حظر تعليم الفتيات يكشف عن صراع جناحين متشدّد ومنفتح داخل "طالبان"

15 ابريل 2022
أفغانيات يشاركن في احتجاج أمام وزارة التعليم في كابول (أحمد سهل أرمان/فرانس برس)
+ الخط -

يُظهر قرار حركة طالبان حظر تعليم النساء إحكام المحافظين المتشددين قبضتهم على الحركة الإسلامية، ويعكس صراعاً على السلطة يتهدد مصير مساعدات إنسانية يحتاج إليها بشدة الشعب الأفغاني، وفق محلّلين.

أثار حرمان الشابات من التعليم موجة تنديد دولية، لا بل سبب إرباكاً داخل صفوف الحركة.

وقال عضو بارز في "طالبان" في تصريح لوكالة فرانس برس، إنّ القرار كان "مُدمّرا"، موضحاً أنّ "المرشد الأعلى تدخّل شخصيا".

وكل مسؤولي طالبان الذين أدلوا بتصريحات لفرانس برس بهذا الشأن اشترطوا عدم كشف هوياتهم نظرا إلى حساسية المسألة.

والشهر الماضي، أمرت السلطات بإغلاق المدارس الثانوية للبنات، بعد ساعات قليلة على السماح بإعادة فتحها لأول مرة منذ عودة طالبان إلى الحكم في آب/أغسطس.

وجاء التغيير الصادم في الموقف عقب اجتماع سري عقدته قيادة الحركة في مدينة قندهار، مركز الثقل الفعلي لطالبان.

ولم يصدر أي موقف عن أي مسؤول يبرر القرار، وتم الاكتفاء بالقول إن تعليم الفتيات يجب أن يكون وفقا "للمبادئ الإسلامية".

لكن مسؤولا رفيعا في طالبان قال في تصريح لفرانس برس، إنّ المرشد الأعلى هبة الله أخوند زادة وقياديين آخرين مواقفهم "محافظة بشدة في هذا الشأن" وقد طغت نظرتهم على النقاشات.

وبرز في صفوف الحركة فصيلان، الأول محافظ متشدد والثاني أكثر انفتاحا، بحسب المسؤول الذي قال إن "المحافظين المتشددين كسبوا هذه الجولة" في إشارة إلى مجموعة من رجال الدين بينهم وزير العدل في حكومة طالبان عبد الحكيم شرعي ووزير الدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمد خالد حنفي.

 نفوذ قندهار 

يشعر رجال الدين بأنهم مستبعدون من قرارات الحكومة والتعبير عن معارضتهم لتعليم الفتيات يشكّل وسيلة لاستعادة نفوذهم، وفق الباحثة آشلي جاكسون المتعمّقة في الشأن الأفغاني.

وقالت الباحثة في تصريح لفرانس برس، إنّ "التأثير الهائل لهذه الأقلية" يحول دون مضيّ البلاد قدماً في مسار تحبّذه غالبية كبيرة من الأفغان، بمن فيهم قياديون في الحركة.

من جهته، أوضح المحلل في مجموعة الأزمات الدولية غرايم سميث أنّ هذا التأثير "يُظهر أن قندهار لا تزال مركز الثقل السياسي لطالبان".

وقال مسؤول رفيع في طالبان، إنّ المتشددين يحاولون استرضاء آلاف المقاتلين الذين ينحدرون من الريف المحافظ.

وتابع: "هؤلاء يعتبرون أن مجرّد خروج المرأة من منزلها مناف للأخلاق. لذا تخيّلوا ماذا يعني (بالنسبة إليهم) تعليمها".

وأكّد العضو في الحركة أن أخوند زادة يعارض "التعليم العصري العلماني"، ويربط هذا الأمر بما كانت عليه الأمور في عهد الرئيس السابق أشرف غني وسلفه حامد كرزاي.

استولت طالبان على الحكم العام الماضي بعدما انسحبت من أفغانستان القوات الأميركية التي غزت البلاد وأطاحت الحركة من الحكم في العام 2001.

وفي السنوات العشرين التي أعقبت إطاحة حكومة الحركة سُمح للبنات بالتعلّم كما سُمح للنساء بالعمل في كل القطاعات، على الرغم من تمسّك البلاد بطابعها المحافظ. وأشار الناشط والباحث الإسلامي، تفسير سيابوش، إلى أن الفتيات في أفغانستان لطالما تابعن الدروس في صفوف غير مختلطة واتّبعن منهجا إسلاميا، لذا فإن الحظر يظهر أن طالبان تسعى إلى "قمع حقوق النساء وتختلق لذلك أعذارا".

نكسة للمساعدات الدولية 

وأكد مصدر في طالبان في باكستان وجود اختلاف في الآراء على هذا الصعيد على مستوى القيادة، لكنّه شدد على أن الحركة ليست عرضة لخطر الانقسام. وقال: "هناك نقاش دائر حول هذه القضية... لكننا نحاول تخطي الاختلافات".

لكن محلّلين يشددون على أن المنع شكّل نكسة لجهود طالبان الساعية إلى نيل اعتراف دولي بشرعية حكمها، وإلى تلقي مساعدات من أجل التصدي للأزمة الإنسانية التي تشهدها البلاد.

وبالنسبة إلى جاكسون، لا أخوند زادة ولا من هم مقربون منه "يدركون تماما أو يقدّرون" عواقب قرارهم بالنسبة للمجتمع الدولي الذي ربط الاعتراف رسميا بطالبان باحترام حقوق النساء. ويوافقها الرأي مسؤولون بارزون في الحركة.

وقال مسؤول في طالبان من قندهار: "نحن نقول لهم (للمحافظين المتشددين) إن إدارة البلاد تختلف عن إدارة مدرسة" إسلامية. وتابع: "كانت كل الأمور تسير بسلاسة إلى أن صدر هذا القرار المتشدد. وهو صدر عن قائدنا لذا علينا أن نطبّقه، لكننا نحاول تغييره". وبيّن سميث أنّ الحظر يقلّص انفتاح الحكومات على التعاون مع طالبان، و"يطرح تساؤلا حول الجهة التي يتعيّن التحاور معها داخل طالبان".

(فرانس برس)

المساهمون