جدال حول دعوات حظر النقاب في روسيا

31 مايو 2024
النقاب غير منتشر بين مسلمات روسيا (ناتاليا كوليسنيكوفا/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أعقاب هجوم إرهابي في موسكو، اندلعت نقاشات حول قضايا أمنية واجتماعية بما في ذلك إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، تنظيم الهجرة، تشديد مكافحة الإرهاب، وحظر النقاب، مما يعكس التوتر بين الأمن العام والحريات الدينية.
- الجدل حول حظر النقاب يكشف عن انقسامات داخل المجتمع الروسي، مع دعوات للحوار من قبل مفتي موسكو الذي يشير إلى أن الإسلام لا يحظر النقاب بل يترك ارتدائه للتقدير الشخصي.
- النقاش حول حظر النقاب يثير تساؤلات حول تأثيره على العلاقات الخارجية والسياحة من الدول العربية والإسلامية، مما يبرز التحديات أمام روسيا في التوفيق بين الأمن القومي والتنوع الثقافي والديني.

بعد الهجوم الدامي الذي استهدف قاعة "كروكوس سيتي هول" للعروض في موسكو، مارس/ آذار الماضي، تجددت في روسيا نقاشات حول إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، وتنظيم حركة الهجرة، وتشديد إجراءات مكافحة الإرهاب، وأخيراً حظر النقاب.

تشهد روسيا نقاشات وسجالات حادّة بشأن اقتراح رئيس مجلس حقوق الإنسان، التابع للرئاسة الروسية، فاليري فادييف، حظر ارتداء أغطية الرأس النسائية التي تخفي الوجه بالكامل باستثناء العيون، وفي مقدمها النقاب. وبرر فادييف اقتراحه بالوضع الراهن الصعب، ومخاطر وقوع هجمات إرهابية مماثلة للهجوم الذي استهدف قاعة "كروكوس سيتي هول" للعروض في موسكو، مارس/ آذار الماضي، وأسفر عن أكثر من 140 قتيلاً.
وأثار الاقتراح جدلاً واسعاً بين من يرون أن حظر النقاب حق مشروع لدولة علمانية مثل روسيا، وآخرين يعتبرون أن الحظر يمسّ بحق المسلمين في البلاد الذين يقدّر عددهم بنحو 20 مليوناً.
يقول مفتي موسكو، إلدار علاء الدينوف، لـ"العربي الجديد": "يجب توخي الحذر في المسائل الدينية الحساسة مثل اللباس. نتفهم أن الدعوات لحظر النقاب تهدف إلى تأمين سلامة المواطنين، خصوصاً من مخاطر الإرهاب، لكن في الوقت نفسه يجب مراعاة أن الإسلام بجميع تعاليمه ومذاهبه لا يحظر النقاب، بل تتراوح الأحكام بين الحياد والإلزامية، لذا نحن مستعدون للحوار، ونقترح مناقشة مدى أهمية حظر النقاب لأمان المواطنين".
وحول رؤيته لموقف مسلمي روسيا من إمكانية حظر النقاب، يقول: "هذه مسألة أليمة للنساء اللواتي قررن ارتداء النقاب، ويرين أن هذه الدعوات تنتهك حقوقهن. وقد تتفهم أخريات هذا الموضوع ويتبنين مواقف محايدة. وفي كل الأحوال يجب إدراك أن المجتمعات تبدي حساسية حيال القضايا الدينية، لذا نحذر من خطورة تداعيات الحظر".
ورغم ذلك، يقرّ الدينوف بأن "النقاب غير منتشر بين مسلمي روسيا، إذ يمكن مصادفة نساء يرتدين النقاب في مختلف الأقاليم الروسية، لكن الظاهرة في روسيا أقرب إلى حالات فردية".
واللافت أن ارتداء النقاب أو البرقع، ليس من بين التقاليد المنتشرة في الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة في روسيا، مثل الشيشان وداغستان وتتارستان، إذ تكتفي نساؤهن بارتداء الحجاب مع الإبقاء على الوجه مكشوفاً. وحتى الرئيس الشيشاني رمضان قديروف والأئمة المحليون يحثون النساء على الامتناع عن ارتداء النقاب. 
من جهته، يرى عضو مجلس العلاقات بين القوميات التابع للرئاسة الروسية، بوغدان بيزبالكو، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "فرض حظر ارتداء النقاب في روسيا سيكون إجراءً طبيعياً، نظراً إلى الطابع العلماني للدولة، وقد حصلت تجارب مماثلة في جمهوريات سوفييتية سابقة في آسيا الوسطى".
يتابع: "أعتبر مبادرة حظر ارتداء النقاب في روسيا أمراً طبيعياً، خاصة أن جمهوريات آسيا الوسطى فرضت هذا الحظر، رغم أن الغالبية الساحقة من سكانها من معتنقي الإسلام، فكيف حال بلادنا العلمانية التي لا داعي لجعلها موطناً للإسلام الراديكالي، والسماح بإقامة جيوب تطبق أحكاماً موازية للدولة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومع انفتاح روسيا على العالم العربي في السنوات الأخيرة، وزيادة حركة السياحة الوافدة من المنطقة، على حساب الزوار الأوروبيين، أصبح من المعتاد رؤية أفواج سياحية قادمة من الدول العربية والخليجية، تضم نساءً يرتدين ملابسهن التقليدية، بما فيها الخمار والنقاب، وسط انتشار مطاعم تركية وأخرى تقدم الوجبات الحلال في الشوارع السياحية الرئيسية وسط موسكو.
وحول رؤيته لتأثير حظر النقاب على حركة السياحة الخليجية الوافدة إلى روسيا، يضيف بيزبالكو: "من يعتبرون النقاب جزءاً أساسياً من لباس زوجاتهن سيمتنعون عن السفر إلى روسيا، لكنني أعتقد بأن قسماً كبيراً من السياح لا يرى أن المسألة جوهرية، والفئة الوحيدة التي يمكن أن تُستثنى من الحظر هي زوجات وبنات الدبلوماسيين الأجانب".
من جهة أخرى، يأسف الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية المستشرق، كيريل سيميونوف، من طريقة الترويج لحظر النقاب إعلامياً ومجتمعياً، وتصنيف معارضيه باعتبارهم متشددين.

يرى البعض أن حظر النقاب مس بحق مسلمي روسيا (صفاء كاراشان/ الأناضول)
يرى البعض أن حظر النقاب مسّ بحق مسلمي روسيا (صفاء كاراشان/ الأناضول)

ويقول سيميونوف الذي اعتنق الإسلام، لـ"العربي الجديد": "أكبر مشكلة في قانون النقاب هي كيفية الترويج له بطريقة عدوانية، وتصنيف من لا يدعمه بأنهم أعداء للشعب ووهابيون وراديكاليون لمجرد سعيهم للتوضيح أن ارتداء النقاب من التعاليم غير الإلزامية في الإسلام بمذاهبه الأربعة، وليس اختراعاً للراديكاليين الضالين".
ويلفت إلى أن "معارضي حظر النقاب ليسوا بالضرورة من أنصار ارتدائه، وأن ما يزعجهم هو فرض المسألة والنقاش حولها بطريقة تبدو وكأنها إشارة سلبية للمسلمين، ووضعهم أمام خيارين، إما الصمت وإما تصنيفهم باعتبارهم راديكاليين، وربما متعاونين مع الإرهابيين".
في المقابل، حظي مشروع حظر النقاب بدعم الأوساط الأرثوذكسية الروسية. واعتبر مؤسس قناة "تسارغراد" ذات التوجهات المحافظة قسطنطين مالوفييف أن المبادرة تشكل "اختباراً لروسيا".
وكتب في موقع القناة: "يجري الآن اختبار قدرة روسيا على حماية عاداتها وتقاليدها من تأثير المغتربين الوافدين من آسيا الوسطى".
أضاف: "لا نتدخل في شؤون الدول الأخرى وتقاليدها. النقاب عادة محلية متحدرة من شبه الجزيرة العربية، وتحوّلت إلى نوع من الموضة الدينية في بعض الدول الإسلامية، وهذا أمر يخص هذه الدول".

ويعلّق أيضاً "مواطنو هذه الدول لا يحتاجون إلى سؤالنا ماذا يرتدون، كما يحق لهم مطالبة سياحنا بارتداء اللباس المناسب من وجهة نظرهم، لكن روسيا أرضنا وتسود فيها ثقافتنا، وعلى الجميع الالتزام بتقاليدنا وعاداتنا نحن وليس غيرنا".

وفي 22 مايو/ أيار الجاري، أطلقت القناة استطلاعاً شارك فيه نحو 1.7 مليون مستخدم. وأجاب 86 في المائة منهم بـ"نعم، يجب أن يكون الوجه مكشوفاً في الأماكن العامة"، في حين أجاب 3 في المائة منهم بـ"لا، هذا ينتهك حقوق المؤمنين"، بينما رأى 7 في المائة منهم أنه يجب ترك المسألة لسلطات كل إقليم. 
والإسلام الديانة الثانية الأكثر انتشاراً في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية. ويتركز المسلمون في جمهوريات شمال القوقاز وتتارستان وبشكيريا، إضافة إلى موسكو التي يقطنها مليونا مسلم على الأقل، بينهم مغتربون قدموا من الجمهوريات السوفييتية السابقة، وفي مقدمها أوزبكستان وطاجكستان وقرغيزستان.

المساهمون