تشهد رياض الأطفال التونسية تراجعاً في عدد الأطفال المسجلين للعام الدراسي الجديد، وسط قلق من تأثيرات الأزمة الاقتصادية على حقوق الأطفال في التعلّم المبكر، وتوسع ظاهرة عدم تكافئ الفرص بين الأطفال بسبب تباين الشرائح الاجتماعية لعائلاتهم.
وتبدأ رياض الأطفال مرحلة التسجيل عادة خلال الفترة من يونيو/ حزيران إلى سبتمبر/أيلول من كل عام، غير أن ذروة التسجيل تكون في شهر أغسطس/آب، لكن الكثير منها أبدت مخاوف كبيرة من تقلص الإقبال عليها. وقدرت "غرفة رياض الأطفال" النقص الحاصل في التسجيل بنحو 50 في المائة، ما قد يؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، فضلاً عن حرمان فئات واسعة من الأطفال من حق اكتساب المعارف في مرحلة ما قبل الدراسة.
تقول رئيسة غرفة رياض الأطفال، نبيهة كمون، إن "موسم التسجيل للعام الدراسي الجديد يعرف إقبالاً ضعيفاً جداً، والنقص المسجل يشمل كل محافظات البلاد، بما في ذلك المدن الكبرى". وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الأسر منهكة مالياً، وأصبحت تؤخر تسجيل أبنائها في مرحلة ما قبل الدراسة لإعطاء الأولوية للأطفال في سن الدراسة الإجبارية. هناك عدة عوامل تؤثر على نشاط القطاع، أهمها تراجع مداخيل الأسر نتيجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى انخفاض عدد الأطفال في تونس الناجم عن تراجع نسب الخصوبة، فضلاً عن بروز عامل جديد هو هجرة الكثير من الأسر. في التسجيل للعام الجديد، فقدت المؤسسة التي أديرها 10 أطفال كانوا مسجلين في السنوات الماضية بعد أن قررت أسرهم الهجرة إلى الخارج".
وتفيد الإحصائيات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي، بأن نسبة الخصوبة واصلت الانخفاض خلال السنوات الأخيرة، وصولاً إلى 1.8 طفل في سنة 2021، مقارنة مع 2.4 طفل في عام 2013، وتعد المباعدة بين الولادات، وتأخر سن الزواج من بين أبرز المؤشرات في هذا السياق.
ويظل أطفال تونس مهددون بالتسرب المدرسي الناتج عن الفقر على الرغم من تعدد التشريعات التي تضمن حقوقهم في التعلم، ولا يزال واقع الطفولة بعيداً عن ما تستهدفه السلطات التونسية، وعن ما ترسمه المنظمات الحقوقية من أطر تضمن مستقبلاً يكرس تعزيز كرامة الطفل ويحفظ حقوقه الأساسية.
وكشف تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، عن وجود فوارق اجتماعية ومعرفية حادة بين الأطفال في تونس، وأنها ناجمة عن "عدم تحقيق الأهداف المرسومة في خطط التنمية المستدامة، والتي تشمل مقاومة الفقر، ودعم الصحة والتعليم وغيرها من المجالات الحياتية". ويبيّن التقرير الذي يحمل عنوان "تحليل وضعية الأطفال في تونس"، أن "ما يزيد عن خمس أطفال البلاد يعانون من تبعات الفقر في دولة تجاوز منسوب الفقر العام فيها 15 في المائة".
وتنقسم مرحلة إيواء الأطفال في مؤسسات ما قبل الدراسة الإجبارية إلى ثلاث مراحل، وهي محاضن الرضع، ثم فترة ما بين 3 إلى 5 سنوات، والمرحلة التحضيرية لما قبل الدراسة، وهي مراحل يكون فيه تعليم الأطفال اختيارياً على عكس مرحلة التعليم الأساسي التي يكون فيها الالتحاق بالمدارس وجوبياً.
وأعلنت وزارة شؤون المرأة والأسرة وكبار السن، مؤخراً، إتاحة التحقق من كون رياض الأطفال منشأة طبقاً للصيغ القانونية المعمول بها، وأفادت في بيان، بأن "المنظومة المعلوماتية ستمكن الأولياء من التأكد من قانونيّة رياض الأطفال، وتجنب تسجيل أبنائهم بالفضاءات الفوضوية للطفولة المقامة على خلاف الصيغ القانونية".
وتعمل الوزارة على ضمان حق التكافؤ في تعليم مبكر جيد لأبناء العائلات الفقيرة والمعوزة عبر زيادة الدعم الحكومي لأبناء الفئات الاجتماعية الهشة، وخصصت الحكومة منذ العام الماضي، اعتمادات إضافية في الموازنة من أجل دفع الرسوم عن الأسر التي لا تملك القدرة المالية للدفع، تضمنت زيادة في اعتمادات البرنامج الخاص الموجه لفائدة أبناء الأسر المعوزة، والذين تدرس اللجان الجهوية أوضاعهم، وتحدد على ضوء الملفات المقدمة أيها أحق بالمساعدة.
وجرى في الموازنة الجديدة زيادة عدد الأطفال المنتفعين بمجانية التعليم في رياض الأطفال الخاصة من 10 آلاف إلى 15 ألفاً، على أن تتولى الوزارة دفع الرسوم للمؤسسات، بما قيمته 6.5 ملايين دينار، بهدف ضمان حق أطفال الفئات الفقيرة في تكافؤ الفرص، والحصول على التهيئة اللازمة لمرحلة الدراسة مثل غيرهم من أبناء العائلات الميسورة، فضلاً عن الحد من اللجوء إلى رياض الأطفال العشوائية التي تُكافح عبر حملات مراقبة تقوم بإغلاق الرياض التي لا تلتزم الشروط القانونية.