تونس: تضييق على عمل المهاجرين في جني الزيتون

15 يناير 2024
حضور قليل للمهاجرين في حقول الزيتون (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

اعتاد أصحاب مزارع الزيتون في تونس الاستعانة بالمهاجرين لمساعدتهم في جمع المحاصيل بسبب نقص اليد العاملة المحلية، لكن الأمر تغيّر حالياً بسبب التضييق على أصحاب الأعمال لمنع تشغيل المهاجرين.

أقصت التدابير المشددة التي اتخذتها السلطات التونسية مهاجري دول جنوب الصحراء من العمل في موسم قطف الزيتون، بعدما كانوا يوجدون بكثافة في القرى خلال السنوات الأخيرة، ويعوّل عليهم المزارعون باعتبارهم جزءاً مهماً من اليد العاملة في جني المحاصيل، وبينها الزيتون الذي يمتد موسمه أكثر من ثلاثة أشهر، ويوفر فرص عمل مهمة لهم.
وفيما تواجه المنظمات المدنية التدابير المشددة، التي تطبقها السلطات ضد تشغيل وإيواء مهاجري دول جنوب الصحراء الذين يقيمون بطريقة شرعية في تونس، بالدعوة إلى تسريع إطلاق مسار لتنظيم وجودهم في تونس وحمايتهم من شبكات الاتجار بالبشر، تؤكد خديجة العدوني، وهي مزارعة من منطقة الحنشة بصفاقس، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "حضور المهاجرين في حقول الزيتون هذا العام بات قليلاً نتيجة تخوف أصحاب المشاريع الزارعية من التعرّض لملاحقات قانونية في حال الاستعانة بهم في جني المحاصيل".
تضيف: "يعرض مهاجرون، بسبب حاجتهم إلى عمل، خدماتهم على المزارعين بأجور زهيدة لا تتجاوز 10 دنانير (3 دولارات) في اليوم الواحد، في حين تناهز أجرة العامل المحلي 30 ديناراً (9 دولارات) في اليوم الواحد".
وتوضح أن "موسم الزيتون يوفر فرص عمل كثيرة للمهاجرين الذي ساعدوا المزارعين في جمع المحاصيل خلال السنوات الماضية، وعوضوا بالتالي عدم وجود يد عاملة محلية كافية في القرى، لكن أصحاب المشاريع الزراعية يخشون الاستعانة بالمهاجرين حالياً رغم أنهم ينصبون خياماً قرب أراضي وغابات الزيتون، وبعضهم ممن رحلتهم السلطات من وسط مدينة صفاقس، ونقلتهم إلى مدينتي العامرة وجبنيانة".
ويحتاج موسم الزيتون في تونس إلى نحو 120 ألف عامل لجمع المحاصيل في حال كانت الظروف المناخية جيدة، ما يجعل أصحاب المزارع يبحثون دائماً عن عمال متخصصين، خاصة أن أكثر من 80 في المائة منهم لا يزالون يعتمدون على الطرق التقليدية في جني المحاصيل، فيما يستخدم نحو 20 في المائة منهم فقط أجهزة، ويمثل ذلك نقطة ضعف في عمل القطاع، بحسب وزارة الفلاحة.

ويؤكد عضو الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان حمة حمادي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "منع السلطات تشغيل وإيواء الأجانب حرم المهاجرين من حقوق أساسية في العمل والتنقل، كما جعل السكان يتخوفون من مواجهة ملاحقات قضائية في حال شغلوا مهاجرين ووفروا مأوى لهم، حتى إن بعضهم باتوا يرفضون وجود هؤلاء المهاجرين في مناطقهم ويحرضون عليهم".
وتشير الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان إلى أن "اشتباكات حصلت بين سكان محليين ومهاجرين في مناطق عدة نقلوا إليها، بعدما تحوّل وجودهم إلى عبء في هذه المناطق التي تشكو بدورها من الفقر ونقص المواد الأساسية ". وتذكّر بأنها قدمت مبادرات عدة لتسوية ملف المهاجرين والمساعدة في اندماجهم عبر تسهيل حصولهم على وثائق إقامة تعزز منحهم فرص عمل واستئجار مساكن. لكن تلك المبادرات لا تجد أي صدى لدى السلطات، علماً أن السكن والتنقل والعمل من الحقوق الأساسية التي يجب أن تحترم".

تحرم السلطات التونسية المهاجرين من حقوق أساسية في العمل والتنقل (سالي هايدن/ Getty)
تحرم السلطات التونسية المهاجرين من حقوق أساسية في العمل والتنقل (سالي هايدن/ Getty)

وفي أغسطس/ آب الماضي، أخلت قوات الأمن المهاجرين من الساحات العامة وسط مدينة صفاقس، ونقلتهم إلى مدن وقرى نصبوا فيها خياماً وسط غابات الزيتون .
والأسبوع الماضي، أبدى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قلقه من الوضع الخاص بالمهاجرين وتداعياته الإنسانية الخطيرة، وأعلن أنه يتلقى شهادات عن تنفيذ عمليات طرد جماعي للمهاجرين إلى الحدود مع الجزائر في ظل ظروف مناخية قاسية، وأيضاً إلى الحدود الليبية حيث يحتجزون في مراكز تديرها تشكيلات مسلحة".

وأوضح المنتدى أن "تشكيلات أمنية مختلفة في العامرة وجبنيانة تعمل لمنع التوقيف العشوائي للمهاجرين، الذي يترافق مع حجز ممتلكات أو إتلافها، وجدد دعوته للدولة التونسية وهياكلها إلى توفير استجابة إنسانية لأوضاع اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين وعديمي الجنسية". كما دعا إلى وقف عمليات الصدّ بالقوة والطرد إلى الحدود، وتلك لنقل من تقطعت بهم السبل إلى مواقع آمنة تحميهم وتسمح لهم بالسكن والتنقل، كي يتسنى لهم الحصول على مياه كافية وغذاء ومأوى ورعاية صحية وعمل، وهذه الأمور لا يمكن أن تحصل إلا بإيجاد تسوية إدارية للمهاجرين غير الشرعيين.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت المنظمة العالمية لمكافحة التعذيب، أنّ المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء يتعرضون "لعنف مؤسساتي يومي في تونس، يشمل اعتقالات تعسفية وتهجير قسري وإبعاد غير قانوني"، وحمّلت السلطات التونسية مسؤولية الانتهاكات المرتكبة، وأشارت إلى أنّ "البلاد تتعرض لضغوط مستمرة من أوروبا للحدّ من الهجرة السرية في البحر المتوسط".

المساهمون