تونس: تجدد صعب لأجيال الشبان مع الزراعة

10 يناير 2023
مردود ضعيف من العمل في الفلاحة (العربي الجديد)
+ الخط -

يمسك بشير الجويني بقبضة تراب من أرض أجداده، ويقول لدى استعداده لنثر بذور الحبوب في أرض بمنطقة المخشبية في محافظة باجة شمال غربي تونس: "رائحة الأرض بعد الحرث أحلى وأفخر أنواع العطور عند الفلاح".
بشير (31 عاماً) بين الشبان التونسيين الذين يصرّون على الاستمرار في العمل الزراعي رغم صعوباته وتأثير التغيّرات المناخية على مردوده المادي، ويعتبر في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الشعوب لن تكون في مأمن غذائياً إلا بالعودة إلى ممارسة أنشطة الفلاحة، وتشجيع أجيال الشبان على ممارسة أعمال الأرياف مجدداً".

ويوضح أنه حصل على إجازة في اختصاص التصرف والمالية قبل 6 سنوات، لكنه سلك مساراً مهنياً عبر الالتحاق بالعمل الفلاحي من أجل مواصلة مشوار بدأه جده قبل أكثر من 80 عاماً.
ويحدد أسباب تمسكه بالعمل الزراعي، رغم هروب الشباب من هذا التخصص غير المغري بالنسبة إليهم، بأن "الفلاحة هي النشاط الوحيد الذي نجح في هزيمة فيروس كورونا، وانتصر على قيود الغلق وتقييد حركة الأشخاص ونقل السلع".
يضيف: "صنّاع القوت هم صناع الحياة، وأزمة الغذاء العالمي ستعيد إلى الزراعة مكانتها كنشاط اقتصادي أساسي، ما يحفزني على مواصلة تطوير مشروعي الفلاحي الذي ورثته عن أبي وجدي".
ويريد بشير استثمار ما درسه في اختصاص التصرف والمالية في إدارة نشاطه الفلاحي، مؤكداً أن "مهنة الزراعة تعرف تطوراً كبيراً على صعيد تطويع التكنولوجيات الحديثة لتنويع وتحسين المردود، وأنا أؤمن بقدرة المزارعين الشبان على تطويع أزمة الغذاء العالمي لصالحهم، والتوجّه أكثر نحو مهن غرس الأشجار والرعي وتربية الماشية لدعم الأمن الغذائي لبلدهم".
ويرى المزارع الشاب أن "العمل الفلاحي لا يحظى بتقدير اجتماعي، ما يفسّر عزوف بعض أبناء جيلي عن الاهتمام بالنشاط الفلاحي، مقابل تأكيد أهمية مهن أخرى يعتبرها المجتمع أكثر وجاهة".
ويصف اتحاد الفلاحة والصيد البحري الفلاحة بأنها "مهنة تشيخ في تونس فنحو نصف مليون فلاح يتجاوزون سن الـ60، و5 في المائة فقط تتراوح أعمارهم بين 25 و35". 

يعمل شبان قليلون في المزارع (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
يعمل شبان قليلون في المزارع (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

ويعتبر عضو منظمة المزارعين محمد رجايبية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن" جاذبية القطاع الزراعي كمهنة تستقطب الشباب، إذ ترتبط بقدرتها على توفير دخل جيد للعاملين فيها، وهذه المردودية ضعيفة حالياً". ويقول: "يسير القطاع الزراعي في تونس نحو الشيخوخة، إذ تتجدد الأجيال فيه بصعوبة كبيرة، علماً أن غالبية المزارعين الشبان الموجودين يمتهنون الفلاحة عن طريق الوراثة. وجلب الشباب إلى المهن الزراعية يحتاج إلى حوافز وتسهيلات مالية لتشجيعهم على مواجهة الصعوبات ومشكلات تقلبات المناخ، كما يجب أن تضع الحكومة استراتيجيات لرفع مردود القطاع، واستقطاب الشبان للعمل فيه".
ويرى أن "الزراعة أصبحت نشاطاً غير مربح بسبب التغيّرات المناخية، لكن أزمة الغذاء العالمية تفرض وضع خطط لتحسين مردود القطاع وتأمين استدامته، وتوسيع دائرة الاهتمام به كي يتحول إلى مهنة تستقطب الشباب من حاملي الشهادات العليا القادرين على تحقيق نقلة نوعية في المهنة".
ويذكر أن" أهم تحدٍ يواجه الشعوب حالياً هو أمنها الغذائي، ما يستدعي توسيع القاعدة الشبابية في القطاع الذي لا يتجاوز نسبة الشبان فيه 5 في المائة".
وتعتبر الفلاحة في تونس ركيزة أساسية في تحقيق التوازن الاجتماعي، إذ تشغل 18 في المائة من اليد العاملة، وتوفر فرص عمل موسمية مهمة، ما يعني أنه يوفّر مداخيل دائمة لنحو نصف مليون فلاح، ما يضمن استقرار سكان المناطق الريفية الذين يمثلون 35 في المائة من مجموع السكان.

وتقول أستاذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية صابرين الجلاصي لـ"العربي الجديد" إن "العقل المجتمعي تسيطر عليه النظرة الدونية للعمل اليدوي عموماً، وبينه النشاط الزراعي، مقابل تعزيز مكانة ممارسي المهن الإدارية والخدماتية، مهما كان صنفها، باعتبارها من مظاهر الوجاهة الاجتماعية، ما يفسر ضعف المشاركة الشبابية في العمل الفلاحي".
وترى أن "الأزمات ستعيد تشكيل العقل المجتمعي الذي أصبح أكثر انفتاحاً على الوظائف اليدوية التي تلاقي طلباً في كل دول العالم"، والدولة مطالبة بمراجعة أخطائها وسياساتها من خلال إقرار خطة كاملة واستراتيجية متكاملة لتحقيق المصالحة بين الشباب والفلاحة، مع إقرار تدابير جديدة لجعل القطاع الفلاحي مربحاً وجذاباً للشبان".

المساهمون