وسط ارتفاع تكاليف المعيشة الجنوني في بريطانيا، اقترح كبير مفتشي الشرطة آندي كوك على ضباطه استخدام "سلطتهم التقديرية" في حال أرادوا اعتقال الأشخاص الذين يسرقون البضائع من أجل تناول الطعام، وقال إن الجرائم الصغيرة الناجمة عن ارتفاع التكاليف وتزايد الفقر ستشكل تحديًا للشرطة.
وجاءت دعوة كوك في الوقت الذي وصل التضخم إلى أعلى مستوياته خلال 40 عاماً مع غلاء تكاليف الغذاء والطاقة، وتحمل أكثر الناس فقراً وطأة ارتفاع الأسعار. فقد أظهرت أحدث الإحصاءات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) أن متوسط سعر المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية ارتفع بنسبة 6.7%.
وكان متوسط سعر نصف لتر الحليب 51 بنسًا الشهر الماضي، بارتفاع بنحو 21% عن سعر أكتوبر/تشرين الأول الماضي البالغ 43 بنسًا وسعر أبريل/نيسان الماضي البالغ 42 بنسًا. كما شهدت سلّة التسوّق المتوسطة للسلع الأساسية ارتفاعات كبيرة في الأسعار خلال العام الماضي.
"بالفعل تمّ تجاهل سارق طعام في سوبرماركت موريسونز في منطقة برينتفورد، أمام عيني"، تقول رجينا من منطقة غرينفورد لـ"العربي الجديد". وتروي ما حدث بالتفصيل: "اقتربت من ماكينات الخدمة الذاتية وبدأت بإفراغ مشترياتي على الجهاز المتحرّك. كان أمامي زبون واحد فقط وكان على وشك الانتهاء. ما هي إلا دقائق حتى رحل وبدأت في تسعير أغراضي القليلة التي لا تتجاوز قيمتها 10 جنيهات. وما أن انتهيت حتى التفتت إلى الشاشة للدفع، فصدمني المبلغ المطلوب الذي تجاوز 100 جنيه إسترليني".
أضافت: "وعندما أمعنت النظر لاحظت أنّ الزبون الذي سبقني لم يدفع قبل أن يغادر، وأنني أضفت سلّتي الصغيرة من الحاجيات إلى الأطعمة التي تسوّقها في عربته الكبيرة. المهم ناديت أحد الموظفين وأوضحت له ما حدث.. فاجأني عدم اكتراثه بالأمر على الإطلاق، حيث حدّد مشترياتي وألغى الباقي. فقلت له في محاولة مني لتقديم المساعدة، قد يكون قريباً جداً، لأنه ترك المكان منذ دقائق. لكنّه ابتسم وتوجّه لمساعدة زبون آخر".
أمّا بياتا، من منطقة هانسلو في لندن، فتقول إنّها بينما كانت تتسوّق لفت انتباهها زبون يركض بسرعة خارج السوبرماركت وهو يحمل سلّة من الطعام، بينما يهرع خلفه رجل الأمن. وتتابع: "خرجت لأرى كيف ستنتهي الأمور، فرأيت الزبون الذي بدا متقدّماً في السن يضع بعد بضعة أمتار السلّة على الأرض بعد أن أنهكه الركض ويجري هارباً. ثمّ التقط رجل الأمن السلّة وعاد بها".
تعلّق بياتا أنّه "من المحزن أن نشهد هذه الأحداث التي تبيّن مدى عوز وحاجة الناس إلى أبسط مقومات الحياة، والتي تعيد إلى ذاكرتنا قصّة البؤساء لفيكتور هوغو، حيث سجن رجل لسرقته رغيف خبز. يجب على حكومتنا أن تتصرّف وتدعم الناس بشكل فوري، قبل أن يجوع الناس أكثر ويرتفع معدّل الجريمة في البلاد".
وبحسب ما أوردت صحيفة "آي" في 19 مايو/أيار، قال كبير مفتشي الشرطة كوك: "أعتقد أنه كلما لاحظت زيادة في تكلفة المعيشة أو كلما رأيت المزيد من الناس يسقطون في براثن الفقر، ستشهد دائمًا ارتفاعًا في معدّل الجريمة".
وأضاف أنّه يؤيد استخدام ضباط الشرطة لسلطتهم التقديرية التي رأى أنّهم بحاجة إلى استخدامها في كثير من الأحيان، لكنّه أشار إلى أنّه لا يعطي تفويضاً كاملاً للأشخاص للخروج والسرقة، بل يريد ضمان التعامل مع هذه القضايا بأفضل طريقة ممكنة.
في المقابل، عارض وزير الدولة لشؤون الجريمة والشرطة في وزارة الداخلية البريطانية، كيت مالتهاوس، اقتراح كبير مفتشي الشرطة، ووصف ما قاله كوك بأن تكلفة المعيشة ستؤدي إلى زيادة في الجريمة بـ"التفكير قديم الطراز".
وقال مالتهاوس، في حديثه إلى برنامج "صباح الخير بريطانيا" على قناة "آي تي في"، إنّه طلب من الضباط عدم ترك اللصوص يسرقون الطعام بدافع اليأس أثناء أزمة تكلفة المعيشة.
وأكمل أنّه يعترف أنّ الناس يواجهون تحديات مالية في الوقت الحالي، وأن تكاليف المعيشة صعبة للغاية بالنسبة للأسر في جميع أنحاء العالم، لكن هذا لا يعني بالضرورة اللجوء إلى الجريمة.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان الوزراء سيضمنون أن الشرطة لن تغض الطرف عن اللصوص الذين يسرقون الطعام، أجاب: "هذا صحيح تماماً. في الواقع، لقد كتبت إلى رئيس الشرطة قبل عام واحد أو نحو ذلك قائلًا إنه لا ينبغي لهم تجاهل تلك الجرائم التي تبدو صغيرة".
ووسط الدعوات المتزايدة التي تطالب الحكومة القيام بالمزيد لدعم الفئات الأكثر ضعفا خلال هذه الأزمة، يصرّ مالتهاوس أن الحكومة ضاعفت بالفعل دعم "صندوق المعاناة"، ورفعت الحد الأدنى للأجور لمساعدة أولئك الأشخاص الأكثر فقراً في البلاد. وأنّها ستحاول الضغط على الخزانة الوطنية لتوفير المزيد من المساعدة، لكنها بالتأكيد ستكون "ما يستطيع اقتصادنا تحمله".
يأتي ذلك بعد أن قال بنك طعام في منطقة ترورو، في كورنوال، إنه رأى أطفالًا يعانون من تسمم غذائي لأن الأهالي أغلقوا الثلاجات لتوفير إنفاق المال على الكهرباء.
ونشرت قناة "آي تي في"، صباح 19 مايو/أيار، استطلاعًا سأل المشاهدين عما إذا كان ينبغي أن تغض الشرطة الطرف عن الأشخاص الذين يسرقون الطعام من المتاجر من أجل البقاء على قيد الحياة.
ويأتي هذا السؤال وسط أزمة غلاء المعيشة التي أدت إلى ارتفاع فواتير الغذاء والطاقة. فجاءت نتائج التصويت بـ"لا" ساحقة من بين ما يقرب من 3500 مشارك، حيث اعتقد 65% من الناس أن من يسرق للبقاء على قيد الحياة "يجب أن ينام في الزنزانة".
وعلّق أحدهم: "لا بالتأكيد ولا ينبغي حتى طرح هذا السؤال الافتراضي بوجود بنوك الطعام"، وقال آخر: "من السخف أن يعتقد أي شخص أن الجواب على هذا السؤال هو نعم. ليس الحل في انهيار المجتمع وغض الطرف عن السرقة، والنوافذ المكسورة وما إلى ذلك".
مع ذلك، لا يعتقد الجميع أنّه يجب سجن أو معاقبة الأشخاص الأكثر ضعفًا في المجتمع، إذ دافع أحدهم عنهم قائلاً: "هناك الكثير من الطعام المهدور. تحتاج الحكومة إلى العمل مع الشركات لاستخدام بقايا الأطعمة أو قرب انتهاء صلاحيتها بشكل فعال، ونقلها إلى موقع منظم حتى يتمكن الأشخاص المحتاجون من الوصول إلى الضروريات. وأيضًا إذا كان من الممكن توفير نظام للمواد غير الغذائية".
أمّا المستشار ريشي سوناك فقد اعترف بأن الأشهر المقبلة ستكون صعبة على الناس، لكنه أصرّ على أن وزارة الخزانة عملت للحد من تداعيات التكاليف المرتفعة، وكرّر وعده بالعمل مرة أخرى في وقت لاحق من هذا العام.