تونس: تحديات قاسية لعائلات المهاجرين

31 يوليو 2023
يهاجر آلاف الشبان التونسيين سنوياً (جورجيو كوسوليتش/Getty)
+ الخط -

أطلقت السلطات التونسية خطة لرعاية عائلات المهاجرين بعد رصد مخاطر اجتماعية ونفسية تهددهم، وتركز الخطة على المناطق التي شهدت موجات هجرة كثيفة أدت إلى تشتت الروابط العائلية في غياب حلول تتيح وقف نزيف الهجرة، أو تنمية المناطق التي تشهد هجرة متزايدة.
وكشف ديوان التونسيين بالخارج (حكومي)، في بيان، عن برنامج للإحاطة النفسية والاجتماعية بأسر المهاجرين، يركز على المناطق ذات الهجرة الكثيفة، ويهدف إلى الحد من الانقطاع المدرسي لأبناء هذه العائلات، والتوعية بمخاطر الهجرة السرية، وتشغيل القصّر، وارتفاع التسرب المدرسي بغرض الالتحاق بأفراد من العائلة في المهجر، أو الهجرة السرية.
وقال المندوب الجهوي لديوان التونسيين بالخارج، محمد يوسف، إن "أسر المهاجرين المتبقية في تونس تعاني من إشكاليات اقتصادية واجتماعية ونفسية عديدة تؤثر على أفرادها، وتجعل الأطفال خصوصاً عرضة للإخفاق أو التسرب المدرسي، ما يفرض وضع خطط لرعاية هذه الفئة، خاصة في المناطق التي تشهد كثافة الهجرة على غرار محافظات القيروان والمهدية وبعض مدن الجنوب التونسي".
وأوضح يوسف لـ"العربي الجديد"، أن "المعاينات الميدانية لأوضاع الأسر المتبقية داخل المناطق التي تعرف بكثافة الهجرة أثبتت وجود صعوبات عدة تعاني منها الزوجات والأطفال، فالزوجات يتحمّلن أعباء اجتماعية وأسرية كبيرة تؤثر على سلوكهن تجاه الأطفال، ما يخلق مشاكل يصعب معالجتها نتيجة غياب الوعي في أغلب الأحيان. فكرة الهجرة تستوطن لدى اليافعين في هذه المناطق، ما يدفعهم إلى مغادرة التعليم في سن مبكرة بهدف الالتحاق بأفراد أسرهم في المهجر".
ويؤكد المسؤول الحكومي على أهمية الرعاية النفسية والتربوية والصحية لهذه الشريحة من التونسيين التي تتوسع مع تفاقم ظاهرة الهجرة، لافتا إلى أن "برامج التدخل الميداني تعطي نتائج جيدة، خاصة في ما يتعلّق بتحسين النتائج الدراسية للأطفال بعد تمكينهم من حصص للدعم النفسي والتربوي، وهناك دورات تدريب ستقدم أيضاً حول مخاطر الهجرة السرية، والوقاية من الفشل الدراسي، وأساليب التواصل داخل العائلات، وتنمية القدرات الذاتية لليافعين، فضلاً عن إدماج المنقطعين عن الدراسة في دورات تأهيل مهنية".

عائلات المهاجرين التونسيين تطالب بتدخل حكومي (حسن مراد/Getty)
تطالب عائلات المهاجرين التونسيين بتدخل حكومي (حسن مراد/Getty)

ويرى الباحث في علم الاجتماع المتخصص في سياسات الهجرة، خالد الطبابي، أن المشاكل التي تواجهها أسر المهاجرين يجب أن تعالج في إطار سياسات جوهرية، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "حرية التنقل من دون قيود تمنح الأسر إمكانيات أوسع للتواصل مع ذويهم في المهجر، كما أن رفع عوائق السفر، وتسهيل الحصول على التأشيرات يحد من الآثار النفسية للغياب الطويل للمهاجرين، بينما أدت القيود المفروضة على السفر بين ضفتي المتوسط إلى نتائج عكسية، من أبرزها ارتفاع معدلات الهجرة السرية التي تخلّف مآسي أسرية مدمرة تطاول المتبقين في تونس، وكذا المهاجرين الذين يعيشون بدورهم ظروفاً نفسية صعبة تتحول إلى سلوكيات عدوانية في أحيان عدة".
وتطالب السلطات التونسية بحلول تشترك فيها دول المتوسط لوضع تصورات جديدة لسياسات الهجرة، وخلال لقاء جمعه برئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، إبان زيارتها إلى تونس، دعا الرئيس قيس سعيد إلى حل مشترك لمشاكل الهجرة في إطار قمة تضمّ كل الدول المعنية. وقال في بيان نشرته الرئاسة التونسية، إن "كل الطرق لم تعد تؤدي إلى روما فقط، بل صارت أيضاً تؤدي إلى تونس، وهذه ظاهرة غير طبيعية، ليس بالنسبة إلى تونس، ولكن بالنسبة إلى الدول التي يتدفق إليها هؤلاء المهاجرون"، مؤكداً على "ضرورة معالجة الأسباب بصفة جماعية لزرع الأمل في نفوس المهاجرين حتى لا يغادروا أوطانهم، وذلك بعمل اقتصادي واجتماعي مكثف يقضي على اليأس ويزرع الأمل".

وفي دراسة حول هجرة الشباب من محافظة تطاوين (جنوب) إلى أوروبا عبر خط البلقان، حذّر الباحث في علم الاجتماع، نجيب بوطالب، من تأثير هجرة الشباب على المجتمعات المحلية، والتي باتت مهددة باختلال التوازن الديمغرافي، وفقدان اليد العاملة، وارتفاع نسب العنوسة بين الإناث.
وأشارت الدراسة إلى بوادر تحوّلات اجتماعية عميقة تشهدها محافظة تطاوين، وكل مناطق الجنوب التونسي، بسبب هجرة الشباب عبر تركيا ودول البلقان إلى أوروبا، ورصدت "غياب الوعي الرسمي بمخاطر التحولات التي تشهدها محافظات الجنوب التونسي بسبب الهجرة"، وأن "هجرة الشباب تحوّلت إلى ظاهرة تشمل العديد من المحافظات، خصوصاً تطاوين ومدنين".

المساهمون