لا يكاد يمرّ يوم دون أن تُسجّل إحدى المدن أو الجهات في كامل تراب الجمهورية التونسية انقطاعاً لمياه الشرب يتواصل في أغلب الأحيان لعدّة أيام، إمّا بسبب أعطال طارئة أو بسبب شحّ الموارد المائية.
وتعمد "الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه"، إلى تقسيم فترات التزود بين مختلف المناطق، دون إصدار في أغلب الأوقات بلاغات لإعلام الناس عن هذه الانقطاعات، ليبقوا دون ماء لأيام وأحياناً لأسابيع.
وصار هناك حديث في الأوساط الإعلامية والسياسية والحقوقية عن عطش يتهدّد تونس، ومن أبرز العناوين التي تم تداولها طيلة السنوات الثلاث الأخيرة، "تونس تعاني من الفقر المائي" و"ندرة المياه خطر محدق بتونس" و"شحّ الموارد المائية يهدّد مستقبل البلاد".
وأصبح هناك ما يسمى بخارطة العطش، تُصنّف كل شهر من السنة المحافظات الأكثر عطشاً، وفق ما يتم رصده من شكاوى من انقطاعات متواصلة للمياه الصالحة للشرب التي لم تستثنِ أي مدينة أو قرية أو حتى المدن الساحلية والسياحية والمناطق الراقية.
وتتصدر كل شهر محافظة من المحافظات التونسية هذه الخارطة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اعتبرت محافظات المنستير وسوسة والمهدية، وهي مدن ساحلية وسياحية، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في مقدمة المدن التي شهدت أكثر انقطاعات للمياه الصالحة للشرب. وتصدّرت محافظة بنزرت شمال تونس، القائمة خلال شهر أغسطس/آب الماضي. أمّا محافظة قفصة من الجنوب التونسي، فتصدّرت خارطة العطش ثلاثة أشهر متتالية، في أبريل/نيسان، مايو/أيار ويونيو/حزيران، كذلك الأمر بالنسبة لمحافظة صفاقس التي سجّلت انقطاعات لافتة بالمياه أثناء شهري يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني المنقضيين.
ومنذ شهر يناير/كانون الثاني إلى حدود شهر نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2021، سجّل المرصد الوطني للمياه 2530 شكوى عن إشكاليات متعلقة بالمياه، منها 1623 تبليغا عن انقطاعات متواصلة للمياه الصالحة للشرب مقابل 1300 سنة 2020.
ومن المفارقات اللافتة في هذا السياق، أنّ عدداً من المحافظات التي تحتكر الثروة المائية لتواجد سدود وأودية بها، على غرار زغوان وجندوبة وباجة، تعاني هي الأخرى من العطش بسبب الانقطاعات المتكرّرة للماء.
يوضح منسق المرصد الوطني للمياه، علاء المرزوقي، في تصريح لـ "العربي الجديد": "حسب خارطة العطش، لم يعد مشكل المياه مقتصراً على المناطق الداخلية، وإنما امتدّ إلى عدة مناطق ومحافظات أخرى، بما في ذلك المناطق الساحلية".
ويُضيف: "ما يفسّر شحّ المياه في المدن الساحلية أنها بطبعها مناطق لا تتوفر بها موارد مائية، وتعتمد على تحويل مياه الشمال ومن صفاقس ومن مدينة سبيطلة، أضف إلى ذلك مشكل التسربات المائية والأعطال الكبيرة بشبكة التوزيع، والتي أثّرت بشكل كبير على أربع محافظات ساحلية، وأيضاً على مناطق أخرى من البلاد".
ويقول المرزوقي: "من المهم التوضيح أنّ الحديث عن أنّ شحّ المياه في تونس هو إشكال تعيشه بلادنا ككل بلدان العالم بسبب التغيّرات المناخية والاحتباس الحراري، هو تشخيص منقوص في حقيقة الأمر، ولا يمكن وضعه كشماعة لتبرير نقص الموارد المائية".
ويُضيف: "نواجه هذا النقص في المياه في تونس منذ عشرات السنين، والإشكالية في هذا الصدد تعود في السنوات الأخيرة إلى مشكل التسربات المائية في شبكة التوزيع بسبب اهترائها وعدم صيانتها وتجديدها. فنسبة ضياع المياه المسؤولة عنها الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، تبلغ 30 بالمائة، أضف إلى ذلك استغلال المناطق السقوية للموارد المائية بنسبة 40 بالمائة، وهو ما أثّر حتماً على حق التونسيين في المياه الصالحة للشرب".
وأضاف: "نحن هنا نتحدث إذاً عن سوء حوكمة للموارد المائية يضاف إليها ضعف الميزانية المرصودة لتجديد الشبكات، وهو ما يعني أنه لا يوجد اهتمام بقضية المياه من طرف الدولة وبمشكلاتها وهو ما يبرز أكثر أنّ الإشكالية لا علاقة لها بالتغيّرات المناخية، وإنما بغياب استراتيجيات وطنية لإدارة الثروات المائية. إذ إنّ غياب رؤية واضحة للتصرف في مياه السدود وصيانتها للمحافظة على معدل استغلالها لسنوات طويلة، هو العائق أمامنا".