حرق المصحف في السويد... محاولات الاستفادة من نموذج فنلندا

06 يوليو 2023
أحرجت أزمة سماح السويد بحرق القرآن علاقاتها مع العالم الإسلامي (مرتضى نيكوبازل/ Getty)
+ الخط -

بعدما عاشت السويد أسبوعاً حرجاً في علاقاتها مع العالم الإسلامي الذي ندد بسماح سلطاتها بحرق متطرفين نسخاً من القرآن، اعتبر قانونيون محليون أن "حرق القرآن قد يندرج تحت بند انتهاك القانون"، في حين حذرت جهات متخصصة بالقضايا الأمنية من أن "السويد قد تصبح بعد عام ونصف العام من انطلاق هذه الأعمال هدفاً للإرهاب، كما كانت حال الولايات المتحدة"، بحسب ما قال الباحث في قضايا الإرهاب بأكاديمية الدفاع السويدية مانوس رانستروب.
وأوضح أستاذ القانون في جامعة لوند (جنوب)، فيلهلم بيرسون، في حديثه لصحيفة "سفنسكا داغبلاديت"، أن "المحاكم السويدية لم تحسم مسألة إذا كان حرق القرآن يعتبر تحريضاً ضد مجموعة عرقية".

وكانت محكمة سويدية قد قضت في إبريل/ نيسان الماضي بعدم قانونية قرار الشرطة منع زعيم حزب "سترام كورس" المتطرف راسموس بالودان من حرق نسخة من القرآن، واعتبرت أن ما نفذه "لم يستهدف جماعة المسلمين، بل رمزاً دينياً".
وبررت جهات قضائية وسياسية القرار بأن "رموز الأديان ليست في منأى عن النقد على صعيد حرية التعبير"، علماً أن محاولات عدة فشلت في منع بالودان من حرق نسخ من المصحف في السويد أو بلده الدنمارك، وهو ما زال يخضع لتحقيق في شأن تنفيذه "تصرفاً حرّض على مجموعة عرقية"، منذ أن أحرق في ربيع العام الماضي نسخة من القرآن في مدينة مالمو، جنوبي السويد.

وإثر تنفيذ دول مسلمة عدة تحركات ديبلوماسية للمطالبة بمقاطعة السويد بسبب الأحداث الأخيرة، تشعر ستوكهولم بوطأة الانعكاسات السلبية للأزمة على مصالحها، ما دفع رجال قانون محليين إلى المطالبة بالتعامل مع قضية حرق نسخ من القرآن كما حصل في قضية منع الحركة النازية في "جبهة مقاومة الشمال" من التظاهر أمام كنيس ومراكز يهودية في مدينة غوتنبرغ عام 2017. وأيد هذا الرأي بيرسون وقانونيون آخرون، كما نقلت عنهم وسائل إعلام.
وما زال السويديون يذكرون الأحداث الدموية التي تسبب بها بالودان خلال تظاهراته مع حفنة من مؤيدي حزبه "سترام كورس" خلال عيد الفصح عام 2022، حين شهدت مدن لينشوبينغ ونورشوبينغ وأوريبرو ولاندسكرونا ومالمو وستوكهولم ورينكيبي احتجاجات عنيفة ضد تصرفات بالودان، وحصولها على تغطية من السلطات.  

اعتقال رجل ألقى حجارة على محتجين ضد حرق القرآن في ستوكهولم (نيلز بيتر نيلسن/ Getty)
اعتقال رجل ألقى حجارة على محتجين ضد حرق القرآن في ستوكهولهم (نيلز بيتر نيلسن/ Getty)

ويبدي سياسيون في السويد والدنمارك امتعاضهم من تصرفات المتطرفين، ويرفضون انتشار "جرائم ضد الحرية الدينية"، أو التحريض ضد المسلمين واستفزازهم. لكن هؤلاء يجدون أنفسهم مكبلين بقوانين حرية التعبير. أما صانعو القرار في السويد فيرون أن سماح السويد بحرق نسخ من القرآن يعرّض مصالح وعلاقات البلد للخطر، خصوصاً عضويته في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بالتزامن مع تزايد عدد النواب الأتراك الذين يعارضون قرار عضوية السويد في البرلمان، وإعلان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان رفضه المصادقة على القرار.
وحالياً يحاول رجال قانون ومشرعون في ستوكهولم مناقشة ما انتهجته فنلندا لنيل عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، من خلال الإسراع في حظر تنفيذ أي أنشطة تحمل طابع جرائم كراهية أو تستهدف أقليات دينية، وذلك استناداً إلى قانون فنلندي قديم يعتبر حرق القرآن "جريمة ضد الحرية الدينية"، علماً أن بالودان أراد في العام الماضي الحصول على تصاريح لتنفيذ نشاطات لحرق القرآن في هذا البلد.
لكن القانون السويدي يختلف عن القانون الفنلندي في شأن استهداف أشخاص على خلفيات عرقية. وفيما يضمن قانون حرية التعبير في البلدين اتخاذ مواقف نقدية من كل شيء تقريباً، يحمي قانون حرية التعبير في هلسنكي القضايا الدينية والعقائدية، من دون أن يشمل ذلك فقط الكتب الدينية، بل أيضاً البيانات والتصريحات التي تعتبر مسيئة. أما القانون السويدي فيلاحق الأشخاص باسم "التحريض ضد مجموعة عرقية"، لكن تطبيقه لا يحصل بالقوة ذاتها في القانون الفنلندي الذي يلحظ أيضاً الملاحقة القانونية في حال حصل ذلك على أساس ديني.

وفي كل الأحوال، تشبه مشكلة السويد مع استهداف الأديان، خصوصاً المسلمين والقرآن، مشاكل في دول بغرب أوروبا وشمالها ألغت قوانين مماثلة تتعلق بالتجديف والكفر، وهو ما فعلته بريطانيا عام 2008 والنرويج عام 2015 والدنمارك عام 2017، بينما تستمر بعض الدول في أوروبا الشرقية بالاحتفاظ بهذه القوانين. كما تستفيد فنلندا من بند في قانونها يتعلق باستهداف معتقدات آخرين.
ويبدو أن ستوكهولم بدأت تسير فعلياً نحو إيجاد مخرج من المعضلة المتكررة، بعدما أصبحت الأثمان التي يتسبب بها من يطلق عليهم محلياً اسم "متطرفون مختلون" أكبر بكثير من منح رخص لنشاطات تستهدف جذب استعراضات إعلامية.

المساهمون