تونس تفتقد المراكز المتخصصة لرعاية أطفال التوحد

26 فبراير 2022
لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة (العربي الجديد)
+ الخط -

في منطقة عين دراهم، الواقعة في ولاية جندوبة في إقليم الشمال الغربي لتونس، يقضي أحمد (سبع سنوات) المصاب باضطراب طيف التوحد معظم ساعات يومه في غرفة صغيرة، ولا يغادرها إلا بمرافقة أحد والديه. لم يلتحق بأيّ روضة أطفال ولا دار رعاية ولا حتى مدرسة. ويوضح والده عبد الحميد أنّ "المنطقة تفتقر إلى دار رعاية مخصصة لاستقبال الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، الأمر الذي أثر على ابنه بدرجة كبيرة. اليوم، يعجز عن التواصل أو التأقلم مع أيّ شخص من خارج عائلته. وكلّما خالط غرباء يبدأ بالصراخ. وفي بعض الأحيان، يصير عنيفاً مع الأطفال الآخرين".
واجهت أسرة أحمد علي، على غرار عائلات كثيرة، تحديات كبيرة لتأهيل وإدماج أطفالها، إذ لا يوجد اهتمام مؤسساتي بالأطفال المصابين بالتوحد. وكان وزير الشؤون الاجتماعية السابق محمد الطرابلسي قد أعلن، عام 2016، أنّ الوزارة ستعد عام 2017 مسحاً شاملاً عن عدد الأطفال المصابين بالتوحد، بالإضافة إلى استراتيجية للاهتمام بهذه الفئة، إلا أن الأرقام ما زالت غير متوفرة.

ويبقى الاعتماد على الجمعيات المعنية بأطفال التوحد، علماً أنها محصورة في مناطق معينة وغائبة في المناطق الداخلية. وتتراوح كلفة رعاية الطفل المصاب بالتوحد بما بين 250 دولارا و400 دولار شهرياً، الأمر الذي يتجاوز أحياناً دخل صاحب العائلة، على اعتبار أن المراكز تستعين بمتخصصين في تقويم النطق والعلاجين النفسي والحركي وغير ذلك. لكن أكثر ما يقلق الأهالي هو أن العديد من المراكز تعمل بطريقة عشوائية، إذ تنتدب بعض العاطلين عن العمل. 
وتقدر جمعيات عدد الأطفال المصابين بالتوحد في البلاد بـ 7 آلاف طفل. وفي ظل غياب مراكز رعاية حكومية، لا يحصل بعض الأطفال على الرعاية والتعليم.
في ديسمبر/كانون الأول عام 2018، أنشأت الدولة مركزاً لأطفال التوحد بالعاصمة يعمل تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، التي أكدت أنّ هدفه "توفير الرعاية والعناية للأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، ومساعدة الأهل من محدودي الدخل على توفير الرعاية اللازمة لأبنائهم".
وتبلغ طاقة استيعاب المركز نحو 40 طفلاً، ما يعني أنه لن يستقبل غير الأطفال القاطنين في العاصمة. ويقول رئيس الجمعية التونسية لصعوبات واضطرابات التعلّم محمد السندي لـ "العربي الجديد" إنّ "العديد من الأطفال المصابين بالتوحد في تونس يعانون من صعوبات تعليمية تجعلهم في حاجة إلى التأهيل التربوي والرعاية النفسية". يضيف: "افتتحت الجمعية بداية هذا العام مقراً لرعاية وتأهيل أطفال الذين يعانون من صعوبات تعليمية، من بينهم الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد"، مؤكداً في الوقت نفسه أن جهود الجمعيات وحدها غير كافية لتقديم الرعاية اللازمة للعدد الكبير من الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد في غالبية المناطق، حيث لا تتوفر مراكز رعاية أو منظمات تهتم بهم.

الصورة
لا اهتمام مؤسساتي بالأطفال المصابين بالتوحد (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
لا اهتمام مؤسساتي بالأطفال المصابين بالتوحد (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

من جهتها، تقترح جمعية "الفرات للتوحد" التي تأسست عام 2011، دمج أطفال التوحد في التعليم، وتوعية التلاميذ حول اضطراب طيف التوحد. وتلفت إلى أن غالبية الأطفال المصابين بالتوحد لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة، الأمر الذي يتطلب تأمين منهاج متخصص.
ونظراً لصعوبة إدماج هؤلاء الأطفال في المدارس، طالب العديد من المتخصصين بضرورة إيجاد حل، خصوصاً أنّه لا توجد مراكز رعاية حكومية. ويقول المتخصص في شؤون الأسرة والطفولة إبراهيم الريحاني لـ "العربي الجديد": "غالبية العائلات التي لديها أطفال مصابون بالتوحد غير قادرة على مجابهة مصاريف المراكز الخاصة. لذلك، يجب على الوزارات المعنية، بما في ذلك وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية، إيجاد حلّ لهؤلاء عبر إدماجهم في المؤسسات التربوية لتلقي التعليم بطريقة تراعي خصوصيتهم، عبر متخصصين في التعامل مع هذه الفئة".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

يشار إلى أن اضطرابات طيف التوحد هي مجموعة من الاعتلالات المتنوعة التي تتصف بضعف السلوك الاجتماعي والتواصل، بحسب منظمة الصحة العالمية. وتشير إلى أن بعض الاعتلالات الأخرى تمثل نمطا لا نموذجيا من الأنشطة والسلوكيات، مثل صعوبة الانتقال من نشاط لآخر والاستغراق في التفاصيل وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس.
وتتباين قدرات واحتياجات الأشخاص المصابين بالتوحد ويمكن أن تتطور مع مرور الوقت. فقد يتمكن بعض المصابين بالتوحد من التمتع بحياة مستقلة، ولكن البعض الآخر يعانون من إعاقات وخيمة وبحاجة للرعاية والدعم مدى الحياة.

المساهمون