جددت الأحكام المخففة الأخيرة التي أصدرها القضاء المغربي في حق متورطين بارتكاب جرائم اغتصاب ضد أطفال وقاصرين في المغرب النقاش الدائر في أوساط الرأي العام حول فعّالية نظام العقوبات المطبق في البلاد ومساهمته في تقليص الجرائم تمهيداً للجم مخاطرها الكبيرة على المجتمع. كما شمل النقاش الدور الذي يلعبه القضاء في حماية الضحايا، في وقت تصف آراء بعض الأحكام بأنها "صادمة، وتشكل اغتصاباً ثانياً للضحايا".
ولم تكد تهدأ ما وصفه ناشطون مغاربة بفضيحة الأحكام الابتدائية المخففة التي أصدرها القضاء في 20 مارس/ آذار الماضي في حق متورطين بالاعتداء جنسياً على طفلة في الـ12 من العمر متحدرة من ضواحي مدينة تيفلت، وقضت بسجن شخص عامين واثنين آخرين 18 شهراً، حتى فوجئ الرأي العام بمجموعة أخرى من الأحكام المخففة المستغربة في قضايا استغلال الأطفال جنسياً. وأدين 6 متهمين باغتصاب فتاة قاصر جماعياً في إقليم طاطا (جنوب شرقي) بالسجن سنة واحدة، وآخر اغتصب فتاة في منطقة أمنتانوت (جنوب) بالسجن 8 أشهر.
وأغضبت هذه الأحكام منظمات حقوقية أبرزها "ماتقيش ولدي" (لا تلمس ولدي) التي دقت ناقوس الخطر في شأن الوضع القانوني السائد، ودعت كل المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والحقوقي إلى "الإسراع في التحرك لإنهاء الأحكام غير المنصفة التي تمنح مرتكبيها الأمل في ممارسة أفعالهم الشنيعة براحة وحرية، وبلا خوف من التعرض لعقوبات قاسية".
وتساءلت "ماتقيش ولدي"، في بيان أصدرته في 5 يونيو/ حزيران الجاري، عن أسباب إصدار قضاة أحكاماً مخففة في حق مغتصبي أطفال، وعلاقة هذه الأحكام بمناطق سكن الفتيات اللواتي تعرضهن لاغتصاب في قرى وبلدات معينة.
ونددت الجمعية بالأحكام التي أكدت أنها "غير منصفة، وستلحق عواقب نفسية وخيمة بالضحايا وعائلاتهم". ودعت إلى إعادة النظر في القوانين الجنائية، وفرض عقوبة 20 سنة سجناً كحد أدنى على مغتصبي الأطفال والقاصرين، مع حرمانهم من إمكان تخفيفها بسبب ظروف معينة.
ومع تزايد التساؤلات في شأن ارتباط الأحكام التي تعتبرها منظمات حقوقية مخففة جداً خللاً في القوانين أو في شأن عدم تطبيقها، تعتبر الكاتبة الوطنية لمنظمة "النساء الاتحاديات"، حنان رحاب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "تصاعد وتيرة الاعتداءات الجنسية على القاصرين يشير إلى خلل مجتمعي يشمل القيم والتربية، في حين يبدو واضحاً أن الاعتداءات تقع في أوساط مجتمعية متباينة طبقياً وثقافياً، ما يعني أن الظاهرة تخترق المجتمع بالكامل". لكنها تستدرك بأن "غالبية الأحكام مشددة، لكن الرأي العام يتنبه تحديداً إلى تلك المخففة، لأنها غير مقبولة ومرفوضة وتثير الاستغراب".
وتلفت الناشطة النسائية والسياسية إلى "أهمية اليقظة الإيجابية للمجتمع التي تظهر في التنديد الواسع بالأحكام الصادرة في حق مغتصبي الأطفال والقاصرين"، وتتحدث "عن أن أسباباً تقف وراء إصدار أحكام استثنائية مخففة، وبينها غياب الأسس الحقوقية لدى قضاة يتجاهلون تطبيق بنود المواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة، وتلك المتعلقة بحقوق الطفل، وأيضاً تعامل بعضهم مع القضايا الدقيقة التي ينظرون فيها استناداً إلى خلفيات ثقافية محافظة تجعلهم ينظرون إلى الأطفال والقاصرين باعتبارهم أشخاصاً راشدين يتحملون مسؤولية تصرفاتهم".
وتتحدث حنان أيضاً عن أن قضاة يميلون أحياناً إلى التعاطف مع مرتكبي جرائم الاغتصاب، خصوصاً إذا كانوا ممن لا سوابق لهم، ويأخذون في الاعتبار التأثيرات السلبية للمحيط الذي يعيشون فيه.
وتعتقد رحاب أن "القوانين ليست المسؤولة الأولى عن إصدار أحكام مخففة، رغم أن بعض نصوص الجرائم الجنسية تحتاج فعلياً إلى تحسين جودتها وتعديلها كي تصبح أكثر انسجاماً مع المرجعيات الحقوقية الدولية، وأكثر قدرة على مواجهة أشكال جديدة من الجرائم الجنسية المرتكبة، والتي ترتبط باستخدام وسائل تكنولوجية حديثة".
تضيف: "لا شك في أن القوانين المعتمدة تحتوي على عقوبات مشددة، كما أن المذكرات الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة تؤكد وجوب إظهار صرامة في التعامل مع هذه الجرائم. من هنا تقع المسؤولية الأولى على القضاة الذين يصدرون الأحكام غير المقبولة من دون الأخذ في الاعتبار المعايير القانونية والحقوقية والأخلاقية، وتجاهل كون هذه الجرائم مرفوضة في الأعراف الدينية والمجتمعية".
من جهته، يرى رئيس المركز الوطني لمكافحة العنف والاعتداءات على الأطفال، خالد الشرقاوي السموني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "رغم انخراط المغرب في الاتفاقات الدولية لحماية الطفولة وموافقته عليها، وفي مقدمها البروتوكول الاختياري الملحق باتفاق حقوق الطفل، والذي وقع في نيويورك في 25 مايو/ أيار 2000، ويتناول بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وإنتاج المواد الإباحية، لم يتلاءم التشريع الوطني مع هذه الاتفاقات، ما يحتم إعادة النظر في القانون الجنائي، لا سيما المواد المتعلقة بالعنف، والاعتداءات على الأطفال".
ويعتبر أن "تزايد الاعتداءات الجنسية على الأطفال يعود إلى ضعف المنظومة القانونية الخاصة بحماية الطفل، ما يفرض تمتع القوانين الوطنية بصرامة وحزم لمواجهة الظاهرة، وعدم التساهل مع جرائم الاعتداءات الجنسية، علماً أن أحكاماً مخففة كثيرة صدرت في ملفات تتعلق بالعنف على الأطفال أو بتعرضهم لاعتداءات جنسية، وقضت أحياناً بتبرئة متهمين بسبب عدم وجود أدلة".
ويؤكد السموني ضرورة تشديد العقوبات ضد المتورطين بارتكاب اعتداءات جنسية على الأطفال، "ما يستدعي تغيير بنود القانون الجنائي التي تنص على معاقبة كل من اعتدى جنسياً على طفل أو طفلة، ورفع عقوبة السجن الواردة في الفصل الـ486 من القانون الجنائي، وجعل مدتها تتراوح بين 10 و15 سنة لكل من يعتدي على شخص، ذكراً أو أنثى، أما إذا حصل الاعتداء باستعمال العنف أو الإكراه أو التهديد فتكون العقوبة السجن بين 15 و20 سنة، وإذا كان الضحية طفلاً عاجزاً أو معوقاً أو معروفاً بضعف قواه العقلية فتحدد عقوبة السجن بين 20 و30 سنة. كما يجب أن تشدد العقوبة في حق المعتدي إذا كان من أصول الضحية، أو يملك سلطة أو وصاية عليها، أو عاملاً بالأجرة عندها".
ويشدد السموني على أهمية أن يكون القانون "سداً منيعاً أمام الجرائم من خلال الضرب بيد من حديد كل من يغتصب طفلة أو طفل، تمهيداً لوضع حد لكل السلوكيات المشينة التي تمس كرامة الطفولة، وردع مظاهر الاستغلال الجنسي للقاصرين".
ويطالب السموني بوضع قانون خاص يتعلق بالعنف والاعتداءات على الأطفال، وتحديد كل الأفعال التي تدخل في مجال الاعتداء الجنسي، من دون حصرها فقط بجريمة هتك العرض، وإنشاء جهاز متخصص في الشرطة يضم عناصر يتمتعون بخبرة ودراية واسعة في علم النفس، ومهارات في استنطاق الأطفال الضحايا، من أجل إجراء تحقيقات دقيقة في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال. ومن الضروري أيضاً توسيع دائرة الحصول على أدلة واثباتات من خلال الخروج تدريجاً عن صرامة القواعد القانونية التقنية، واعتماد ليونة أكبر تتلاءم مع طبيعة الاعتداءات".
وكان رئيس جمعية "منتدى الطفولة" (غير حكومية) عبد العالي الرامي قد رأى في حديث سابق مع "العربي الجديد " أن "إصدار أحكام مخففة في حق أشخاص ثبت تورطهم باعتداءات جنسية على أطفال وقصر يبعث برسائل تطمئن مغتصبي الطفولة، الذين لن يتورعوا عن تكرار أفعالهم، ما دام نهش الطفولة لا يكلف سوى عقوبات بسيطة لا تردع الجناة"، مؤكداً ضرورة الضرب بيد من حديد للحد من ارتفاع هذه الظاهرة المرضية.
وشدد الرامي على ضرورة عدم إهمال الجانب النفسي في قضايا الاغتصاب، مضيفاً: "لا أحد يتساءل، بعد الحكم، ما إذا كان الطفل سيخضع لعلاج نفسي من آثار تعرّضه للاغتصاب"، داعياً إلى مواكبة النفسية للضحايا، "لأن ترك الضحايا بندوب ما تعرّضوا لها قد ينذر بتفاقم أوضاعهم النفسية، ما قد يجعلهم يفكرون في الانتقام من المجتمع، وإعادة إنتاج ما تعرضوا له".