تونس: العنف الأسري إلى تصاعد

30 مايو 2021
تحرّك مناهض للعنف ضد المرأة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

 

تصاعدت وتيرة التنديد بالعنف الذي تتعرّض إليه نساء تونسيات، بالتزامن مع تزايد الجرائم وفظاعتها، خصوصاً في صفوف الزوجات ضحايا العنف الأسري. وأخيراً، عمّ الغضب في أوساط التونسيين، بعدما اهتزّ المجتمع على خلفية جريمتَين بشعتَين. الأولى راحت ضحيّتها زوجة شرطي في الحرس بمحافظة الكاف شمال غربي تونس، إذ أطلق هو النار عليها من مسدّسه المهني فأرداها قتيلة. أمّا في الجريمة الثانية، فقد عمد كهل في مدينة الحمامات بمحافظة نابل شمال شرقي البلاد، إلى دهس زوجته بالسيارة أمام أبنائه محاولاً قتلها مع أفراد من عائلتها بحسب ما أعلنت السلطات المحلية. يُذكر أنّ الإحصاءات الرسمية تفيد بأنّ مستوى العنف ضدّ المرأة تضاعف بمعدّل خمس مرّات في خلال العام الماضي مقارنة مع الأعوام السابقة، فيما سجّلت السلطات تنامياً للعنف في خلال الحجر الصحي الذي فرضته أزمة كورونا.

وقد نشرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أخيراً تقريراً تناول النساء ضحايا العنف، وقد أتت نتائجه "مفزعة" في الأشهر التسعة الممتدة من يناير/ كانون الثاني 2020 إلى سبتمبر/ أيلول منه. وقد سجّلت الجمعية لجوء نحو 850 ضحية عنف إليها، مشيرة إلى أنّ العدد تزايد مقارنة بالعام السابق، ومنتقدة الإجراءات التي اتّخذتها الدولة في خلال الحجر الصحي في ما يتعلق بحماية المرأة من العنف. وذكر تقرير الجمعية نفسه أنّ 57 في المائة من النساء ضحايا العنف هنّ من الفئة العمرية  المتراوحة بين 31 عاماً و60، ونحو 33 في المائة منهنّ من الفئة العمرية المتراوحة بين 18 عاماً و30. أما النساء ضحايا العنف في خلال الحجر الصحي، فإنّ 57 في المائة منهنّ لا يعملنَ في مقابل 17 في المائة من النساء العاملات، من دون تحديد وضع الباقيات. وقد شمل العنف النساء ذوات التحصيل الجامعي العالي، وسط تنامٍ لظاهرة العنف نظراً إلى عدم توفّر إجراءات وقائية لمؤسسات الدولة، بل إنّ الإجراءات التي أقرتها عادت بالضرر على المرأة.

يعيد الخبير في علم الاجتماع حسن موري تصاعد وتيرة العنف داخل الأسر التونسية إلى الوضع الاجتماعي المحتقن، مشيراً بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "من الممكن تفسير تزايد العنف وليس تبريره. فأزمة كورونا والتداعيات النفسية للحجر الصحي الشامل كان لهما أثر في تصاعد الاحتقان الأسري وتحوّل الغضب إلى عنف معنوي وكذلك لفظي ومادي". يضيف موري أنّ "الأرقام المعلنة لا تعكس واقع العنف المسلط على المرأة في الأسرة، إذ إنّ المرأة التونسية بحسب ما تُبيّن دراسات تغضّ الطرف في معظم الأحيان عن العنف اللفظي والمعنوي وحتى العنف الجنسي، ولا تصرّح إلا بالعنف المادي وأحياناً فقط بالإصابات الخطيرة الناجمة عنه، والتي تكشف سلسلة من الاعتداءات ومعاناة النساء والأطفال في محيطهم الأسري".

ويتابع موري أنّ "الإحصاءات الرسمية تؤكد أنّ عدد الشكاوى المتعلقة بالعنف الجسدي واللفظي ضدّ المرأة تَضاعف خمس مرّات في خلال فترة الحجر الصحي الأوّل بين مارس/ آذار 2020 ويونيو/ حزيران منه"، لافتاً إلى أنّ "هذا المنحى التصاعدي ما زال مستمراً بحسب ما ترصده الأجهزة المختصة من المنظمات أو الأمن". ويشدّد موري على أنّ "العنف عموماً والمسلط على النساء خصوصاً، لا بدّ من رفضه ودحضه وعدم قبول التخفيف من خطورته ومحاولات تبريره وإيجاد الأعذار للمتّهمين في قضايا العنف الذي لا مبرّر له".

من جهتها، حذّرت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ من التطبيع مع العنف ضدّ المرأة مستنكرة بشدّة ارتفاع منسوب العنف الأسري القائم على النوع الاجتماعي في تونس في الآونة الأخيرة، لا سيّما في خلال أزمة كورونا وشهر رمضان المنصرم. وجاء في بيان أصدرته على أثر الحادثة التي وصفتها باللاإنسانية التي راحت ضحيتها رفقة الشارني على يد زوجها الشرطي، أنّ "العنف الأسري بصفة خاصة قد بلغ أقصاه وارتقى إلى الصبغة الإجرامية الخطيرة بالإقدام على إزهاق روح بشرية". وشدّدت على ضرورة عدم التسامح مع كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة سواء في المجالات الخاصة أو العامة، مع وجوب التعاطي معه بقطع سياسة الإفلات من العقاب المرتبط بما تتعرّض له المرأة خصوصاً من تهديد بالقول أو الفعل أو الإشارة أو غيرها، وذلك إلى جانب ضرورة التدخل الآني والعاجل في إطار إنفاذ القانون منذ الانتهاك الأوّل الذي يطاولها حتى لا يتحوّل التهديد إلى ممارسة مقبولة يؤدّي تفاقمها إلى نهايات أو نتائج غير محمودة العواقب.

وعبّرت الوزارة عن أملها بأن تكون الحوادث طريقاً ليجد القانون رقم 58 لسنة 2017 مجالاً للتطبيق، علماً أنّه قطع مع الضغط الذي يمكن أن يسلط على النساء للتخلي عن الشكاوى قصد تتبّع المعتدي، وكذلك مجالاً للوصول إلى الغاية من إصداره وهي القضاء على كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة حتى تُحفظ الكرامة الإنسانية لكلّ النساء ويتمّ القضاء على العنف. يُذكر أنّه على الرغم من إقرار تونس ذلك القانون الذي يجرّم العنف ضدّ المرأة في تونس والذي يُعدّ سابقة في المنطقة العربية والأفريقية، فإنّ العنف المسجّل على النساء في تزايد.

وكانت تونس قد قطعت شوطاً في مسار حماية النساء المعنّفات، إذ أنشأت وزارة الداخلية التونسية 130 فرقة متخصصة في هذا المجال منذ عام 2018 ودرّبت المئات من عناصر الشرطة خصيصاً لمهام ذات صلة، من بينهم شرطيات. والتدريب شمل التعامل والتحقيق في حالات وقضايا العنف الأسري وتنفيذ الأوامر القضائية لإبعاد الخطر عن الضحايا وحمايتهنّ من تواصل العنف عليهنّ.

المساهمون