استمع إلى الملخص
- يلعب المجتمع العراقي دوراً مهماً في التوعية ضد هذه الحركات، من خلال حملات في المدارس والمناطق الريفية، ومشاركة خطباء المساجد، مع رفض الشباب للأفكار المنحرفة.
- تعود هذه الظاهرة لعوامل اجتماعية واقتصادية مثل البطالة والفقر، وتستغل الحركات ضعف الشباب، مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأفكار بسرعة.
شهد المجتمع العراقي أخيراً تحركات حكومية وأمنية واسعة ومبادرات من جهات مختلفة لمواجهة حركات وأنشطة دينية تصف بيانات رسمية بعضها بأنها "مُنحرفة" لأنها تتبنى طقوساً قاسية تصل إلى الانتحار، وهي تلاقي استهجاناً واسعاً من المجتمع العراقي.
تروّج هذه الحركات والأنشطة الدينية معتقدات وأفكاراً وتفسيرات جديدة لنصوص دينية، من بينها الانتحار لتسريع ظهور علامات "نهاية الزمان"، أو تفسيرات أخرى لإلحاق الأذى بالنفس من أجل التكفير عن الذنوب. وتعتبر جماعات "القربان" و"العلويون" و"النذر" من أبرز هذه الحركات. وهي تتبنى أفكاراً وطقوساً أبرزها التضحية بالنفس خلال جلسات جماعية، أو إلحاق الأذى الجسدي الشديد للتكفير عن الذنوب.
في سبتمبر/ أيلول الماضي، أطلقت وزارة الداخلية برنامجاً اعتبر الأول من نوعه في البلاد تضمن بنوداً وفقرات عدة شارك فيها علماء دين وزعماء ووجهاء قبائل وأكاديميون "في شأن سبل الانتباه إلى خطورة الحركات المنحرفة التي تحاول زج الشباب في متاهات من خلال نشر أفكار شاذة ذات اتجاهات متعددة"، بحسب ما أفاد بيان أصدرته وزارة الداخلية.
ويرى مسؤولون أمنيون ومتخصصون في شؤون المجتمع أن الأميّة والتراجع المعرفي والفقر أسباب رئيسة لظهور هذه الحركات.
خلال شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين، اعتقل جهاز الأمن الوطني العراقي 60 شخصاً ينتمون إلى جماعة القربان في الجنوب، من بينهم عدد من قادتها الذين يُطلقون على أنفسهم اسم "دُعاة". إلى ذلك شهدت مدن عدة من بينها الناصرية والمثنى في الجنوب انتحار نحو 25 شخصاً ينتمون إلى جماعة القربان تحديداً هذا العام.
يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد، حسن الطائي، لـ"العربي الجديد": "يرتبط ظهور الحركات المنحرفة في شكل رئيسي بمستوى التعليم والوعي الثقافي ومشكلة الفقر أيضاً. ورغم أن عدد المنتمين إليها قليل مقارنة بالمجتمع العراقي كله، تبقى ظاهرة يجب دراستها لأنها تسببت في مقتل كثيرين. ولدى فحص سير الذين انتحروا أو انخرطوا في هذه الجماعات أو الحركات يظهر أن العامل المشترك الوحيد بينهم هو عدم إكمال دراستهم والفقر والنشأة في بيئات متدينة تغرق بالتفاصيل التي تتحدث عن الآخرة، وتهمل واقع احتمال حصول تغييرات في الحياة".
ويشير إلى أن "العراق شهد منذ الغزو الأميركي عام 2003 العديد من الحركات الإرهابية التي كانت تقتل آخرين يعارضونها، أما هذه الحركات فتطبق قتل النفس، ولا تعتبر مؤذية خارج إطار من ينتمون إليها، وهذا ما يبرر وصف الحكومة العراقية هذه الحركات بأنها منحرفة ورفض اعتبارها إرهابية".
ويذكّر الطائي بأن "فرقاً صوفية تتبنى أيضاً الضرب بالسكاكين أو الأسياخ الحارة، في جزء من طقوس خاصة بها تعتبر دخيلة أيضاً على روح الإسلام".
يقول عضو مجلس شيوخ عشائر جنوب بغداد، رياض الفتلاوي، لـ"العربي الجديد": "يمكن أن تلعب العشائر دوراً كبيراً في التأثير في المجتمع الذي يرتبط بشكل كبير بالقبيلة، وتتمتع فيه العشائر بسلطة اجتماعية قوية. وفعلياً يمكن أن يُطلق شيوخ عشائر مبادرات اجتماعية عدة لمواجهة هذه الحركات والتوعية من مخاطر طقوسها وتوجهاتها الدينية المنحرفة، كما يمكن أن تتضمن الجهود عقد مؤتمرات وندوات دينية تهدف إلى تفنيد الأفكار المتطرفة وإبراز المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي. وحالياً يجري تنظيم حملات توعية في المدارس والمناطق الريفية، ويتحدث خطباء جمعة في المساجد عن خطورة الانحراف الديني وضرورة التمسك بالتعاليم الدينية السمحة".
من جهته، يقول الشيخ محمد عبد الرحمن، وهو خطيب مسجد في بغداد، لـ"العربي الجديد": "تؤثر الأفكار المنحرفة التي يخشاها العراقيون بشكل أكبر على المراهقين والشباب الذين ينخرطون في الحركات المنحرفة لأسباب تتعلق بنشأتهم أو بالظروف الخاصة التي يمرون بها. والدور الذي يتحمله علماء الدين وخطباء المساجد كبير في مواجهة الأفكار الإرهابية، أو التي تؤذي النفس وتتسبب في الانقطاع والعزلة عن المجتمع، وهم يواصلون محاربة هذه الحركات من خلال الخطب والمحاضرات التي يلقونها في المساجد نفسها أو خارجها من خلال التجمعات والمناسبات المختلفة. وهم يتحدثون إلى الناس ويحذرونهم، ويتمسكون بالحفاظ على المجتمع من الانحراف على أساس الالتزام بالتعاليم الدينية السمحاء".
وعموماً يرفض الشبان بمختلف توجهاتهم الفكرية والعقائدية الأفكار المنحرفة، ويؤكدون تمسكهم بالقيم المجتمعية التي يرون أنها أساس للحفاظ على استقامة السلوك.
يعتبر أنس خالد، وهو طالب جامعي، أن "ظهور هذه الحركات يرتبط بقلّة التعليم والوعي". يضيف لـ"العربي الجديد": "يُشفق المجتمع على هؤلاء لأنهم ضحايا أحداث وأزمات مرّت بالعراق خلال الأعوام العشرين الماضية، وحرمتهم من التعليم، والعيش في شكل طبيعي".
ويشير إلى أن "ما يشهده العراق من محاولات لنشر أفكار غريبة ومنحرفة لا يتوقف فقط على الجانب الديني، بل يتحدث كثيرون عن تجمعات تتبنى أفكاراً سيئة للغاية من بينها عنصرية تعطي أفضلية لعرق على آخر".
يشرح الباحث الاجتماعي وليد خالد، لـ"العربي الجديد" أن "هذه الظاهرة تعود إلى مجموعة عوامل اجتماعية ونفسية واقتصادية ساهمت في خلق بيئة مناسبة لانتشار هذه الأفكار. ومن بين أبرز أسبابها الأوضاع الاقتصادية، فالبطالة والفقر اللذين يعاني منهما الشباب تدفع بعضهم إلى البحث عن هويات بديلة أو جماعات يمكنهم الانتماء إليها. وهذه المجموعات تستغل بدورها ضعف الحالة النفسية والمعنوية لهؤلاء الشباب من أجل ترويج أفكارها المتطرفة".
يضيف: "التحوّلات الاجتماعية التي شهدها العراق في العقود الأخيرة، بينها الصراعات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي، ساهمت في خلق فراغ ثقافي وديني جعل بعض الأشخاص عرضة للتأثر بأفكار دخيلة منحرفة تدعي أنها تقدم الحلول أو البدائل، في وقت يشعرون فيه بعدم الثقة بالأنظمة التقليدية".
ويشدد على أن "ضعف التربية الدينية والتعليمية يلعب دوراً كبيراً في ظهور هذه الجماعات، حيث يفتقر العديد من الشباب إلى التوجيه الديني الصحيح، ما يسهّل استغلال الجماعات المتطرفة لهم من خلال تقديم تفسيرات مشوّهة للنصوص الدينية، أو نشر مفاهيم مغلوطة تتعارض مع التعاليم الدينية الصحيحة".
ويؤكد خالد أن "التأثيرات الخارجية، سواء من خلال الإنترنت أو وسائل الإعلام الحديثة، تمثل تحدياً آخر، إذ تُستخدم منصات التواصل الاجتماعي لترويج هذه الأفكار بسرعة وكفاءة، ما يجعل الشباب أكثر عرضة للتأثر بها من دون وجود إشراف كافٍ من العائلة أو المجتمع".