حسرة فراق الأهل والأرض تطارد فلسطينيين أميركيين تم إجلاؤهم من غزة

07 نوفمبر 2023
معبر رفح يعد المعبر الوحيد للخروج من غزة خلال القصف الإسرائيلي (رويترز)
+ الخط -

لم يكن عبور الأميركية الفلسطينية سوزان بسيسو (31 عاماً) من قطاع غزة إلى مصر، فراراً من القصف المتواصل للاحتلال الإسرائيلي على القطاع، أمراً سهلاً، إذ سبقتها 4 محاولات فاشلة.

بسيسو واحدة من مئات الذين يحملون جوازات سفر أجنبية وسُمح لهم بمغادرة القطاع منذ الأسبوع الماضي، والنجاة من قصف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

"في كل مرة كنا نذهب إلى الحدود، كنا نتعرض للقصف ونشعر بالفزع... القنابل تتساقط في كل مكان يميناً ويساراً" قالتها بسيسو خلال مقابلة في القاهرة التي وصلت لها براً بعد العبور إلى شبه جزيرة سيناء.

الصورة
الفلسطينية الأميركية سوزان بسيسو (شريف فهمي/رويترز)
الفلسطينية الأميركية سوزان بسيسو، أمام نقابة المحامين المصرية (شريف فهمي/ رويترز)

وبينما تفرض إسرائيل حصاراً مطبقاً على قطاع غزة، يظل معبر رفح المعبر الوحيد للخروج من غزة، حيث لا يوجد على الحدود مع إسرائيل، لكنه مع بدء القصف خرج عن الخدمة لنحو أسبوعين وسط خلافات دبلوماسية حول ترتيبات السماح بدخول المساعدات وخروج المغادرين.

ومنذ ذلك الحين، يتم السماح بدخول كميات ضئيلة من مواد الإغاثة إلى غزة على متن شاحنات كما غادر بعض الأشخاص، إلا أن الترتيب هش وتم تعليقه يوم السبت قبل استئنافه أمس الاثنين.

بسيسو: الأمر يبدو مثل تخييرك بين الموت والمغادرة... ما الذي ستختار: ذكريات طفولتك، بيتك، أرضك، أو أن تبقى على قيد الحياة؟

تقول بسيسو، التي أمضت حوالي نصف حياتها في غزة ونصفها الآخر في الولايات المتحدة، إنها كانت تتكدس مع أقاربها في غرفة واحدة في منزل شخص غريب وسط شح في الغذاء والماء ومضت عليها ليال لم يغمض لها فيها جفن بسبب الضربات الجوية، مضيفة أنه "مجرد فيلم رعب يتكرر باستمرار... لا نوم، لا يوجد طعام، لا يوجد ماء. تظل تنتقل من مكان لآخر".

وتابعت أنها كانت تنتظر في إحدى المرات بمنطقة استراحة بجوار الحدود مع شقيقتها وقريب لها وأصيبت بالذعر عندما سمعت دوي ضربة بالقرب من مكان انتظار والديها وقريب آخر في الخارج، مشيرة إلى أنهم نجوا بأعجوبة، لكن الفلسطينيين تلقوا أمراً بإغلاق الحدود ورجعت العائلة أدراجها في رحلة ملؤها الخوف بسيارة أجرة إلى غزة.

الصورة
الفلسطينية الأميركية سوزان بسيسو (شريف فهمي/رويترز)
الفلسطينية الأميركية سوزان بسيسو تجلس بجوار جدتها (إبراهيم أبو مصطفى/ رويترز)

تروي بسيسو مستذكرة طريق العودة إلى المنزل "في طريقنا إلى المنزل، كانت طائرات الهليكوبتر تقصف منطقة الشاطئ، وكانت القنابل تتطاير فوق رؤوسنا، يميناً ويساراً، وكانت الطائرات تقصف أيضاً".

في نهاية الأمر، سُمح لأول دفعة من الأجانب وبعض الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي بشكل عاجل ببدء مغادرة غزة في الأول من نوفمبر تشرين الثاني، بعد مفاوضات جرت بمشاركة الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر ومصر.

وحالف بسيسو الحظ لأنها كانت ضمن المجموعات الأولى التي سُمح لها بالمغادرة من بين إجمالي نحو سبعة آلاف شخص من حاملي جوازات السفر الأجنبية المتوقع مغادرتهم. لكنها تشعر بالحسرة ولا تريد أن تعيش من جديد بنفس ألم الفراق الذي عاشته جدتها، البالغة من العمر الآن 89 عاما، عندما نزحت من مسقط رأسها في يافا قبل 75 عاما.

وقالت "الأمر يبدو مثل تخييرك بين الموت والمغادرة... ما الذي ستختار: ذكريات طفولتك، بيتك، أرضك، أو أن تبقى على قيد الحياة".

وخلال مغادرة الأسرة منزلها في غزة، بدأت جدتها في الصراخ والقول إنها لا تريد الذهاب، وكان على بسيسو أن تتوسل لها.

وخلال الرحلة وسط سيناء، قالت إن جدتها كانت تنظر بريبة لمساكن مبنية حديثا وسألت السائق عن سبب بنائها وأكدت تمسكها بأنها ستبقى في مصر لشهر واحد فقط ثم ستعود لبيتها.

الصورة
الفلسطينية الأميركية حرة محمد تمراز في نقابة المحامين المصرية (محمد عبد الغني/رويترز)
الفلسطينية الأميركية حرة محمد تمراز أمام نقابة المحامين المصرية (محمد عبد الغني/رويترز)

كان هذا لسان حال آخرين، بعدما اضطر بعضهم لترك أحبائهم في غزة، إذ عبرت الأميركية الفلسطينية جنا تمراز (19 عاما) إلى مصر مع شقيقتها ورضيعها البالغ من العمر ثلاثة أشهر، لكنها لم تتمكن من ذلك إلا بعدما توسلت لمسؤولي الحدود لأن اسم ابنها لم يكن مدرجا على القائمة المعتمدة مسبقا، بينما لم يتمكن زوجها ووالداها وإخوتها، الذين لا يحملون الجنسية الأميركية، من المرور.

وقالت بعد وصولها إلى القاهرة "أنا هنا في مصر، لكن قلبي يعتصر على عائلتي وزوجي الذين تركتهم".

الصورة
الفلسطينية الأميركية يسرى البطنيجي أمام نقابة المحامين المصرية (شريف فهمي/رويترز)
الفلسطينية الأميركية يسرى البطنيجي أمام نقابة المحامين المصرية (شريف فهمي/رويترز)

يسرا البطنيجي (78 عاما) انتقلت من شمال غزة إلى جنوب القطاع تحت وطأة اشتداد القصف، وأقامت في منزل مع 30 شخصاً قبل أن تتوجه إلى الحدود مع زوجها يوسف الذي يعاني من ظروف صحية.

وُلدت البطنيجي في غزة ولكنها تحمل أيضا الجنسية الأميركية وحصلت على قطعة أرض بجوار منزلها عام 2005 حيث زرعت أشجار زيتون وليمون ونخيل، تقول بعد وصولها إلى القاهرة" قبل أن أغادر دعوت الله أن أعود لهذا المنزل حتى لو صار ترابا".

وتابعت "آمل أن يذهب الناس لبيتي ويأخذوا التمر والزيتون، حتى لا يضيع".

وتسببت الحرب المستمرة منذ شهر في أزمة إنسانية متفاقمة في غزة مع تصاعد العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي  وسط نزوح متكرر لكثيرين من بين سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بحثا عن المأوى والأمان.

وتعارض مصر بشدة أي اقتراحات بتهجير جماعي من غزة إلى سيناء، ويرجع ذلك لأسباب من بينها المخاوف من موجة لجوء جديدة دائمة على غرار النكبة التي تعرض لها الفلسطينيون عندما اضطروا لترك منازلهم في حرب 1948 بعد استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على أراضي الفلسطينيين وبيوتهم.

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون