تكثر مرائب السيّارات العشوائية في تونس في ظلّ غياب تلك المنظّمة التي تسهّل ركن السيارات في المدن والأحياء الإدارية الكبرى المكتظة. قرب الحي الإداري في منطقة "منبليزير" في العاصمة تونس، حيث يوجد العديد من الوزارات والشركات الخاصة، يمتد على طول الشارع مكان مخصص لركن السيارات، ويضطر الموظفون إلى دفع مبلغ من المال لحارس بحسب عدد الساعات من دون أن يعرف المستفيد الحقيقي.
وفي الحي الإداري نفسه، تجوب سيارات "الشنقال" (تتولى رفع السيارات المخالفة في الأماكن الممنوع الوقوف والتوقف فيها) المكان لرفع كل عربة مخالفة ونقلها إلى مستودع الحجز، ما يضطر المواطنين إلى دفع مبلغ 40 ديناراً (نحو 13 دولاراً) لاسترجاع السيارة المحجوزة. وغالباً ما يرضى أصحاب السيارات بدفع المبالغ التي يفرضها الحرّاس من دون نقاش، في وقت لا تقدم البلديات بدائل كافية منها تخصيص المزيد من المرائب القانونية، باستثناء مناطق قليلة ولكن بطاقة استيعابية محدودة جداً.
وتقول ندى الأندلسي، وهي موظفة في دائرة حكومية في حي "منبليزير" الإداري، إن طاقة استيعاب المرأب المخصصة لموظفي الدائرة التي تعمل بها محدودة جداً، وتعطى الأولوية للسيارات الإدارية وكبار الموظفين في وقت يضطر الآخرون إلى البحث عن أماكن لسياراتهم في المرائب العشوائية المنتشرة في مقابل دفع مبلغ لا يقل عن دينارين (نحو نصف دولار) يومياً. وتشكو ندى في حديثها لـ "العربي الجديد" من تعرّض أصحاب السيارات للابتزاز من قبل حراس المرائب، مؤكدة أنها تضطر للدفع أكثر من مرة في اليوم الواحد في حال تنقلها بين مقر عملها وأي حي إداري آخر. في الوقت نفسه، تشير إلى أن الدفع للحارس الذي يحمل عصا يظل أفضل بكثير من البحث طويلاً عن مكان شاغر لركن السيارة أو تركها في مكان يمنع فيه ركن السيارات.
تجهل ندى هوية الأشخاص الذين يعينون الحراس، مؤكدة أن هؤلاء ليسوا إلا واجهة لآخرين يستغلون المساحات الشاغرة وأحياناً الطرقات العامة والأرصفة لتحقيق مكاسب مالية في ظل غياب التخطيط العمراني والرقابة. ويعدّ البحث عن أماكن لركن السيارات في العاصمة تونس والمدن الكبرى إحدى أبرز مشاكل المواطنين، وخصوصاً أثناء ساعات الدوام الرسمية التي تكثر فيها حركة التنقل على الطرقات.
ويقول عز الدين الذي يحرس ساحة مفتوحة خصصت لركن السيارات في منطقة "منبليزير" الإدارية إنه يساعد عشرات الموظفين يومياً في توفير أماكن آمنة لسياراتهم طوال الدوام الإداري في مقابل مبلغ يومي لا يزيد عن 1,5 دينار (أقل من نصف دولار) لفترة محدودة في مقابل دينارين لنصف يوم في المرأب التابع للبلدية. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ الحراس يواجهون انتقادات كبيرة ويتهمون بابتزاز أصحاب السيارات، علماً أنهم يعملون لصالح أشخاص آخرين لا يظهرون في الصورة، ويحصلون على الأراضي من الملّاك الأصليين من أجل تحويلها إلى مرائب عشوائية.
ويشير إلى أن أصحاب السيارات يدفعون بدلا ماديا في مقابل الحراسة والركن لساعات طويلة، مشيراً إلى أن حراسة السيارات تقلل من احتمالات السرقة أو حدوث مشاكل وأضرار. ويوضح أنه يتقاضى 40 ديناراً (نحو 13 دولاراً) بدل يوم عمل كامل يقضيه تحت أشعة الشمس الحارقة صيفاً وفي البرد القارس شتاء، رافضاً ما وصفه وزملاؤه بـ "الباندية" أو قطّاع الطرق.
وفي ظل زيادة الشكاوى من الابتزاز الذي يتعرض له المواطنون من بعض حراس المرائب العشوائية، تنفذ القوات الأمنية حملات أمنية واسعة للتصدي لهؤلاء. وتكثر هذه الحملات خصوصاً في فصل الصيف حيث يكثر المصطافون. وتنظم البلديات أماكن ركن السيارات على الطرقات العامة وفي المرائب بالإضافة إلى الغرامات المالية في حال المخالفة. كما تسمح لشركات خاصة تتعاقد معها بإزالة السيارات المخالفة.
ويتراوح بدل ركن السيارات في المرائب التابعة للبلدية ما بين دينارين في الفترتين الصباحية والمسائية، و4 دينارات ليلاً (نحو دولار)، في وقت تبلغ الاشتراكات الشهرية 60 ديناراً (نحو 20 دولاراً) في النهار و40 ديناراً (نحو 13 دولاراً) في الليل و90 ديناراً (نحو 30 دولاراً) للفترتين، علماً أن البدل المادي في بقية الأماكن لا يخضع لأي قانون.
ويؤدي ارتفاع عدد السيارات في البلاد إلى ضيق الأماكن المتوفرة لركن السيارات وخصوصاً في العاصمة وغيرها من المدن التي تشهد كثافة سكانية. وتسعى البلديات إلى تنظيم ركن السيارات سواء على الطرقات العامة أو في المرائب.