حرائق كندا: الآلاف ينزحون إلى الجنوب هرباً من الشمال المشتعل

19 اغسطس 2023
يتفرجون على الحرائق المشتعلة (دارين هول/ فرانس برس)
+ الخط -

أمضت كريستال سانغريس (33 عاماً) ثلاث ليال صعبة لم تكد تنام خلالها منذ إجلائها من مدينتها في شمال كندا إلى جنوب البلاد، هرباً من حرائق غابات هائلة. وقالت في مطار كالغاري بعدما غادرت منزلها في يلونايف، المدينة التي يسكنها 20 ألف نسمة والمحاطة بألسنة اللهب: "لم أتخيل أبداً أن هذا اليوم سيأتي". أضافت سانغريس وهي من شعب شاماتاوا الأصلي: "لم أكن أريد مغادرة المنزل، كنت أتمزّق".

أجليت ربة المنزل مع زوجها وأطفالها الثلاثة في إحدى الرحلات العديدة التي هبطت في كالغاري على مسافة أكثر من 1700 كيلومتر من الحرائق. وأصبح مطار كالغاري في مقاطعة ألبرتا المجاورة مركز استقبال لمن أجلوا، في عملية ضخمة غير مسبوقة في المنطقة. وحذّرت السلطات من أن الحريق المستعر على مسافة نحو 15 كيلومتراً من يلونايف، قد يصل إلى المدينة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وخصوصاً أن الظروف الجوية تعيق عمل رجال الإطفاء.

ويسجّل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم بمجرد هبوطهم في مبنى الرحلات الداخلية في كالغاري، ويصل بعضهم مع حيواناتهم الأليفة. يقدم لهم المتطوعون والمسؤولون المحليون الطعام والماء قبل نقلهم إلى فنادق قريبة تستخدم كملاجئ للنازحين. وقالت سانغريس خلال انتظارها مع عائلتها حافلة لنقلهم إلى الفندق المخصص لهم: "أنا متوترة ومرهقة للغاية، وكذلك عائلتي. نحن متعبون". وتابعت: "ابنتي بالكاد تبلغ عامين. كل شيء جديد عليها، هي لا تفهم ما يجري. وابني، البالغ خمس سنوات، يقول: أريد العودة إلى المنزل". وأضافت: "نحاول أن نجعله يفهم أنه لا يمكننا العودة إلى المنزل وأن هناك وضعاً خطيراً للغاية في الديار".

عندما طلبت منها السلطات الخميس الاستعداد للإخلاء، قالت سانغريس إنها حاولت ألا تصاب بالهلع. "أردت أن أكون قوية من أجل أطفالي"، لكن الخوف تغلّب عليها. وقالت: "كنت أبكي. لم أكن أريد أن يراني ابني". وتابعت أنه عندما قررت المغادرة، جمعت أغراضها الثمينة، مثل الملابس الأولى التي ارتدتها ابنتها بعد ولادتها وصور أقارب متوفين وصور أطفالها في المدرسة. وعلى الرغم من قولها إنها منهكة من المحنة، بقيت متفائلة. وختمت: "آمل فقط في أن نتجاوز هذا الأمر معاً بنجاح وأن نعود جميعنا إلى الديار سالمين وألا تكون يلونايف محترقة تماماً". 

وأرغمت الحرائق العنيفة المشتعلة في كندا السلطات على إخلاء مدينة يلونايف (شمال)، وباتت تهدد منطقة في مقاطعة بريتيش كولومبيا على مسافة ألفي كلم، أعلنت فيها حال الطوارئ. وأعلن رئيس وزراء المقاطعة (غرب) ديفيد إبي: "لا يمكن التكهن بالوضع في الوقت الحاضر وتنتظرنا أيام صعبة".

وفي الشمال، أمهلت السلطات سكان مدينة يلونايف البالغ عددهم عشرين ألفاً حتى ظهر أمس الجمعة للمغادرة، في سباق مع الوقت معقد بسبب عزلة عاصمة الأقاليم الشمالية الغربية الكندية. ووصل بعض الذين تم إجلاؤهم إلى مطار كالغاري حاملين حقائب صغيرة. وقال بايرون غاريسون (27 عاماً) وهو موظف في قطاع البناء، وصل برفقة صديقته وأحد رفاقه: "أشعر أنني تائه، ليس لدي أدنى تصوّر لما سيحصل الآن".

ويستقبل الوافدون من الشمال الكندي في قاعة صغيرة لتسجيلهم وتوزيعهم على فنادق، وتقدم لهم فاكهة وكعك وماء، كما يؤمّن طعام للحيوانات الأليفة التي جلبها بعضهم. وقال ريتشارد مانوباغ (53 عاماً) الموظف في أحد مقاهي يلونايف: "أخبرتنا الحكومة أنه يجب الرحيل، فحملنا أنا وزوجتي بعض الملابس وروزي (كلبتهما)". تابع: "إنني حزين، أفكر بكل مقتنياتي في منزلي ولا أدري ما سيحصل. هذا بيتي الوحيد". ويأمل على غرار كثيرين ألّا يبقى في كالغاري سوى "ثلاثة أو أربعة أيام".

كندا (غافين جون/ فرانس برس)
يسجّل الأشخاص الذين تم إجلاؤهم بمجرد هبوطهم في مبنى الرحلات الداخلية في كالغاري (غافين جون/ فرانس برس)

تعبئة الجيش

وقال أحد الطيارين المكلفين بعمليات الإجلاء تشاد بلويت، لشبكة "سي بي سي"، إن يلونايف، حيث تمت تعبئة الجيش، باتت "شبه خالية". ونُقل معظم السكان براً، فيما اختار حوالي أربعة آلاف شخص الرحيل جوّاً".

وزار رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إدمونتون على مسافة حوالي ألف كلم من يلونايف، والتقى هناك وافدين من الشمال نقلوا إلى مركز استقبال. وأكد أمام الصحافيين: "سنخرج جميعنا معاً من هذا الصيف الصعب إلى حد لا يصدّق". وتحدث عن "مرحلة غير مؤكدة ومروعة" في وقت يجتاح أكثر من ألف حريق حالياً البلاد من شرقها إلى غربها، وتشتعل أكثر من 230 منها في الأقاليم الشمالية الغربية وأكثر من 370 منها في بريتيش كولومبيا.

الطبيعة كانت الأقوى

في هذه المقاطعة، صدر أمر بإجلاء حوالى 15 ألف شخص وأعلن رئيس السلطات المحلية ديفيد إبي حال الطوارئ مساء الجمعة. وتطاول الحرائق بصورة خاصة وست كيلونا (أكثر من 30 ألف نسمة) حيث احترق عدد كبير من المنازل بحسب السلطات، وصدر أمر بإخلاء بعض المناطق. واجتاحت النيران 6800 هكتار من الأراضي خلال 24 ساعة في هذا القطاع حيث أخلي حوالى 2500 مبنى من سكانها ومن المحتمل إخلاء 5000 مبنى آخر. والوضع حرج أيضاً في مدينة كيلونا (حوالي 150 ألف نسمة) في الضفة المقابلة من بحيرة أوكاناغان وأغلق المجال الجوي للمنطقة للمساهمة في جهود مكافحة النيران بواسطة الطائرات.

وأقر رئيس أجهزة الإطفاء في وست كيلونا جيسون برولوند بأن الليل السابق "ربما كان من الأشد في حياتي المهنية". وقال: "كافحنا ما يوازي مائة عام من الحرائق، كل ذلك خلال ليلة واحدة".

(فرانس برس)

المساهمون