لم يستطع أحمد بن سعيد تعليم أبنائه الخمسة، لأن المدرسة تقع في مكان بعيد عن منزله في منطقة ريفية بفرنانة، كذلك لم يملك الإمكانات المادية الكافية، لكونه يعيش من الزراعة وتربية المواشي. هكذا ترك أكبر أبناء أحمد الدراسة في سنّ العاشرة، وعمل في الفلاحة، ثم نسي مع مرور الوقت ما تعلّمه في الصف الأول من الدراسة، وبات لا يستطيع القراءة والكتابة.
يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "لم أُلحق بناتي بالمدرسة أيضاً، بسبب الظروف المادية، ورفضهنّ قطع مسافات طويلة للوصول إلى المدرسة، الذي يتطلب عبور طرقات صعبة في منطقتنا الريفية".
ويرجع تفشي الأمية إلى الأسباب المادية التي تمنع آلاف الأطفال من التوجه إلى المدارس، وتلك المتعلقة بوجود مدارس في أماكن بعيدة عن المساكن بمناطق الأرياف. وأعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية أخيراً أن نسبة الأمية لدى النساء في المناطق الريفية تتجاوز 40 في المائة، و50 في المائة في مناطق غربي تونس.
وعموماً، ترتفع نسب الأمية لدى الشريحة العمرية بين 65 و69 سنة، وقد تصل إلى 86.5 في المائة لمن يتجاوزون سنّ الـ80، لكن الظاهرة شملت الفئة العمرية بين 9 سنوات و25 سنة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الانقطاع المبكر عن الدراسة في المراحل الأولى.
وتؤكد وزارة الشؤون الاجتماعية أنّها تعمل على تطوير قطاع محو الأمية وتعليم الكبار من خلال تكثيف جهود استقطاب الدارسين في مراكز التربية الاجتماعية، الذين ناهز عددهم 27 ألفاً خلال السنة الدراسية الحالية، بزيادة 7 في المائة مقارنة بالسنة الدراسية السابقة، كذلك تنفذ مشاريع لزيادة عدد مراكز التربية الاجتماعية في المناطق، علماً أن عددها 965 في السنة الدراسية الحالية، بعدما كانت 897 خلال السنة الدراسية السابقة.
وبادرت الوزارة إلى تسوية الأوضاع المهنية لجميع المدرسين المتقاعدين من أجل تدريس الكبار في السن، وأولئك الذين لم يسبق لهم أن التحقوا بمدارس في حياتهم، وطوّرت المناهج التعليمية الخاصة بمحو الأمية عبر ربطها بالهواتف الخلوية والكمبيوترات من أجل إثراء المحتويات التعلمية.
وأعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية في عام 2020، أنّ نسبة الأمية ارتفعت بعد عام 2013 نتيجة تقليص الموازنة المخصصة لتعليم الكبار، وتشير الوزارة إلى أنّ تقليص الأمية يتطلب وضع خريطة توضح توزعها الجغرافي، وإعداد سجل وطني للأميين على غرار السجل الوطني للفقر بالتنسيق مع المعهد الوطني للإحصاء، وتكشف أنها ستنشئ منظومة معلوماتية تعتبر الأولى من نوعها في أفريقيا لجمع المعطيات والإحصاءات لتسيير عمل كل العاملين في منظومة تعليم الكبار من إداريين ومدرسين من أجل متابعة المهمات اليومية التي تشمل تسجيل الدارسين وتدوين حضورهم، وتحديد جداول أوقات المدرسين وغيرها.
وتساهم بعض الجمعيات والمنظمات في القضاء على الأمية من خلال تنفيذ حملات توعية، خصوصاً في المناطق الداخلية والقرى والأرياف بهدف تشجيع العائلات على تعليم أبنائها، ورفض تسرّبهم من المدارس في سنّ مبكرة، وأيضاً تشجيع كبار السّن على الالتحاق بحصص التعليم المخصصة لهم.
ويُخبر الناشط المدني محمد الجامعي، "العربي الجديد"، أنّه انتقل مع عدد من المتطوعين إلى مناطق ريفية عدة خلال عملهم مع جمعيات، واستغلوا هذه الزيارات لتوعية العائلات على ضرورة تعليم أبنائهم الذين تركوا الدراسة خلال مرحلة التعليم الابتدائي، وكبار السّن بأهمية تعلّم الكتابة والقراءة. ويقول: "لاحظنا غياب مراكز تعليم الكبار في مناطق عدة، ما يعوق مسألة القضاء على الأمية".
ويقول السبعيني صالح عمران لـ"العربي الجديد": "لم ألتحق على غرار جميع أشقائي بالمدارس، ولا أعرف القراءة والكتابة، وأستعين بأقاربي لمساعدتي في تنفيذ الإجراءات الإدارية. في السابق، لم نكن نستطيع إنجاز أي ورقة إدارية، أما اليوم فبتنا مجبرين على التعامل مع الأجهزة الإلكترونية في المصارف ومكاتب البريد، ولم أفكر في الالتحاق بأي مركز لتعليم الكبار، لأنني أعتقد أن الأمر لن ينفع بسبب تقدمي في السّن".
ويقول الناشط محمد الجامعي لـ"العربي الجديد": "لم يعد برنامج تعليم الكبار يتطلب فقط تعليم القراءة والكتابة باستخدام الوسائل القديمة، فمع التطور التكنولوجي، بات من الضروري تعليم الكبار كيفية التعامل مع الهواتف الذكية والأجهزة الالكترونية التي توجد في مكاتب وفضاءات عمومية على غرار فروع البريد والصناديق الاجتماعية والمصارف، كما يجب توعية الجميع بشأن كيفية التعامل مع الإجراءات الإدارية، خصوصاً أنّ آلاف الأميين هم من صغار السّن، ويتعاملون باستمرار مع الإدارات العمومية".