تحاول تونس المحافظة على الثروة الطبيعية عبر إنشاء محميّات تكون مهمّتها الأساسية المحافظة على الحيوانات النادرة والحدائق والأشجار، ما يساهم أيضاً في تشجيع السياحة الداخلية
أنشأت تونس، منذ أكثر من عشرين عاماً، محميّات طبيعية عدة، خصوصاً في مناطق الشمال الغربي والجنوب، لا سيما بعض المناطق الصحراوية، وذلك، لما تتميّز به تلك الجهات من ثروات طبيعية وبيئية، ومناخ مناسب لعيش العديد من أنواع الحيوانات النادرة. باتت تلك المحميّات والحدائق وجهة سياحية يتوافد إليها التونسيون والأجانب على حدّ سواء على مدار السنة. وتراقب إدارة الغابات التونسية تلك المحميّات، كما تتابع أيضاً تكاثر الحيوانات البرية وحماية الثروة النباتية.
أولى تلك المحميّات وأكبرها، هي محميّة "إشكل" في جبال محافظة بنزرت بأقصى الشمال التونسي. تمتدّ على مساحة تفوق 12 ألف هكتار وتحتوي على ثروات حيوانية ونباتية هامة. وتستقطب تلك المحميّة، وفق عبد الحميد، وهو أحد حرّاس الغابات، آلاف الطيور على مختلف أنواعها الوافدة من أوروبا ومن بعض الدول الأفريقية. ويقول لـ"العربي الجديد": "يعيش في المحميّة بعض الحيوانات الأخرى على غرار الخنزير البري والقط الوحشي وابن آوى وبعض الحيوانات المهددة بالانقراض". ويضيف: "المحميات الطبيعية لا تجري فيها حماية بعض الحيوانات النادرة فقط، بل حماية آلاف أنواع النباتات الجبلية والأشجار التي يفوق عمر بعضها 150 سنة، لا سيّما تلك المهدّدة بسبب قطعها بطرق عشوائية أو بسبب الحرائق صيفاً". كذلك، يشير إلى أنّها تحتوي على قرابة 600 نوع من النباتات.
وفي عام 1990، جرى إنشاء بعض الحدائق الأخرى والمحميّات، على غرار حديقة "الفايجة" في شمال غربي تونس. وهي تمتدّ على نحو 2800 هكتار، وتجري فيها حماية العديد من الحيوانات المهددة بالانقراض على غرار ابن آوى والقط الوحشي والذئاب وبعض أنواع البقر البري. وتقع حديقة "بوهدمة"، جنوبي تونس، وتمتدّ على قرابة 1700 هكتار. ويوجد فيها عدد كبير من الحيوانات الصحراوية وشبه الصحراوية، على غرار الكوبرا والنعامة وبعض أنواع الإبل.
العديد من الجمعيات التي تُعنى بالبيئة وبحماية الثروات الطبيعية، تؤكد، منذ أكثر من 8 سنوات، على خطورة الاعتداءات التي تتعرّض لها تلك المحميّات بسبب الصيد العشوائي والحرائق، بالإضافة إلى سرقة العديد من أنواع النباتات وقطع الأشجار والصيد. وعلى سبيل المثال، يجري اصطياد الأفاعي لاستعمال سمومها، ما أدّى إلى فقدان العديد منها. كما تؤكد تلك الجمعيات على ضرورة زيادة عدد حراس الغابات لتكثيف الرقابة، لا سيّما أنّ غزال الأطلس انقرض من جبال السرج رغم توطين تلك السلالة في مناسبتين. كلّ ذلك، يعود للصيد العشوائي طوال السنة من دون التقيّد بالفترة المرخص فيها بصيد بعض أنواع الحيوانات. ففي العام 2019، جرت إعادة توطين غزال الأطلس ليبلغ عدد أفراده نحو 100. وتعوّل إدارة الغابات على تكاثر هذا النوع مع منع صيده لسنوات عدّة، حتى في خلال فترة الصيد المرخص بها، بهدف تكاثر القطيع والحفاظ على السلالة كي لا تنقرض.
وينتشر في جبال السرج بعض أنواع البقر البري الذي يقع صيده في فترات مختلفة، بترخيص من إدارة الغابات لفترة زمنية محددة، لحماية الثروة الطبيعية. مع ذلك، يجري الاعتداء على تلك الثروة على غرار العديد من أنواع الحيوانات الأخرى بالمنطقة وفق عبد الحميد، حارس الغابات. ويضيف أنّ موظفي الإدارة كثفوا مراقبتهم للغابات خلال السنوات الأخيرة، لحماية العديد من أنواع الحيوانات، لا سيما التي تؤكل لحومها على غرار البقر البري والحجل والغزلان والأرنب البري والعديد من أنواع الطيور التي بات البعض يصطادها للمتاجرة بها أو تهريبها.
ويقول ربيع زروق، أحد منظمي الرحلات الداخلية، لـ"العربي الجديد": إنّ "جبال السرج تستقطب سنوياً آلاف السائحين لمشاهدة غزال الأطلس والبقر البري، ومشاهدة حتى عمليات صيد البقر، بالإضافة إلى التوافد للتجول في المسالك الجبلية، وإقامة بعض المخيمات الترفيهية في الجبال لعدّة أيام، وتمضية أطول فترة في المنطقة لمشاهدة الثروات الطبيعية فيها. لكنّ الصيد العشوائي وتشويه الطبيعة يؤثران على السياحة الداخلية. ويبرز في هذا الإطار أثر صيد غزال الأطلس في انقراضه قبل سنوات، قبل إعادة توطينه منذ قرابة سنة، بالإضافة إلى نقص الحيوانات البريّة في المنطقة".
علاوة على ذلك، أصبحت جزر قورية التونسية من أهمّ المحميات الطبيعية في البحر الأبيض المتوسط. وقد تمّ الحفاظ فيها على العديد من أنواع الحيوانات البحرية خصوصاً السلاحف. وذلك، بعد تعاون السلطات التونسية مع منظمة غير حكومية بهدف حماية سلاحف الكاوان المهدّدة بالانقراض. وتراقب الجمعيات البيئية وجمعيات المحافطة على الثروات الطبيعية، بالإضافة إلى الجهات الأمنية البحرية كلّ الثروات بالمحميات البحرية، إذ تراقب عمليات الصيد العشوائية مع فرض عقوبات على المخالفين بسبب انقراض عدّة أنواع من الثروة البحرية للبلاد.
يُذكر أنّ المجلس الوطني للمحميات البحرية صادق منذ أكثر من سنتين على إقامة وتحديث محميات بحرية جديدة في عدّة مناطق ساحلية، تتميّز بتنوع ثرواتها البحرية الهامة، ومنع الصيد فيها للحفاظ على هذا التنوع.