تونس: حقوق غائبة وأجور ضئيلة لعاملات الزراعة

12 يونيو 2023
أجور متدنية لعاملات الزراعة في تونس (العربي الجديد)
+ الخط -

تعمل عائشة منذ أكثر من عشر سنوات في أراضٍ فلاحية بمنطقة نفزة الريفية في محافظة باجة بتونس. تبدأ رحلتها اليومية خلال فصل الصيف عند الساعة الثالثة صباحاً، وتنتهي الساعة الواحدة بعد الظهر، أي قبل أن تشتد درجة الحرارة في فترة الظهيرة. أما في فصل الشتاء، فتعمل منذ الساعة السادسة صباحاً وحتى الخامسة مساءً مقابل عشرة دنانير (3.19 دولارات) يومياً فقط. 
ولطالما اهتمت منظمات وجمعيات حقوقية تنشط في متابعة ملف العاملات في الفلاحة، لكن المطالب الكثيرة لم تحقق أي منافع لهن على مدى عقود، رغم أنهن يمثلن 80 في المائة من اليد العاملة الناشطة في قطاع الفلاحة. 

وأظهرت دراسة أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتناولت النساء العاملات في القطاع الفلاحي أن أوضاعهن أكثر هشاشة من العاملين الرجال في القطاع، علماً أن إجمالي اليد العامة في قطاع الفلاحة يشكل فقط نسبة 3.25 في المائة فقط من مجموع اليد العاملة التونسية عموماً.
وأوردت الدراسة أنّ 92 في المائة من العاملات في قطاع الفلاحة لا يتمتعن بتغطية اجتماعية، وأنّ 90 في المائة منهن يمكثن في مناطق الريف. كذلك، كشفت أن 11 في المائة من العاملات في الفلاحة يتنقلن بين عدة محافظات، ولا يشتغلن في منطقة واحدة، ما سبّب حوادث أوقعت قتلى وجرحى.
وطالبت الدراسة بتعديل قانون الضمان الاجتماعي للسماح بانخراط النساء في شكل أوسع بالقطاع الفلاحي، ودعم أجهزة التفقد الشغلي (المراقبة)، ومراجعة الشروط الخاصة بوسائل النقل المستخدمة في قطاع الفلاحة.

تعمل أكثر من نصف مليون امرأة بالفلاحة في تونس (العربي الجديد)
تعمل أكثر من نصف مليون امرأة بالفلاحة في تونس (العربي الجديد)

ويصعب تحديد العدد الدقيق للعاملات في قطاع الفلاحة، فعددهن يتغيّر بين موسم وآخر، وهن يعملن بصفة متقطعة ضمن فترات زمنية مختلفة. وتقدر بعض المصادر أن عددهن يتجاوز نصف مليون يتوزع أغلبهنّ في المناطق الشمالية، حيث توجد الأراضي الزراعية، وينفذن مهمات لجني الخضار والغلال، وحتى الزرع. 
تخبر بثينة (23 سنة)، "العربي الجديد" أنها التحقت بهذا العمل بعدما تركت الدراسة حين كانت في عمر الـ16، وأنها قد تتنقل يومياً إلى مناطق تبعد 20 كيلومتراً عن مكان إقامتها، ولا تعمل في مزرعة واحدة، بل في عدة أراضٍ ومزارع مختلفة بحسب أنواع العمل المتوافرة. ففي موسم جني الثمار تعمل ثماني ساعات يومياً، أو حتى ساعات أكثر مقابل 7 دنانير يومياً (2.5 دولار)، علماً أنها تدفع ديناراً واحداً عن كل رحلة تنقلها من بيتها إلى مكان العمل. وتعمل بثينة أيضاً في جمع الخضار وتنظيف الأراضي من الأعشاب الطفيلية، وتحفر الأراضي لغرس شتول أشجار. وتقول لـ"العربي الجديد": "لا نزوَّد بزي خاص لممارسة العمل، ولا نحصل على حماية من الحوادث، كما لا نحصل على قفازات أو مظلات أو ملابس تحمينا، ولا نتمتع بأي حقوق عمل ترتبط بعقود، بل ننفذ مهمات شغل تمنحنا أجوراً يومية. ويعني غياب عقود العمل أننا لا نتمتع بتغطية صحية أو اجتماعية، وإن طالبنا بذلك يمكن أن نطرد من العمل، خصوصاً أننا كنا نعمل لدى أصحاب مزارع لا يملكون رخصاً". 

يتغيّر عدد العاملات بين موسم فلاحة وآخر (العربي الجديد)
يتغيّر عدد العاملات بين موسم فلاحة وآخر (العربي الجديد)

وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أصدرت الحكومة مرسوماً أقرّ رفع الأجر الأدنى اليومي للعاملات في قطاع الفلاحة إلى 17 ديناراً (5.5 دولارات)، علماً أن الدولة كانت قد فرضت منذ عام 2011 ضرورة تمتيعهن بتغطية اجتماعية وصحية، لكن أغلبهنّ لا يعملن لدى ذات الشخص، بل يتعاملن مع وسطاء ينقلونهن إلى المزارع للعمل خلال كل موسم فلاحي معين، ما يعني أن علاقة العمل لا تجمعهن بفلاح واحد. 

ودعت بعض المنظمات إلى تسجيل العاملات في الفلاحة فردياً في نظام التغطية الاجتماعية من خلال دفع قسط مالي بسيط لا يتجاوز الدينار الواحد (31 سنتاً). وشاركت مئات من النساء في هذه المبادرة التي انطلقت قبل عامين من دون أن تنجح في تأمين المبالغ الكافية لتوفير تغطية اجتماعية. كذلك واجهت هذه المبادرة مشكلة تجاوز العديد من العاملات في القطاع الفلاحي سنّ الأربعين وحتى الخمسين، فيما يتطلب الحصول على تغطية اجتماعية دفع مساهمات لمدة ثلاثين سنة من العمل، تمهيداً للحصول على معاش تقاعدي والتغطية الاجتماعية. 
وطالبت منظمات حقوقية قبل سنوات بتحسين ظروف عمل الفلاحات لأنّهن يعتبرن الأكثر هشاشة بين جميع العمال، وقد تتوفى بعضهن بحوادث سير على الطرقات خلال نقلهن بوسائل تفتقر غالباً إلى الأمان الكامل. وشملت المطالب أيضاً إيجاد صيغ فعّالة لدفع مساهمات النساء العاملات في القطاع الفلاحي في الصناديق الاجتماعية كي يستطعن الانتفاع بمعاش التقاعد لاحقاً.     

المساهمون