوع في خطر، وتوجيههم إلى الدرب الصحيح، لكن عند حدوث الجريمة تصبح الشرطة هي المسؤول الرئيسي.

- تعيين رئيس بلدية مسلم يسلّط الضوء على أهمية التمثيل في مناصب القيادة. كيف تأمل أن يلهم هذا المجتمعات والأفراد للمشاركة بنشاط في الشؤون المدنية، والعمل من أجل مجتمع أكثر شمولية وإنصافاً؟

في الماضي، كان رؤساء البلديات من أتباع الديانة المسيحية، ومن الطائفتين الكاثوليكية أو البروتستانتية، وكانوا يعينون قسيساً مسيحياً. كان من المثير للاستغراب أن أختار الإمام، باعتباره رمزاً إسلامياً، ليقوم بهذا الدور، وكذا حضور الفعاليات الدينية المختلفة، وفي الواقع استفاد الطرفان، الكنيسة والمسجد، من التبادل الديني المشترك.
أتمنى أن تلهم تعيينات أشخاص من أعراق مختلفة مزيداً من أصحاب الخلفيات المتنوعة. في معظم الأحيان نفكّر بصعوبة دخول هذا العالم كوننا أقليات، أو لأننا لا نؤمن بقدراتنا. بيد أنني أشجّع الجميع، وأخبرهم بأنّ حياتهم قد تتبدل بسرعة من دون الحاجة إلى العمل لمدة عشرين عاماً، بل فقط في غضون عام أو عامين. أخيراً، أود أن أعبر عن شكري وامتناني الكبير لكل شخص منحني القوة والأمل، أو جعلني أشعر بالراحة، وبالقدرة على تولي هذا المنصب، وتحقيق إنجازات فيه.

وصل جدا حمزة تاوزال من المغرب إلى بريطانيا في السبعينيات، واستقرا في وستمنستر، حيث ولد ونشأ وأكمل دراسته. شارك في مجلس شباب وستمنستر بعد نجاحه في الثانوية العامة، ثم انتخب لعضوية المجلس الشبابي في 2016. نال إجازة في العلوم السياسية من جامعة غولد سميث، ثم ماجستير من جامعة كينغز كوليدج في 2022. كان أحدث عضو مجلس في كوينز بارك حين اختاره حزب العمال للترشح لعضوية مجلس وستمنستر، كما يعد أصغر عمدة في وستمنستر.

المساهمون