قبيل الامتحانات الرسمية المتوقّعة في تونس، راحت تكاليف المراجعات تضغط أكثر على العائلات التونسية، بعدما ارتفعت أسعار الدروس الخصوصية إلى مستويات قياسية. وهكذا تزايدت النفقات ورأت العائلات نفسها تتكبّد أعباء مالية تفوق مداخيلها في بعض الأحيان.
وتزدهر في هذه الفترة من العام الدروس الخصوصية التي يقدّمها مدرّسو الصفوف الأخيرة في المراحل التعليمية، في مواد أساسية سوف يخضع لامتحانات فيها تلاميذ البكالوريا أو الثانوية العامة، وكذلك الذين يختمون تعليمهم الأساسي، بدرجة أقلّ. وهكذا تتزايد الضغوط المالية على العائلات نتيجة البدلات المرتفعة في هذا السياق. فالدروس الخصوصية في فترة المراجعات التي تسبق الامتحانات تخضع إلى قواعد تختلف عن تلك الخاصة بالدروس التي تقدّم في أشهر العام الدراسي الباقية، إذ يحدّد المدرّسون تعرفاتهم وفقاً لما يُعرَف بـ"سعر الطاولة".
ويتراوح سعر طاولة المراجعة ما بين 1500 و2000 دينار تونسي (نحو 480 - 640 دولاراً أميركياً) في مقابل 10 حصص من الدروس الخصوصية، وقد يتّفق عدد من التلاميذ فيما بينهم على تقاسم السعر المحدّد، شريطة ألا يتجاوز العدد الأقصى للتلاميذ المشتركين في طاولة المراجعة ثمانية، الأمر الذي يجعل المبلغ المفروض على كلّ واحد منهم 250 ديناراً (نحو 80 دولاراً) على أقلّ تقدير.
وبحسب ما يجمع عدد من أولياء أمور تلاميذ التقتهم "العربي الجديد"، فإنّ سعر المراجعات زاد هذا العام بنسبة لا تقلّ عن 20 في المائة مقارنة بالعام الماضي، لافتين إلى أنّهم يستعدّون مادياً لمجابهة هذه المصاريف منذ بداية العام الدراسي. ويذكر هؤلاء أنّ أبناءهم يحصلون على دروس خصوصية في المواد الأساسية من امتحانات شهادة البكالوريا وامتحانات شهادة ختم التعليم الأساسي.
سلمى واحدة من هؤلاء، تخبر "العربي الجديد" أنّها تخصّص شهرياً منذ بداية العام الدراسي 2021-2022 نحو 800 دينار (نحو 260 دولاراً) للدروس الخصوصية من أجل ابنتها التي تخضع هذا العام لامتحانات البكالوريا في شعبة الرياضيات، "غير أنّ السعر قد يرتفع مرّتَين في الفترة المتبقية من هذا العام الدراسي". تضيف سلمى التي اكتفت باسمها الأوّل أنّ "ابنتي تتقاسم طاولة المراجعة في مادتَي الرياضيات والفيزياء مع أربعة من زملائها، للحصول على دروس شاملة في هاتَين المادتَين وتحقيق علامات مميّزة في الامتحانات".
وتوضح سلمى أنّ "المراجعة سوف تكلّفني 500 دينار (نحو 160 دولاراً) عن كلّ مادة أساسية، علماً أنّها سوف تحصل كذلك على دروس خصوصية أخرى في مواد ثانوية"، مؤكدة أنّ "الدروس الخصوصية ما قبل فترة الامتحانات الرسمية تُعَدّ عرفاً في كلّ البلاد، وترتفع تكاليفها في المدن الكبرى ولدى المدرّسين الذين يكثر الإقبال عليهم". وتشير سلمى إلى أنّ "ثمّة مدرّسين ينهون المناهج المدرسية منذ الفصل (يتألف من ثلاثة أشهر) الثاني للتفرّغ للدروس الخصوصية والمراجعات بشكل كامل، وهو ما يتسبّب في حرمان أبناء الطبقات الأقل حظوة من الحقّ في الدروس إلى حين موعد الامتحانات ،التي تُجرى في الأسبوع الأوّل من شهر يونيو/ حزيران المقبل".
ومن أجل مساعدة التلاميذ من أبناء العائلات ذات الدخل المحدود على الاستفادة من المراجعات والدروس الخصوصية، تحاول منظمات مدنية التعاقد مع مدرّسين لتقديم دروس خصوصية في مراكز تُخصَّص لهذا الغرض.
وفي وقت سباق، أفادت منظمة الدفاع عن المستهلك بأنّ رقم معاملات الدروس الخصوصية في تونس يصل إلى مليون دينار (نحو 320 ألف دولار) في العام الدراسي الواحد، مستندة في ذلك إلى دراسة ميدانية أنجزتها أكاديمية حقوق المستهلك التابعة لها حول الدروس الخصوصية. وأوضحت المنظمة أنّ الدروس الخصوصية تحتلّ حيّزاً مهماً في تركيبة إنفاق العائلة التونسية، وتتحوّل إلى أولوية في فترة الامتحانات التي تشهد في الغالب ارتفاعاً كبيراً في الأسعار. وعلى الرغم من كلفتها العالية والضغوط المالية التي ترهق العائلات التونسية، فإنّها تواصل الإقبال على الدروس الخصوصية وإيلاء التعليم مكانة متطوّرة في نفقاتها من أجل ضمان علامات جيدة لأبنائها في الامتحانات، الأمر الذي يؤثّر بشكل كبير على مبدأ مجانية التعليم التي بُنيت عليه الدولة التونسية منذ أكثر من ستّة عقود.