ما زالت قضية حبس المتخلفين عن دفع الديون في الأردن تشكل أزمة اجتماعية وحقوقية، رغم قرار مجلس النواب عدم تنفيذ الإجراء إذا تدنت قيمة الدين عن 5 آلاف دينار (7 آلاف دولار)، شرط ألا يكون بدل إيجار أو حقوقاً مستحقة لعامل. أما إذا زاد مبلغ الدين عن هذه القيمة فيمنع المتخلف عن التسديد من السفر، ويسجن لمدة تراوح ما بين 60 و120 يوماً في القضية الواحدة إذا لم يوافق على تسوية لا تقل دفعتها الأولى عن 15 في المائة من أصل المبلغ.
وأبلغ وزير العدل أحمد الزيادات مجلس النواب بأن عدد المتخلفين عن دفع ديون والذين صدرت مذكرات بإحضارهم، بلغ 148.269 حتى الأول من إبريل/ نيسان الماضي. وزاد العدد مع انتشار مؤسسات التمويل الصغيرة والمؤسسات التجارية التي تسهّل إجراءات الاقتراض لبيع منتجات معينة مثل أجهزة كهربائية وأثاث، ثم تتدخل لحبسهم لدى حصول تقصير في الدفع، ما يترك آثاراً اجتماعية على المدنيين وأسرهم.
يقول محمد، وهو أحد أصحاب الديون المتخلفين عن الدفع، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول، لـ"العربي الجديد": "أرزح تحت دين قيمته 16 ألف دولار، وقرار تأجيل حبس أصحاب الديون التي تقل عن مائة ألف دينار (140 ألف دولار) تركني حراً طليقاً".
وطالب بعدم حبس أي مستدين، معتبراً أن قرار مجلس النواب "خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه غير كافٍ، فسجن من لديه عائلة لن يفيد أحداً، وسيجعله يستمر في الإنفاق على عائلته على الأقل حالياً، وربما تتحسن ظروفه ويستطيع تسديد جزء من ديونه. وسجنه سيجعل الجميع خاسراً، هو نفسه والذي استدان منه وحتى الدولة".
من جهته، يقول إبراهيم دراغمة، مؤسس مبادرة "من حقي تصويب الأوضاع القضايا المالية"، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار مجلس النواب يتضمن نواقص ونتج عن ضغوط مارستها جمعية البنوك الأردنية ونقابة المحامين ومتنفذين، ويجب تعديله لأنه مجرد ذر للرماد في العيون".
يضيف: "نتمسك بعدم حبس أصحاب الديون استناداً إلى المادة 11 من الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه الأردن، والتي تورد أنه "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"، وشدد على "ضرورة التأكد والتثبت من أن المستدين ممتنع عن الدفع ومماطل وليس غير قادر. والجميع مع اتخاذ الإجراءات القانونية في حق المماطلين والممتنعين".
ويشير إلى أن 60 في المائة من أصحاب الديون أخذوا أجهزة هواتف خلوية من محلات لا يزيد ثمن الواحد منها عن 500 دولار، لكن الربا الفاحش جعل هذه المبالغ تصل إلى 3 أو 4 آلاف دولار، علماً أن عدداً كبيراً منهم يتلقون مساعدات من صندوق المعونة الوطنية.
ويذكر أن غالبية المشاكل التي يعاني منها المتعثرون عن الدفع هي التعامل مع المرابين، فقضايا ديون كثيرة بدأت من عدم القدرة على توفير علاج لمريض، أو دفع إيجار بيت. والدولة لا تحمي هذه الفئات، كما أنها لا تتحرى عن أصول الديون التي تتكاثر بسبب الربا الفاحش.
يتابع: "أحياناً عندما يفشل زوج في التسديد ويسجن، يجبر المرابون زوجته أو أقاربه على توقيع كمبيالات جديدة لمنحه مهلة زمنية، وإطلاق سراحه. وبعد خروجه بأشهر يعود المرابي ويرفع قضية جديدة فيغرق كثير من الناس بالديون".
ويكشف أن الكثير من الأردنيين تورطوا بديون بسبب قروض لشراء سيارات تخضع لرهن يسمح باستعادة السيارة لدى العجز عن الدفع، في حين تبقى المطالب المالية بقيمة الشراء نفسها، ويوضح أيضاً أن حديث وزير العدل عن أكثر من 148 ألف صاحب دين لم يشمل التجار وأصحاب المحلات الذين تعثروا عن الدفع في الفترة الأخيرة، وتتراكم عليهم مبالغ شيكات بلا رصيد، والذين يناهز عددهم 150 ألفاً أيضاً، ما يرفع إلى نحو 300 ألف عدد الأردنيين غير القادرين على تسديد ديونهم.
من جهته، يعلّق أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "قرار مجلس النواب له آثار اجتماعية خطيرة، فبعض الديون تتجاوز 7 آلاف دولار ولا يستطيع الناس تقسيطها أو دفعها. وفي حال توقيفهم سيؤثر ذلك على عائلاتهم، ربما عبر حالات انفصال وطلاق وضياع مستقبل الأبناء وعدم إكمالهم الدراسة. والأكثر خطورة في هذه القضايا المشاجرات والمشاكل التي قد تحدث بين المستدينين والدائنين، وتتسبب في عنف مجتمعي"، لكنه يستدرك بأن "القرار قد يحمي نساء متعثرات من تسديد الديون، واللواتي تعتبر نسبتهن عالية في فئة مقترضي المبالغ دون 7 آلاف دولار، ويضمن بالتالي عدم ابتعادهن عن بيوتهن وأبنائهن. كما يخفف القرار الضغط على مراكز الإصلاح والسجون التي تناهز نسبة الإشغال فيها 140 في المائة، خاصة أن هناك عدداً غير قليل ممن تقل ديونهم عن 7 آلاف دولار. وقد أعلنت الحكومة سابقاً أيضاً أن الكلفة الشهرية لنزيل واحد في مركز الإصلاح تناهز ألف دولار".
ويرى الخزاعي أيضاً أن هذا القرار قد يدفع بعض الناس للاستدانة بمبالغ تقل عن 7 آلاف دولار. وقد يحاول البعض استثمار القرار لتسيير أعمال بلا خوف من عواقب السن ويماطل في تسديد المستحقات ولا يعطي الحقوق لأصحابها.