تعدّ تطبيقات ومنصات الدروس الخصوصية ظاهرة جديدة في تونس، غير أن الإقبال عليها يتزايد سنوياً مدفوعاً ببحث الأولياء عن تميّز أبنائهم عبر الحصول على الدعم في أغلب المواد والمستويات التعليمية، خصوصاً أن الدروس الخصوصية تعتبر تقليداً ثابتاً في المنظومة التربوية التونسية رغم كل محاولات كبحها أو تقنينها.
ومع انتشار الوسائط الحديثة والتطبيقات الإلكترونية تحول جزء من "سوق" الدروس الخصوصية نحو الفضاء الرقمي، في حين تغيب الرقابة على المضامين والأسعار.
تقول هدى الذيب إنّ ابنها الذي يستعد لاجتياز امتحان البكالوريا هذا العام يستفيد من دروس الدعم في مواد الرياضيات والفيزياء والإنكليزية عبر منصة إلكترونية تدفع لها اشتراكاً سنوياً يفوق ألفي دينار (625 دولاراً أميركياً)، مشيرة إلى أنّ المشرفين على المنصة يقدمون تسهيلات للأولياء عبر تقسيط الاشتراك، أو الدفع المؤجّل عن طريق الشيكات، إلى جانب تخفيضات على طريقة العروض التجارية. وتؤكد الذيب لـ"العربي الجديد" أنّها اختارت الاشتراك في هذه المنصة بناء على نصائح عدد من الأولياء الذين حصل أبناؤهم على دروس خصوصية في عدد من المواد خلال السنة الماضية، والذين أكدوا لها جدوى هذا الصنف من الدعم التعليمي، موضحة أن "المنصة تسمح لابني بالحصول على تمارين تطبيقية في مختلف الدروس حسب المناهج الرسمية، كما تسمح له بالتواصل مع مدرسين للإجابة عن تساؤلاته، أو مساعدته في حل المسائل، والتلاميذ أصبحوا أكثر تعلّقاً بوسائل التعليم الحديثة، ما يفسّر الإقبال على الدروس الخصوصية عبر المنصات الرقمية، بينما الطرق التقليدية في طريقها إلى الاندثار، وهو ما يتطّلب مواكبة وزارة التربية لهذه التطورات".
وبالتوازي مع منصة الدروس الرقمية توضح أن ابنها سيحصل أيضاً على دروس خصوصية في ذات المواد من مدرسيه في المعهد التعليمي، وذلك بهدف الحصول على معدل جيد في الامتحان الوطني، يسمح له بالالتحاق بأحد شعب الهندسة في الجامعة.
والدروس الخصوصية ينظمها في تونس أمر حكومي صدر في عام 2015، ويشترط تقديم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل الفضاءات التربوية العمومية، وينص الأمر المكوّن من 15 فصلاً، في بابه الرابع، على أنّ "تعاطي نشاط الدروس الخصوصية خارج فضاء المؤسسة التربوية العمومية يعرّض مرتكبه إلى عقوبة تأديبية من الدرجة الثانية، ويمكن أن تسلط على المخالف في صورة العود عقوبة العزل". غير أنّ الأمر الحكومي لم يتطرق إلى الدروس التي تقدم عبر الوسائط أو التطبيقات الرقمية، ما يبقي استعمالها خارج دائرة المراقبة للمضامين والأسعار، وخارج النص على العقوبات.
ويرى الباحث في علم الاجتماع التربوي منذر عافي أن تحويل الدروس الخصوصية نحو الوسائط الحديثة يمكن وضعه في خانة التجديد التربوي والبيداغوجي، وأن هذه الوسائط تشتغل على الانتقال من المحامل الورقية نحو المحامل الرقمية التي يقبل عليها التلاميذ، ويعتبر أنّ "التجديد أمر محمود، غير أنّ صعوبة إخضاع المحتويات التي تدرس عبر الوسائط الرقيمة للتدقيق والمراقبة يمكن أن يشكل خطراً على مكتسبات المتعلمين".
ويفيد عافي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "المضامين الورقية، سواء الخاصة بالكتب المدرسية الرسمية أو الكتب الموازية، تخضع للمراقبة والتدقيق من قبل لجان متخصصة قبل الحصول على تأشيرة تسويقها، بينما الوسائط الرقمية لا تخضع لهذه المراقبة، ويمكن أن تنزلق نحو تقديم محتويات علمية تتضمن أخطاء، أو تتعارض مع المناهج الرسمية. المنصات الرقمية للدروس الخصوصية أقرب إلى منصات تجارية تستفيد من الطلب على دروس الدعم، وينبغي إخضاعها للمراقبة، والحصول على التأشيرات اللازمة من قبل سلطة الإشراف قبل السماح لها بممارسة عملها".
وكشفت دراسة أنجزتها المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، في عام 2017، أن كلفة الدروس الخصوصية في تونس تصل إلى نحو مليار دينار في السنة، مستندة في ذلك إلى دراسة ميدانية أنجزتها أكاديمية حقوق المستهلك التابعة لها حول الظاهرة.
ومع بداية كلّ عام دراسي، يتجدّد الجدل في تونس حول الدروس الخصوصية، فبينما يكرر الأولياء الشكاوى من أعبائها، فإنّ الغالبية يقبلون عليها بكثافة، في حين تجدد وزارة التربية سنوياً التذكير بتدابير ممارسة هذا النشاط وحدوده وفقاً للأمر الحكومي، وتقول إنّ الغاية من هذا التنبيه هو تنظيم الدروس الخصوصية داخل المؤسسات التربوية التي تخضع للرقابة الإدارية، وحماية التلاميذ من الاستغلال، وتجنيبهم تلقي الدروس في أماكن عشوائية، ودفع أولياء الأمور إلى إلحاق أبنائهم بالدروس المنظمة.