مع تفاقم الوضع الوبائي في تونس، يُسجَّل تأجيل للمتابعات الطبية غير المستعجلة في المستشفيات العمومية، فأزمة كورونا تفرض شروطها.
قصدت نعيمة، وهي امرأة تونسية خمسينية، أحد مستشفيات العاصمة تونس للخضوع إلى فحص خاص بمتابعة آلام مفاصلها، لكنّ موعدها أُجّل إلى سبتمبر/ أيلول المقبل. تخبر "العربي الجديد" بأنّها "المرة الثانية التي يؤجَّل فيها موعدي بسبب اكتظاظ المستشفى بمصابين بكوفيد-19"، مضيفة أنّ "الطبيب أكّد لي إمكانية تأجيل المواعيد، إذ إنّ حالتي غير خطرة، وبالتالي فإنّ ذلك لن يؤثّر على علاجي". ونعيمة من بين آلاف الحالات غير المستعجلة أو الطارئة التي تؤجّل مواعيد معايناتها وفحوصها إلى الشهر المقبل أو ما بعد ذلك، بسبب تفشّي فيروس كورونا الجديد في تونس، الأمر الذي أدّى إلى اكتظاظ المستشفيات واستنفار الكوادر الطبية لعلاج المصابين بالوباء كأولويّة للسيطرة على الأزمة الصحية.
وتعليق العمل بالعيادات غير المرتبطة بالحالات الطارئة وتخصيص أكثر الأقسام في المستشفيات العمومية لاستقبال المصابين بكوفيد-19 إجراءان سبق أن لجأت إليهما السلطات المختصة في العام الماضي عند تفشّي الفيروس في البلاد، خصوصاً طوال مدّة الحجر الشامل الذي فُرض في مارس/ آذار 2020. لكنّ العيادات عادت إلى عملها المعتاد مع تطبيق الحجر الموجّه في إبريل/ نيسان من العام نفسه.
وقبيل تطبيق ذلك للمرّة الأولى في العام الماضي، دعا المجلس الوطني لعمادة الأطباء في تونس إلى "تأجيل العيادات الطبية وكل التدخلات غير المستعجلة ومعالجة المرضى الأجانب، وإجبارية إيقاف كلّ التدخلات الطبية غير المستعجلة، وذلك حرصاً على حماية العاملين في القطاع الصحي والمرضى من انتشار فيروس كورونا الجديد"، ليقتصر "التكفل الصحي في خلال فترة الحجر الصحي الشامل على خدمات الخط الأول والأطباء المعالجين سواء في المستشفيات العمومية أو في الممارسة الحرة". لكنّ المستشفيات بمعظمها استمرّت في توفير العمليات الجراحية المستعجلة، علماً أنّ عدد العمليات الجراحية سجّل تقلصاً مستمراً منذ بداية الأزمة الوبائية نتيجة عدم قدرة المرضى على التنقّل بسبب تعليق حركة النقل بين المدن. وبعد تلك الإجراءات بنحو شهر، أعلنت الإدارة العامة للهياكل الصحية العمومية التابعة لوزارة الصحة التونسية أنّ العيادات الخارجية بمختلف اختصاصاتها في معظم المستشفيات العمومية عادت إلى العمل منذ انطلاق الحجر الصحي الموجّه وتؤمّن بالتالي خدماتها، لافتة إلى أنّها تشهد إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين بعد توقّفها طيلة فترة الحجر الصحي الشامل خشية تفشي فيروس كورونا الجديد. ثمّ عاد نسق العمل في العيادات إلى وضعه الطبيعي، خصوصاً بعد عدم تسجيل أيّ إصابة بكوفيد-19 والسيطرة على الوضع الوبائي.
واليوم، تُتّبع الإجراءات نفسها في المستشفيات العمومية بمعظمها، فتستقبل الحالات المستعجلة فقط وتؤجّل المعاينات والتكفّل غير المستعجلَين، ليحتلّ وباء كورونا الصدارة في اهتمامات القطاع الصحي، بعد التفشّي الكبير للفيروس منذ يونيو/ حزيران الماضي، مع متحوّره دلتا الذي ظهر للمرّة الأولى في الهند في إبريل/ نيسان الماضي.
بثينة امرأة ثلاثينية، تقول لـ"العربي الجديد": "أتابع علاج المعدة، قبل الخضوع إلى عملية جراحية قيل لي إنّها غير مستعجلة، لذا تأجّل موعدها أكثر من ثلاث مرات بسبب اكتظاظ المستشفيات بالمصابين بكوفيد-19". وتوضح أنّ "طبيبي المباشر أكّد لي أنّ ذلك لن يؤثّر على صحتي، بالتالي نحن في انتظار انفراج الأزمة الصحية قبل إجراء الجراحة"، لافتة إلى أنّ "غرف الإنعاش تشهد اكتظاظاً تجاوز 100 في المائة في كلّ المستشفيات". يُذكر أنّ الحالة الوبائية دفعت مرضى كثيرين إلى تجنّب المستشفيات وطلب تأجيل مواعيدهم مخافة الإصابة بالعدوى في داخل المستشفى، وذلك قبل أن تعمد المؤسسات الصحية إلى تأجيلها. وثمّة من اختاروا متابعة حالاتهم الصحية لدى أطباء في عياداتهم الخاصة، لتفادي الاكتظاظ والاختلاط بعدد كبير من المرضى، لا سيّما في أقسام الأمراض المستعجلة.
في هذا السياق، يقول عبد الرحمن، وهو طبيب متخصص في أمراض القلب والشرايين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدد المرضى في عيادتي الخاصة ارتفع منذ تفشّي الوباء، إذ صار الناس بمعظمهم يتفادون العلاج في المستشفيات العمومية التي تشهد اكتظاظاً كبيراً بسبب توافد آلاف المصابين بكوفيد-19 يومياً. وبدأ ذلك منذ الموجة الأولى التي شهدتها البلاد في العام الماضي التي تسبّبت في إصابة أطباء كثيرين وكوادر شبه طبية بالعدوى".
وتأجيل العمل في العيادات التي تُعنى بالحالات غير المستعجلة والطارئة يثير تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على سير العمل في المستشفيات بعد تحسّن الوضع الوبائي، خصوصاً أنّ المراكز الصحية تشكو عادة من اكتطاظ مستمر بالمرضى، لا سيّما في العيادات الخارجية. وفي هذا الإطار، يشير الطبيب محمد صفر، الذي يعمل في أحد المستشفيات العمومية، إلى أنّ "هذا التأجيل إجراء اضطراري لتفادي انتشار العدوى في المستشفيات. كذلك فإنّ الكوادر الطبية بمعظمها تجنّدت لعلاج المصابين بكوفيد-19. لكنّ ذلك لا يعني إهمال بقية المرضى، لا سيّما الذين تستدعي حالاتهم تدخلات عاجلة، مع الحفاظ على السير العادي للعمليات الجراحية المستعجلة". يضيف صفر، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "تلك الإجراءات قد تؤدّي إلى اكتظاظ العيادات الخارجية بعد تحسّن الوضع الوبائي في البلاد، لكنّ جداول سوف توضع بمواعيد المرضى لتفادي الاكتظاظ أو تأخّر علاج حالات كثيرة". ويشدد صفر على "وجوب دعم القطاع الطبي في معظم المستشفيات بالكوادر الطبية وشبه الطبية في كلّ الاختصاصات، سواء الآن أو بعد تحسّن الوضع الوبائي، لأنّنا نشكو من نقص كبير في الموارد البشرية في اختصاصات مهمة عديدة".