تتواصل جرائم قتل النساء في الكويت من قبل أقربائهن، وآخرها ثلاث خلال أقل من أسبوعين، ما دفع ناشطات نسويات وحقوقيين إلى تنظيم احتجاجات طالبوا فيها مجلس الأمة (البرلمان) بفرض قوانين أكثر صرامة لمعاقبة مرتكبي أعمال العنف، وباتخاذ أجهزة الأمن إجراءات حازمة في ظل مواجهتها اتهامات بغض النظر عن قضايا تعنيف أسري كثيرة عبر رفض تدوينها في محاضرها، ومحاولة عناصرها إجبار المرأة التي تعرضت لتعنيف على عقد صلح داخل مراكز الأمن.
في 24 أغسطس/ آب الماضي، قتل رجل والدة زوجته البالغة 68 من العمر بثلاث أعيرة نارية أطلقها من مسدس أثناء ملاحقته زوجته ووالدتها على طريق إسطبلات الأحمدي السريع (جنوب). ثم أوقفته أجهزة الأمن في منطقة الوفرة الزراعية المحاذية للحدود مع السعودية.
وبعد ثلاثة أيام، طعن رجل زوجته في منطقة العارضية (وسط) بعدما ضربها، ما أدى إلى وفاتها، وفق ما أكدت وسائل إعلام، قبل أن يسلّم نفسه إلى أجهزة الأمن. أما جريمة القتل الثالثة فشهدت طعن شاب من فئة "البدون" شقيقته في منطقة تيماء بمحافظة الجهراء (شمال)، بعدما علم أنها اتصلت بالشرطة واستنجدت بها بسبب سجن شقيقها لها طوال شهرين. وأبلغ الشرطيون الشقيق القاتل حين طرقوا باب منزل عائلته بأن شقيقته قدمت شكوى ضده، فأغلق الباب بسرعة وذهب لطعنها بسبب غضبه منها. ثم تدخلت الشرطة لاعتقاله. وشهدت الكويت جرائم قتل نساء أخرى هذا العام، إذ نفذ شاب سوري عملية قتل مزدوجة لوالدته الكويتية وشرطي لاحقه في الشارع، قبل أن يرديه عناصر الأمن بإطلاق النار عليه خلال مقاومته لهم. أيضاً أوقف شاب معلمة لدى وجودها مع أبنائها، وخطفها وقتلها في قضية أطلق عليها اسم "جريمة صباح السالم"، وأصدر القضاء حكماً أولياً فيها بإعدام الشاب بتهمة الخطف والقتل والشروع في القتل.
ونظمت ناشطات نسويات حملات احتجاج عبر الإنترنت، ونزلت بعضهن إلى الشوارع لرفع الصوت في قضايا العنف ضد المرأة. كما أنشأت أخريات مجموعات ضغط لإلغاء المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي الصادر عام 1960 والتي تنص على أنه "إذا فاجأ رجل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته في حال تلبّس بارتكاب زنى، أو قتل إحداهن فوراً أو من يرتكب فاحشة الزنى معها أو قتلهما سوياً، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام ودفع غرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وترى مجموعة من الناشطات أن "الجرائم التي شهدتها الكويت أخيراً ليست جرائم شرف تنطبق عليها المادة 153 من قانون الجزاء بل جرائم عنف أسري مبني على منظومة أبوية".
وتقول الناشطة النسوية والباحثة إسراء العميري لـ "العربي الجديد" إن "ثقافة المجتمع المستندة إلى النظام الأبوي والتي تعزز الأدوار النمطية المستندة إلى تحديد الجنس شكلت أسباب الجرائم التي ارتكبت ضد المرأة أخيراً، إلى جانب تخاذل مؤسسات الدولة المعنية برفع الوعي المجتمعي بعدالة الفارق بين الرجل والمرأة، وضعف وغياب آليات الحماية الفعالة التي توفرها المؤسسات".
وتنتقد العميري القوانين والسياسات والممارسات الرسمية التي ترعى ثقافة العنف القائم على الفارق بين الرجل والمرأة. وتعزو صمت النخب السياسية ونواب مجلس الأمة وإدانتهم الجرائم بـ"استيحاء" إلى "أن قضايا المرأة ليست أولوية لديهم باختلاف توجهاتهم ومعتقداتهم، وقضايا العدالة بين الرجل والمرأة ليست جذابة لغالبية شرائح الناخبين، بل قد تطرد أصواتهم لأن ثقافة المجتمع السائدة التي لم تضطلع الدولة بدورها في تغييرها، ترعى أساساً هذا النوع من الممارسات وتباركه".
وكان عدد من نواب مجلس الأمة الذين ينتمون إلى تيارات إسلامية ومحافظة، نددوا بجرائم قتل النساء، فيما أكد النائب السلفي المستقل عضو لجنة المرأة صالح ذياب المطيري أنه سيحاول تقديم اقتراح جديد لإلغاء المادة 153 من قانون الجزاء، ومحاولة فرض قوانين أكثر صرامة تجاه العنف ضد المرأة.
وتعتقد ناشطات نسويات كثيرات تحدثن إلى "العربي الجديد" بأن "سكوت مجلس الأمة الذي ينتمي غالبية نوابه إلى قبائل محافظة، على جرائم قتل النساء يرتبط بوجود جرائم قتل مماثلة في مناطق قبلية وبدوية. من هنا لا يريد هؤلاء النواب فتح الباب أمام إشكالات اجتماعية مع ممثلي هذه المناطق". ورغم أن مجلس الأمة مرر عام 2020 قانون العنف الأسري الذي لحظت مواده تدخل أجهزة الأمن بسرعة في حال تلقي بلاغات بممارسات عنف، وتقديم حماية لأي امرأة أو طفل يطلب الحماية من عائلته، فهي لا تزال غير مطبقة على أرض الواقع.
وتقول الأكاديمية نورة المطيري لـ"العربي الجديد": "تموت النساء في صمت، إذ ترتكب جرائم ضدهن كل شهر تقريباً، ويتعرضن لعنف أسري واعتداءات يومياً، في حين تخرج فتيات إلى الساحات تحت شمس حارقة للاحتجاج على أوضاعهن السيئة، لكن أجهزة الدولة لا تهتم، ولا تريد ذلك". تضيف: "نطالب بأن تتعامل أجهزة الأمن بجدية في البلاغات المقدمة بدلاً من عدم تسجيلها بهدف حماية الذكور، وبفرض قوانين صارمة في مجال حقوق المرأة، كما الحال في الدول المتقدمة"، علماً أن العميري ترى أن "تعديل القوانين والسياسات فقط من دون العمل لتغيير الثقافة لن يكون مجدياً، فالقانون والثقافة يسيران في خطين متوازيين لا يمكن إسقاط أحدهما".