تونسيون مرحّلون من إيطاليا: سافرنا بحراً خلسة وعدنا جواً بحماية أمنية

04 ديسمبر 2021
يتهيّأون للترحيل (روبرتو بيتسولي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

"على صخرة مركز كاتانيا 7 في إيطاليا تكسّرت أحلامي بعدما وقّعت على وثائق ترحيلي إلى تونس". بطريقة شاعرية يصف الشاب التونسي سمير رواشد البالغ من العمر 28 عاماً خيبته، مضيفاً "أُرغمت بعدها على صعود الطائرة التي حطّت في مساء شتوي بمطار قصيّ بمدينة طبرقة (شمال غرب)". ويسرد رواشد لـ"العربي الجديد" تفاصيل نهاية رحلة أمل قصيرة بدأت ببلوغه السواحل الإيطالية في رحلة غير نظامية، انتهت بنقله إلى مركز "كاتانيا 7" للترحيل.

لم تدم إقامة الشاب العشريني على الأراضي الإيطالية إلا ثلاثة أسابيع، فهو كان قد خاض البحر في هجرة سرية في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ليعود إلى "الوطن" في الـ29 من الشهر ذاته عبر رحلة جوية تحت حراسة أمنية. ويقول "دفعت مقابل الحلم الذي لم يكتمل ستة آلاف دينار تونسي (نحو 2100 دولار أميركي) لوسيط الهجرة، الذي أمّن لي مكاناً على متن قارب انطلق من سواحل مدينة صفاقس (وسط) إلى جانب 82 شاباً يجمعنا حلم الانطلاق نحو حياة أفضل". ويلفت رواشد إلى أنّه اشتغل فترات طويلة في البناء والزراعة لجمع تكاليف رحلة الهجرة السرية تلك.

ويؤكد رواشد: "كما الآلاف من أبناء جيلي في مدينة بئر علي بن خليفة (جنوب شرق)، أرى أنّ السفر إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط هو الطريقة الوحيدة للإفلات من كمّاشة البطالة التي تطبق على الشباب هنا، بعدما أوصدت سلطات بلادي كلّ أبواب التوظيف أمامنا". ولا يخفي رواشد أنّ "الأمل الذي لاح مع وصول القارب إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية سرعان ما تحوّل إلى كابوس بعد عملية انتقائية خضع إليها المهاجرون الواصلون. فقد فُصلنا نحن، المهاجرين التونسيين، عن الواصلين من جنسيات أخرى، وأُخضعنا إلى حجر صحي إلزامي على متن مركب قبل نقلنا إلى سجن كاتانيا 7 المخصص للترحيل".

ويتابع رواشد أنّ "معاملة المهاجرين كانت لاإنسانية في كاتانيا 7، فقد حُرمنا من أدنى الحقوق التي تنصّ عليها الاتفاقيات الدولية للهجرة، كذلك أُجبرنا على توقيع وثائق لم نطلع على محتواها، قبل أن يتمّ اقتيادنا إلى مطار باليرمو مقيّدي الأيدي تحت حراسة أمنية مشددة، ووجهتنا مطار طبرقة". بالنسبة إلى رواشد "نزلت بأرض وطن لفظني، وعدت إليه مكرهاً على شكل جثّة بلا روح بعدما تحطّمت أحلامي وأحلام عائلتي بحياة أفضل". لكنّه لا ينكر أنّه ينوي "معاودة الكرّة مرّة رابعة، بعد ثلاث رحلات هجرة فاشلة تكبّدت خلالها خسارة مالية بقيمة 21 ألف دينار (نحو 7300 دولار) وخسارة معنوية لا تقدّر بثمن".

وكانت منظمات مدنية قد كشفت عن وثيقة اتفاق موقّعة ما بين تونس وإيطاليا في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تقضي بحصول تونس على تمويل بقيمة 30 مليون يورو (نحو 34 مليون دولار) ما بين 2021 و2023، لتحسين جاهزيتها لحراسة الحدود البحرية والتصدّي لقوارب الهجرة غير النظامية التي تتدفّق نحو السواحل الإيطالية. وفي هذا الإطار، يشير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أنّ الاتفاقات السرية التي تبرمها تونس مع دول أوروبية تعطي الأخيرة ضوءاً أخضر لترحيل المهاجرين التونسيين قسراً، في مخالفة واضحة لقوانين الهجرة الدولية. ويحمّل الشبّان المرحّلون من إيطاليا السلطات التونسية مسؤولية إعادتهم قسراً، مؤكّدين أنّ السلطات الإيطالية تعلمهم بأنّ قرار الترحيل يتمّ بموافقة الحكومة التونسية.

من جهته، يقول الشاب التونسي أيمن القلوي، البالغ من العمر 27 عاماً، إنّ "سلطات بلادنا تطارد الشباب المهاجرين برّاً وبحراً وجوّا وتحرمهم من أحلامهم حتى خارج حدود الوطن، بسبب تعاونها مع السلطات الإيطالية والاتفاق معها سراً لترحيل الواصلين إلى سواحلها". ويوضح القلوي المرحّل حديثاً من إيطاليا، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المهاجرين التونسيين يطارَدون في الدول الأوروبية بموافقة سلطات بلادهم التي تسمح للسلطات الأوروبية بإعادتهم قسراً". يضيف القلوي أنّ "المهاجرين التونسيين يخضعون لعملية انتقائية بترحيلهم مباشرة بعد الخضوع للحجر الصحي، في حين يُسمح لمهاجرين من جنسيات أخرى البقاء في مراكز التوقيف في انتظار تسوية أوضاعهم والانطلاق نحو أفق أرحب". بالنسبة إلى القلوي فإنّ "ترحيل المهاجرين التونسيين يتمّ بمباركة الدولة التي تغلق أمامهم كلّ الآفاق في الداخل والخارج"، ويؤكد "لن أتوقّف عن المحاولة، فأنا مستعد لركوب البحر مجدداً في رحلة غير نظامية تنتظر ساعة الصفر للانطلاق نحو إيطاليا".

وقد كشفت بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية الإيطالية أنّ 15 ألفاً و52 مهاجراً تونسياً وصلوا إلى سواحلها في الفترة الممتدة ما بين يناير/ كانون الثاني و26 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري، كذلك وصل حتى أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه 1615 قاصراً من دون مرافق تتراوح أعمارهم ما بين 13 و17 عاماً.

ويرى المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أنّ "تونس تقدّم لإيطاليا كلّ التسهيلات في عمليات الترحيل القسري"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "الدبلوماسية التونسية لا تؤدّي واجبها في حماية التونسيين الواصلين إلى إيطاليا". ويصف بن عمر سياسة السلطات التونسية المتعلقة بملف الهجرة بأنّها "مثال سيّئ في المنطقة"، مشيراً إلى أنّ "الفرصة سنحت لفرنسا وإيطاليا، بعد 25 يوليو/ تموز، بتمرير ما لم تستطيعا تمريره من قبل في ما يتعلق بالترحيل القسري ومراقبة المهاجرين". ويشير إلى أنّ "دول الاتحاد الأوروبي ترحّل سنويا نحو ستة آلاف مهاجر غير نظامي إلى تونس".

المساهمون