أعادت جرائم شهدتها مناطق الجزائر مؤخراً، الجدل حول تنفيذ عقوبة الإعدام، إذ يطالب كثيرون بالعودة إلى التنفيذ الذي توقّف منذ العام 1993، فيما يؤكد البعض ضرورة التنفيذ في قضايا الاختطاف والاغتصاب والقتل، خصوصاً التي يكون ضحيتها أطفال، بينما يتمسك آخرون بتجميد التّنفيذ.
قبل أيام، ارتكب سجناء سابقون استفادوا من العفو الرئاسي في يوليو/تموز الماضي، جريمة قتل معلم ينتمي إلى العائلة التي اشتكت عليهم، ما تسبب في حبسهم بتهم منها السرقة والاعتداء بالأسلحة البيضاء على محال تجارية في منطقة الصومعة بولاية البليدة قرب العاصمة، وتبع ذلك مقتل معلمة في أول أيام العودة إلى المدارس، عندما حاولت الدفاع عن نفسها ضد لص، وتحولت هذه الجرائم إلى قضايا رأي عام، وخلفت عودة المطالبات بضرورة تطبيق حكم الاعدام على المدانين.
تقول أستاذة الحقوق في جامعة أم البواقي الجزائرية، فريدة بن درّاج، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما تشهده الفضاءات العامة يرعب الفرد، ولا يمكن الوقوف موقف المتفرج من دون تحريك الآلية القانونية، خاصة ضد القتل مع سبق الإصرار والترصد. من الضروري تنفيذ العقوبة في بعض الجرائم المثبتة، بما في ذلك من يقومون بإضرام النيران في الغابات، وعلى القانون أن يأخذ مجراه بغية إنقاذ المجتمع من جرائم الاختطاف والقتل".
وقبل ثلاثة عقود، أوقفت الجزائر تنفيذ أحكام الإعدام تماشياً مع مصادقتها على لائحة أممية، لكنها لم تقم بإلغاء الحكم من قانون العقوبات، وهو ما يفسّره حقوقيون عبر قاعدة "سمات السيادة الوطنية"، إذ يعتبر التشريع الجزائي على علاقة مباشرة بالحفاظ على النظام العام، وهو من ممارسات السيادة.
ووقع آخر تنفيذ للعقوبة على أربعة إرهابيين اتهموا بتفجير مطار الجزائر الدولي في أغسطس/آب 1992، وهي العملية التي خلفت مقتل 8 أشخاص، وإصابة نحو 118 آخرين.
يرجع أستاذ القانون بجامعة قسنطينة، عبد الجليل بن عبد الرحمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إيقاف تطبيق العقوبة إلى "استجابة السّلطات الجزائرية للضغوط الدولية وضغوط منظمات حقوق الإنسان في تلك الفترة الأمنية الصعبة، إذ كانت المحاكمات وقتها تجري في ظروف استثنائية تحت طائلة الأزمة الأمنية، ولا تضمن العدالة المكتملة، ولم تقرر السلطات القضائية التراجع عن تجميد تنفيذ أحكام الإعدام بعد الاستقرار، ورفع حالة الطوارئ. كل الشروط في الوقت الحالي متوفّرة لإثبات مختلف قرائن الجرائم، وهناك مطالبات بتخصيص حكم الإعدام وتنفيذه فقط في قضايا القتل بغية الردع".
من جهتها، تعتبر المتخصصة في علم الاجتماع بجامعة وهران، نورية بلغي، أن "المبدأ يقضي بأن كل شخص يتحمل مسؤولية أفعاله، وبالتّالي يجب أن ينال العقاب اللازم عن ذلك الفعل. المجرمون يتفنّنون في تنفيذ جرائم منها القتل الجماعي في وضح النّهار، وقد استسهلوا العقوبات، خصوصاً بعد قرارات العفو وتخفيض العقوبات في المناسبات الوطنية والدينية، ولا يمكن مواجهة الإجرام من دون توظيف آليات لإحقاق العدالة، بالتزامن مع النظر في أسباب الجرائم التي تزايدت مؤخراً، وخاصة في الأحياء السكنية الجديدة التي تفتقر إلى مرافق العيش، وغياب الأمن، وبعضها بات أوكاراً للجرائم بمختلف أنواعها، ما أنتج ما يوصف إعلامياً بعصابات الأحياء".
وكشف تقرير لفرع منظّمة العفو الدولية في الجزائر، في مايو/أيار الماضي، عن صدور نحو ألف حكم بالإعدام منذ التوقف عن التنفيذ، من بينها 9 أحكام إعدام خلال العام الماضي، لافتة إلى انحسار عدد أحكام الإعدام منذ عام 2015، وأن "الجزائر أهدرت فرصة إلغاء عقوبة الإعلام خلال التعديل الدستوري الأخير في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والتي تتعارض مع حقوق الإنسان كونها عقوبة ظالمة وقاسية".
ويستند الداعمون لفكرة إلغاء عقوبة الإعدام إلى التعسّف في الأحكام القضائية، وعدم استقلالية القضاء، والتخوّف من استغلال العقوبة سياسياً، خصوصاً مع كثرة قضايا الفساد التي تشهدها المحاكم الجزائرية منذ الحراك الشّعبي في 2019.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، محمد يحياوي، إن "تطبيق الحكم يتطلّب بالضرورة محاكمة عادِلة، وذلك يتسق مع بنود الدستور الجزائري الذي يتعلق بالحقّ في الحياة، فيما هذا لا يعكس بالضرورة أطوار المحاكمات التي ثبت بعد سنوات من السّجن براءة المدانين، أو على الأقل تخفيف المحكومية".
ويأخذ النقاش حول الإعدام في الجزائر بعداً سياسياً، إذ تدعو أحزاب إلى تنفيذ العقوبة باعتبارها خطوة لتنفيذ "القصاص" الذي ينسجم مع الشريعة الإسلامية، ومنها حزب "حركة مجتمع السلم". ويقول عضو الحركة، فريد بلوصيف، إن "المحكومية من شأنها أن تطيل ألم أهالي الضحايا، وتفعيلها يجبر الضّرر النّفسي مثلما تنصّ الشريعة، وبين الإقرار بعقوبة الإعدام وتنفيذها فرق شاسع، فلا يمكن مواجهة الجرائم، والعنف المجتمعي من دون القصاص من مرتكبي جرائم القتل، لكن ينبغي تنفيذ الإعدام بشروط حتى لا يظلم المتهم، ويجب مراعاة حقّه في الدّفاع".
في المقابل، ينخرط كوادر "حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" في حملة المطالبة بإلغاء حكم الإعدام من قانون العقوبات الجزائري.