في أي حافلة تونسية، كما في عربات المترو أو القطار، عليك أن تمسك بحقيبة يدك جيداً أو تضمها إلى صدرك منذ انطلاق الرحلة حتى نهايتها، خصوصاً خلال محاولة الصعود إلى وسيلة النقل، وإلا فقد تنزل منها من دون محتويات الحقيبة، أو من دون الحقيبة ذاتها.
تقول التونسية عائشة عامري: "هذا الوضع تعودنا عليه منذ سنوات بسبب ارتفاع وتيرة السرقات داخل وسائل النقل العمومي بجميع أصنافه، خصوصاً في الحافلات. في كل محطة هناك أفراد بتنا نحفظ وجوههم، يتواجدون يومياً، ولا سيما في أوقات الذروة، لترصد فريسة لا تتقن الحفاظ على مقتنياتها، سواء في المحطة أو داخل وسيلة النقل، ومن أبرز هؤلاء الوافدون الجدد على العاصمة، سواء الطلبة أو الباحثون عن عمل".
تضيف عامري: "ما يثير الغرابة أنّ بعض النشالين باتوا معروفين لدى أغلب ركاب وسائل النقل العمومي، وهم يعملون في مجموعات تتكون من ثلاثة أشخاص أو أكثر، ولديهم حيل خاصة في النشل، وقدرة على الهرب سريعاً، حتى إن كانت العربة تسير".
ويؤرق كابوس السرقات في وسائل النقل العمومي المواطنين طوال السنة، وتتفاقم الظاهرة خلال فصل الصيف بسبب الاكتظاظ الكبير، وندرة الأمن، علماً أن أغلب السرقات ترتكب في العاصمة في مختلف المناطق والمحطات، وفي سائر الأوقات، وضحاياها بالأساس طلبة وعمال وموظفون، وخصوصاً النساء وكبار السن.
تنفذ عمليات السرقة أحياناً بشكل فردي، أو عبر مجموعات تتقاسم المهام في ما بينها، فأحدهم يرصد الفريسة السهلة، والآخر يقوم بسرقتها، فيما يقوم آخر، أو آخرون، بتسهيل مهمة الهروب عبر فتح باب الحافلة أو عربة المترو، أو إلهاء الآخرين في حال تفطن أحد الركاب للأمر، وفي معظم الأحيان لا يمكن لأحد التدخل مخافة التعرض للاعتداء.
وبينما تكثر السرقة في أنحاء العاصمة، فإن محطات المترو باتت تشكل كابوساً للمسافرين أو المتوجهين إلى العمل أو الدراسة، والجميع ليس لديهم من حل سوى الحذر. وبات العديد من المواطنين يوثقون بعض عمليات السرقة عبر الصور ومقاطع الفيديو بالهواتف الجوالة، ويقومون بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. في حين يقوم البعض بنشر صور من يقومون بالسرقة لتنبيه الناس من هؤلاء هم الذين يوجدون في عدة نقاط أو محطات، خصوصاً المحطات الكبرى، والذين ينشلون الهواتف وحقائب النسوة، أو ينفذون عمليات سطو مسلح على المارّة لسلب ما لديهم من مال، أو أي شيء له قيمة، ولا سيما خلال الرحلات المسائية.
يقول الموظف خير الدين شواشي إنه يعيش في منطقة ابن خلدون بالعاصمة، وإنه يتنقل يومياً عبر عربات المترو إلى العمل، ولا يكاد يخلو يوم من دون سماع صراخ فتاة أو امرأة تعرضت للسرقة، فأغلب ضحايا النشالين هم من النسوة وكبار السن، وعلى الرّغم من الشكاوى الدائمة، إلا أن حضور عناصر الشرطة داخل المحطات منعدم، ولا توجد سوى في بعض الأوقات التي تبحث فيها عن عنصر تفتش عنه.
ويضيف خير الدين: "لا يسلم كثيرون من النشالين، حتى الرجال، فلهم حيل وأساليب في السرقة من دون أن يتفطن لهم أحد، ولطالما طالب الناس بضرورة توفير عناصر شرطة داخل المحطات ووسائل النقل. لكن حتى توفر ذلك لن ينهي مشكلة السرقة داخل وسائل النقل العمومي بسبب الاكتظاظ الشديد الذي زادت حدته خلال السنوات الأخيرة بسبب نقص أسطول النقل".
وأرست شركة النقل قبل خمسة أعوام منظومة أمنية تساند أعوان الشركة وتدعمهم في كلّ المحطات، وحسب بيانات رسمية، فقد تم منذ عام 2016 تدريب أكثر من 70 عوناً حول السلامة الأمنية بالتعاون مع وزارة الداخلية، وتمّ توزيعهم على مختلف النقاط، ولا سيّما في أوقات الذروة، كما استحدثت وزارة النقل برامج للتدخل من خلال التعاون مع مختلف مصالح وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية، مع إمكانية التواصل المباشر مع قاعة العمليات التابعة لوزارة الداخليّة لضمان التدخّل السريع للدوريات الأمنية في حال حصول إشكالات في داخل المحطات أو في إحدى وسائل النقل.
وكثيراً ما تعلن وزارة الداخلية عن تمكن أعوان تأمين النقل العمومي من القبض على مفتش عنه في إحدى محطات النقل، أو القبض على شخص بصدد السرقة في إحدى وسائل النقل، وتتكثف تلك العمليات خصوصاً خلال أوقات الذروة التي تشهد فيها وسائل النقل بجميع أنواعها اكتظاظاً كبيراً، كما يتوزعون خلال فصل الصيف لتأمين المحطات طوال اليوم.
وتشير الطالبة رفقة إلى أنّ "عربات المترو تقل في الرحلة الواحدة قرابة 300 شخص، ولا يوجد سوى عنصر أو عنصرين من الشرطة يتنقلون بين عربات المترو، ومع ذلك تحصل عمليات النشل يومياً، خصوصاً عند محاولة الصعود، وهم ينشلون الركاب ويلوذون بالفرار سريعاً. هذه مشكلة تعوّدنا عليها، ولا يمكن حلها بعدد قليل من الأعوان، بل يجب دعم محطات النقل بكاميرات مراقبة".