"جاي إن.1" متحوّر كورونا الذي يثير اهتمام منظمة الصحة العالمية

21 ديسمبر 2023
من شأن "جاي إن.1" أن يزيد الإصابات بكوفيد-19 إذ إنّ تفشّيه سريع (كاترين دولاهاي/ Getty)
+ الخط -

بعد أربعة أعوام على رصد فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) للمرّة الأولى في الصين، وفي وقت ينشغل فيه العالم بأزمات تختلف طبيعتها، صنّفت منظمة الصحة العالمية أخيراً المتحوّر "جاي إن.1" من الفيروس والذي يتفشّى بسرعة متزايدة "متحوّراً مثيراً للاهتمام" وليس "مثيراً للقلق".

واستناداً إلى الأدلّة المتوفّرة حتى تاريخ إعلان الوكالة التابعة للأمم المتحدة هذا التصنيف، يبيّن تقييم المخاطر الإضافية على الصحة العامة العالمية التي يمثّلها "جاي إن.1" أنّها "منخفضة". وعلى الرغم من هذه المعطيات، فإنّ هذا المتحوّر الأخير من كورونا يهدّد بزيادة أعباء حالات العدوى التنفسية في بلدان عديدة، لا سيّما وسط فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

وفي ظلّ المخاطر المحتملة، تؤكد منظمة الصحة العالمية أنّ اللقاحات المضادة لكوفيد-19 المتوفّرة راهناً ما زالت قادرة على حماية الأشخاص من الإصابات الشديدة والوفيات ذات الصلة الناجمة عن "جاي إن.1" وغيره من المتحوّرات.

وتشير المنظمة إلى أنّها تراقب بانتظام ما يتوفّر من معطيات مرتبطة بـ"جاي إن.1"، وبالتالي سوف تعمد إلى تحديث تقييم المخاطر الخاصة بمتحوّر كورونا هذا عندما يقتضي الأمر ذلك.

ثلث إصابات كورونا بمتحوّر "جاي إن.1"

وفقاً للمعطيات المتوفّرة اليوم، تفيد منظمة الصحة العالمية بأنّ الإصابات بـ"جاي إن.1" كانت تمثّل ثلاثة في المائة من مجموع الإصابات بكوفيد-19 حول العالم في أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قبل أن تبلغ نسبتها 27.1 في المائة، أي نحو ثلث الإصابات، في أوائل ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

وتؤكد المنظمة أنّ من شأن ظهور "جاي إن.1" أن يزيد الإصابات بكوفيد-19، خصوصاً في البلدان التي يحلّ فيها راهناً فصل الشتاء. يُذكر أنّ أعياد نهاية العام، لا سيّما في تلك البلدان، تمثّل "ظروفاً مثالية" لانتشار العدوى، إذ تكثر التجمّعات في الأماكن المغلقة، في حين أنّ الناس بمعظمهم أسقطوا كورونا من حساباتهم.

وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تصنيف "جاي إن.1" متحوّراً مثيراً للاهتمام بعدما سجّلت الولايات المتحدة الأميركية المستويات العليا في التردّد إلى أقسام الطوارئ منذ فبراير/ شباط 2023، وذلك في عدد الإصابات بكوفيد-19 وبالإنفلونزا وبالفيروس المخلوي التنفسي، بحسب ما ذكرت صحيفة "ذي واشنطن بوست" الأميركية في الأسبوع الماضي، أي قبل عطل نهاية العام.

متحوّرات كورونا

توضح منظمة الصحة العالمية أنّ الفيروسات عموماً، ومنها فيروس كورونا الجديد أو "سارس-كوف-2" الذي يسبّب مرض كوفيد-19، تتغيّر مع مرور الوقت. وتأتي التغييرات بمعظمها من دون تأثير يُذكر على خصائص الفيروس، في حين أنّ بعضاً من التغييرات يؤثّر على خصائص معيّنة من قبيل مدى سهولة انتشار الفيروس، أو شدّة المرض المرتبط به، أو فعالية اللقاحات والأدوية المخصّصة لمكافحته وعلاجه، أو أدوات التشخيص، أو غيرها من تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية ذات الصلة.

في يونيو/ حزيران 2020، وسط جائحة كورونا التي أرّقت العالم كلّه، أُنشئ الفريق العامل المعنيّ بتطوّر الفيروسات التابع لمنظمة الصحة العالمية مع التركيز خصوصاً على متحوّرات فيروس كورونا الجديد أو "سارس-كوف-2"، قبل أن يتحوّل هذا الفريق إلى مجموعة استشارية فنية معنيّة حصراً بتطوّر فيروس "سارس-كوف-2".

وفي أواخر عام 2020، دفع ظهور المتحوّرات التي تمثّل خطراً متزايداً على الصحة العامة حول العالم الوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى تصنيف عدد منها أنّها متحوّرات مثيرة للاهتمام (VOIs) ومتحوّرات مثيرة للقلق (VOCs)، من أجل إعطاء الأولوية للرصد والبحث العالميَّين إلى جانب عمليات الإبلاغ وتعديل الاستجابة للأزمة الوبائية.

ومنذ مايو/ أيار 2021، خصّصت منظمة الصحة العالمية تسميات بسيطة وسهلة للمتحوّرات الرئيسية. وأُحرِز تقدّم كبير في إنشاء وتعزيز نظام عالمي لاكتشاف مؤشرات المتحوّرات المثيرة للاهتمام وتلك المثيرة للقلق، وتقييم المخاطر التي تمثّلها متحوّرات كورونا على الصحة العامة بسرعة. وفي مارس/ آذار 2023، عمدت منظمة الصحة العالمية إلى تحديث نظام التتبّع الخاص بها والتعريفات العملية للمتحوّرات المثيرة للقلق والمتحوّرات المثيرة للاهتمام والمتحوّرات قيد الرصد.

ويُطبَّق تصنيف منظمة الصحة العالمية "متحوّر مثير للاهتمام" على متحوّرات كورونا التي تنتشر أسرع من غيرها، والتي تؤثّر تغيّراتها الجينية المتوقّعة أو المعروفة على خصائص الفيروس. ويشمل ذلك قابلية الانتقال والفوعة والتهرّب من الأجسام المضادة وقابلية العلاج والقدرة على الاكتشاف.

ويؤدّي هذا التصنيف إلى تحميل منظمة الصحة العالمية والدول الأعضاء فيها مسؤوليات تتعلّق برصد البيانات وجمعها ومشاركتها. لكنّه يأتي أقلّ خطورة من تصنيف "متحوّر مثير للقلق" الذي يُطبَّق على المتحوّرات الأكثر حدّة، أو تلك التي تتسبّب في أعباء كبرى على الأنظمة الصحية، أو التي تكون اللقاحات أقلّ فعالية في مواجهتها.

هذا هو متحوّر كورونا "جاي إن.1"

ويأتي متحوّر "جاي إن.1" في سياق التطوّر الذي يسجّله فيروس كورونا الجديد أو "سارس-كوف-2" منذ رصده للمرّة الأولى في أواخر عام 2019، علماً أنّ التطوّر المستمرّ يؤدّي إلى أشكال أكثر قابلية للانتقال أو أكثر قدرة على إصابة الأشخاص الذين تلقّوا اللقاحات المضادة لكوفيد-19 أو الذين أُصيبوا بالمرض سابقاً. و"التطوّر" يؤدّي إلى تفوّق كلّ متحوّر مستجدّ على ذلك المنتشر الذي سبقه، وتؤجَّج بالتالي العدوى. لكنّ سيناريو "المتحوّر الأشدّ عدوى والأكثر فتكاً" الذي كان العلماء يخشونه لم يتجسّد على أرض الواقع في العامَين الأخيرَين، بحسب ما أوردت صحيفة "ذي واشنطن بوست" في تقرير حول المتحوّر الأخير.

وكان الإبلاغ عن متحوّر "جاي إن.1" قد أتى في أغسطس/ آب 2023، وهو يُعَدّ تطوّراً للمتغيّر الفرعي "بي إيه.2. 86" من متحوّر أوميكرون الذي تسبّب في أزمة كبرى في أوائل عام 2022. لكنّه بحسب وصف العلماء "مستقلّ" عن المتغيّر الفرعي "بي إيه.2. 86" الذي لم يتفشَّ على نطاق واسع، على الرغم من أنّه كان قد أثار قلق الخبراء بسبب عشرات الطفرات في بروتينه الشوكي. ويُصنَّف "جاي إن.1" مشابهاً إنّما مع طفرة إضافية في البروتين الشوكي الخاص به.

وفي تقرير أخير نُشر في "ذي واشنطن بوست"، أعدّته المراسلة فرانسس فينال التي تتّخذ من أستراليا مقراً لها بالتعاون مع المراسل فينيت نيرابّيل الذي يُعنى بشؤون الصحة العامة والأمراض المعدية، كانت إشارة إلى أنّ هذا أمر مثير للقلق. وأُعيد القلق إلى "كون البروتين الشوكي يعمل كما لو كان مفتاحاً لدخول خليّة ما"، في حين "تدرّب اللقاحات الجسم على تمتين الأقفال". أضاف المراسلان أنّه "عندما يتحوّل البروتين الشوكي إلى عدوّ مختلف تماماً (عمّا عهده سابقاً)، يكون من الصعب على الأجسام المضادة المعادلة التعرّف إليه ومحاربته. لكنّ تلك الأجسام المضادة ليست سوى خطّ الدفاع الأوّل، وثمّة أجزاء أخرى من الجهاز المناعي ما زالت قادرة على محاربة الفيروس وتقليل خطورة العدوى".

تجدر الإشارة إلى أنّ المتحوّر "جاي إن.1" رُصد في 41 بلداً، بحسب البيانات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية، التي تشير إلى أنّ من بين البلدان التي تسجّل النسبة الكبرى من الإصابات به فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وسنغافورة وكندا وبريطانيا والسويد.

المساهمون