العنف ضدّ النساء في المغرب مستمر. هذا هو الواقع بالرغم من إصدار قانون لمكافحة هذه الظاهرة قبل عامين، فهل طُبّق القانون وأعطى نتائج إيجابية؟
"كحركة نسائية ما زلنا نطلق التحذيرات بالنظر لارتفاع عدد النساء والفتيات ضحايا العنف والاغتصاب في المغرب". بهذه الكلمات تعلق رئيسة "شبكة إنجاد ضد عنف النوع" التابعة للرابطة الديمقراطية للدفاع عن حقوق المرأة (غير حكومية)، نجية تازروت، على ذكرى مرور سنتين على بدء العمل بأول قانون في تاريخ المغرب لمكافحة العنف ضد النساء.
وبالرغم من دخول القانون رقم 103 -13 حيز التنفيذ في 12 سبتمبر/ أيلول 2018، ما زال يواجه صعوبات مختلفة في تطبيقه على أرض الواقع بعد سنتين من اعتماده. ومن المفترض في هذا الإطار، اتخاذ مجموعة من التدابير الكفيلة بتحسين تفعيل القانون على أرض الواقع. كذلك، ما زال القانون يثير جدالاً واسعاً، بين من يعتبرونه قانوناً "ثورياً" ينصف المرأة ويضع حداً لمعاناتها، وبين من يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.
تقول رئيسة "شبكة إنجاد ضد عنف النوع" نجية تازروت، لـ"العربي الجديد": "في ظلّ الأوضاع الحالية، نطالب الدولة المغربية بتفعيل القانون، وتحسين نصوصه وتنقيحها، وكذلك توسيع مجال تفعيل تدابير الحماية وملاءمتها مع التدابير الدولية في ما يخص الحماية والوقاية وجبر الضرر وتشديد العقاب، كما توفير العناية اللازمة للنساء ضحايا العنف والناجيات منه، والتوعية في هذا التدبير التشريعي الجديد، ليشمل بالإضافة الى الضحايا المحتملين، السلطات المتدخلة في هذا الشأن كافة". وتعتبر تازروت أنّ هناك بطئاً كبيراً في التعامل مع تطبيق تلك المقتضيات بالرغم مما لهذا القانون من أهمية في ضمان استقرار الأسر والمجتمع، لافتة إلى أنّه بعد سنتين من إصدار القانون، تظهر الحاجة إلى تحسين مجال الوقاية والحماية وجبر الضرر بالنسبة للنساء ضحايا العنف والناجيات منه، وكدلك توفير الحماية اللازمة لهن والتكفل بهن.
من جهتها، تؤكد مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة (غير حكومية)، بشرى عبده، لـ"العربي الجديد"، أنّه "على الرغم من عدم تضمين القانون المقترحات التي كنا قد تقدمنا بها كجمعيات، فإنّه يعتبر خطوة إيجابية من أجل حماية النساء من العنف"، مشيرة إلى أنّ النهوض بأوضاع النساء ومناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي الذي ينخر المجتمع المغربي برمته، يقتضي تفعيل مقتضيات قانون 13 - 103 لحماية النساء من العنف، وإثراء ثقافة المساواة، وحماية حقوق النساء في الحياة والكرامة والحرية، والحق في السلامة الجسدية، والحق في السلامة النفسية والسلامة الجنسية. كذلك، تدعو عبده إلى تطوير أساليب عمل الخلايا المكلفة بالنساء ضحايا العنف، وذلك برؤية تنبني على المقاربة الحقوقية والنوع الاجتماعي (الجندر)، والعمل على بلورة مخطط عمل استعجالي بشراكة مع الجمعيات الفاعلة، وكذلك إرساء تدابير مناسبة من طرف وزارة العدل تكفل وصول النساء إلى العدالة واستفادتهن من المساعدة في حالة تعرضهن للعنف، أو للطرد التعسفي، وتبسيط المساطر (المعاملات الإدارية) لضمان حصولهن على حقوقهن القانونية.
عوائق في وجه المعنفات
وبحسب دراسة لفيدرالية رابطة حقوق النساء (غير حكومية)، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، فإنّ النساء في المغرب ما زلن يواجهن عوائق تحول دون لجوئهن إلى السلطات المكلفة بإنفاذ القانون للتبليغ عن حالات العنف التي يتعرضن لها، تتعلق، أساساً، بالحق في الوصول إلى العدالة، والتي حددتها في خمسة عوائق أساسية، ترتبط بالعوائق الثقافية المتمثلة في الموروث الثقافي الذي يطبّع مع ظاهرة العنف ضد النساء ويتسامح معها، متبوعة بالعوائق القانونية المرتبطة بعدم وضوح الإطار التشريعي، والعوائق الاقتصادية المتمثلة في ضعف الإمكانات وغياب المساعدة القانونية والقضائية للضحايا. وإلى جانب العوائق السابقة، قالت الدراسة إنّ المغربيات يواجهن عوائق نفسية تتمثل في الخوف وفقدان الأمل من الإنصاف اللذين يمنعان النساء من التبليغ عن العنف الذي يتعرضن له، فضلاً عن العوائق الإجرائية المتعلقة بسلوك بعض الجهات المكلفة بإنفاذ القانون.
دينامية إيجابية
وفي انتظار التقييم المؤسساتي المشترك بين جميع المعنيين بإنفاذ هذا القانون، من مؤسسة قضائية وقطاعات حكومية ومؤسسات أمنية وهيئات دستورية ومجتمع مدني، تعتقد وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، جميلة المصلي، أنّ القانون ساهم في إحداث دينامية إيجابية جداً في مجال حماية حقوق النساء والنهوض بها، وكان له أثر بالغ في تغيير عقليات شريحة واسعة من المجتمع المغربي تعتمد العنف كوسيلة للسيطرة والتحكم.
تقول الوزيرة المصلي لـ"العربي الجديد"، إنّ القانون ساهم في معاقبة ومعالجة أفعال كثيرة لم تكن مجرّمة سابقاً، كما تعبر عن ذلك الأحكام الصادرة في هذا المجال، ومكّن من تطبيق إجراءات جديدة للحماية، مثل إبعاد المعتدي وإحالته في بعض الأحيان إلى العلاج وغيره، وهي الإجراءات التي ستغير اللاتسامح المجتمعي مع العنف. كذلك، ساهم القانون في تعزيز المحيط المؤسساتي الحامي لحقوق النساء ضحايا العنف من خلال إنشاء اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، واللجان الجهوية للتنسيق، وكذلك من خلال تطوير شبكة التكفل المؤسساتي بالضحايا. وتلفت المصلي إلى أنّ العنف ضد النساء في المغرب تراجع عموماً في ظلّ الإجراءات المتخذة وجهود مختلف الفاعلين. وبالرغم من أنّ ذلك التراجع يبدو طفيفاً، إذ يزيد قليلاً عن 6 نقاط، فإنّه بحسب المصلي، مؤشر مهم يعطي الأمل في إمكانية التحكم في الظاهرة إذا استمرت الديناميات المختلفة المحاربة للعنف في المجتمع. فبالرغم من طابعه البنيوي (نابع من البنية الثقافية - الاجتماعية)، عرف العنف بشكل عام تراجعاً بين 2009 و2019. وتؤكد المقارنة بين بحثي المندوبية السامية للتخطيط (المنجز سنة 2009 والمنجز سنة 2019)، انخفاض حصة النساء اللواتي تعرضن لفعل واحد من العنف على الأقل بـ6 نقاط، منتقلة من 63 في المائة سنة 2009 إلى 57 في المائة سنة 2019، وأيضاً الانخفاض في الوسط الحضري بـ10 نقاط، لكنّ الانخفاض في الوسط القروي لا يتجاوز 1 في المائة.
تراجع
تقول وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، جميلة المصلي، إنّ هناك توجهاً عاماً نحو انخفاض العنف ضدّ النساء، يؤكده البحث الوطني الذي أنجزته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة سنة 2018، إذ أكد أنّ 54.4 في المائة من المغربيات تعرضن لشكل من أشكال العنف خلال الأشهر الـ12 التي سبقت البحث، بعدما كانت النسبة 63% عام 2009.