تخلّف حوادث القطارات مئات من المتضررين جسدياً أو نفسياً في تونس سنوياً، غير أنّ مسار تعويضهم يبقى غير واضح.
لا تزال التونسية راقية (52 عاماً) تشعر بكل التفاصيل الدقيقة لحادث اصطدام حصل في خريف عام 2021 بين قطار انطلق من الضواحي الجنوبية لتونس العاصمة وآخر كان قادماً من محافظة قابس. توضح راقية لـ"العربي الجديد" أنها كانت في المقطورة الخلفية للقطار الذي تستقله يومياً في رحلتها من محطة منطقة رادس بضاحية تونس إلى محطة ساحة برشلونة وسط العاصمة، ثم شعرت بارتطام عنيف لم تستوعب مصدره في اللحظات الأولى، ثم أشعرها صراخ الركاب وسقوط بعضهم على أرض القطار بخطر، وبأنه تعرّض لمكروه. تقول: "شعرت بارتطام القطار بعنف بجسم قوي، ورأيت الركاب يتساقطون داخله وبين الكراسي، وعمّت الفوضى خلال لحظات قليلة شهدت حالات إغماء كثيرة للركاب الذين تدافعوا للقفز من المقطورات. وبعد دقائق وصلت سيارات الإسعاف الطبي والدفاع المدني، وأجلي الجرحى، وأخضع بعضهم إلى إسعافات أولية في المكان ذاته".
ورغم أنّ راقية أصيبت ببعض الرضوض فقط، وهو ما أظهرته الفحوص الطبية التي أجرتها في مستشفى الحروق بالعاصمة تونس، ما زال ينتابها الشعور بالخوف من القطارات، والتي تؤثر على نفسيتها، كما لم تمح هذه الحادثة من ذاكرتها. وتتحدث عن أنها لم تدفع أموالاً مقابل الفحوص الدقيقة التي أجرتها بعد الحادث، والتي حصرت أضرارها الجسدية ببعض الرضوض، وأنها لم تحصل على أي تعويض كونها لم تحاول إعداد ملف خاص بوضعها الصحي بعد الحادث. وتكشف أنها لم تحتفظ حتى بتذكرة السفر الخاصة بالرحلة، ولا تذكر أن مسؤولي الإغاثة دوّنوا بيانات هويتها بين الضحايا.
وتخلّف حوادث القطارات مئات من المتضررين جسدياً ونفسياً في تونس سنوياً، أما مسار تعويضهم فغير واضح، لا سيما إذا تعلّق الأمر بأضرار خفيفة أو رضوض، بينما لا تقيّم الفحوص الطبية التي يخضع لها الضحايا الأضرار النفسية التي تنتج عن صدمة الحادث.
قانونياً، تعتبر تذكرة السفر بمثابة عقد يربط الراكب بشركة النقل التي تطالب بأن توصله بسلامة إلى وجهته المقصودة بالمقابل المادي الذي يدفعه. وفي حال وقوع حادث نتيجة خطأ بشري أو تقني فيجب أن تتحمل شركة النقل تبعاته، وتتكفل تعويض المتضررين بحسب درجة خسائرهم، استناداً إلى مقاييس معينة منها نسبة الضرر البدني والوضع الاجتماعي وغيرهما. ويخضع تعويض المتضررين من حوادث القطارات إلى مسارين قضائي وصلحي. أما التعويض فيشمل فقط الأوضاع التي تثبت فيها التقارير الطبية حصول أضرار بدنية.
وتغطي شركة النقل كلفة علاج الأضرار الطفيفة، وتكاليف التعهد الطبي الأولى للجرحى أو المصابين الذين يجليهم المسعفون وفرق الدفاع المدني من مكان الحادث. وتظل تفاصيل التعويض عن الأضرار النفسية الذي تلحق بالمصابين في حوادث القطارات بلا أي تحديد. ولاحقاً، تصرف شركة النقل ضمن مسارات الصلح أو تلك المتعلقة بالقضائية تعويضات إلى مستحقيها باعتبارها المقصد الأول والوحيد لمتضررين، وذلك بالاعتماد على جدول تقديرات للخسائر يحدده قانون صدر 2005 يقضي بإدراج بند خامس في أبواب التأمين الصحي يتعلق بالمسؤولية المدنية الناتجة عن استعمال العربات البرية ذات محرك، ونظام التعويض عن الأضرار اللاحقة بالأشخاص في حوادث المرور.
يوضح الناطق الرسمي باسم الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات، أشرف اليحياوي، في تصريحات إعلامية، أن 173 حادث قطار وقعت في السنوات الخمس الماضية في مختلف مناطق البلاد، وتسببت في سقوط 229 قتيلاً و345 جريحاً.
وتقول المسؤولة عن غرفة العمليات المركزية بوزارة الصحة، هندة الشابي، لـ"العربي الجديد": "تنشئ وزارة الصحة عقب كلّ حادث قطار خلية مكلفة بمتابعة الأوضاع النفسية للضحايا، ومساعدتهم في احتواء آثار الصدمة التي تنتج عن الخوف والهلع الشديد المرتبطين بهذا الصنف من الحوادث.
وعموماً تنتج غالبية حوادث القطارات في تونس عن أخطاء فنية أو عن الأوضاع السيئة للقطارات والسكك الحديد في ظل ضعف إمكانات الصيانة، ومواجهة شركة السكك الحديدية الحكومية صعوبات في تأمين متطلبات التسيير والصيانة. ولا يخفى تسيير شركة السكك الحديدية قطارات بعضها قديمة وغير مريحة من أجل تأمين خدمة النقل لآلاف المواطنين يومياً، سواء من نقاط تنتشر في ضواحي العاصمة أو بين المحافظات عبر شبكة خطوط تمتد مساحات طويلة.
وتضم شبكة السكك الحديدية التونسية 23 خطاً تغطي مسارات بإجمالي طول 2165 كيلومتراً، منها 471 كيلومتراً سكة عادية، و1686 كيلومتراً سكة مترية تتألف من 90 كيلومتراً من السكك موصولة بالكهرباء، إلى جانب سكك مزدوجة عادية ومترية يبلغ طولها 8 كيلومترات. وتشمل خدمات الشبكة الحديدية 267 محطة ونقطة توقف. وتبلغ السرعة القصوى للقطارات 130 كيلومتراً في الساعة على السكة المترية، و140 كيلومتراً في الساعة على السكة العادية. وتتراوح حمولتها بين 16 و20 طناً، وفق ما يذكر موقع الشركة الوطنية للسكك الحديدية.