لم يعد الكثير من التونسيين قادرين على العمل ليلاً، كما اعتادوا، بسبب استمرار حظر التجول في سياق الإجراءات الوقائية التي فرضتها البلاد نتيجة تفشي فيروس كورونا. بعض هؤلاء صاروا يبحثون عن أعمال أخرى ليتمكنوا من إعالة عائلاتهم. آخرون صاروا يعملون ساعات أقل، وهناك من قبل بنصف راتب، في حين ما زال كثيرون يعانون من البطالة بعدما قلّص تفشي فيروس كورونا من حظوظهم في استعادة أعمالهم السابقة، أو في العثور على أي عمل جديد يبعد عنهم شبح البطالة.
في حي شعبي في الياسمينات في المدينة الجديدة في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، ورغم الأمطار وإنخفاض درجات الحرارة، كان الأربعيني فتحي يرتّب الخضار ويداه تكادان تتجمدان من شدة البرد. مع ذلك، هو مضطر لمواصلة العمل. يقول لـ "العربي الجديد" إنه فقد عمله كنادل في مقهى، وكان يتقاسم وشخصا آخر العمل ليلاً. لكن بسبب حظر التجول، باتت المقاهي تقفل أبوابها عند الساعة السابعة مساء، الأمر الذي دفع صاحب العمل إلى الاستعانة بهم بحسب متطلبات العمل، ما يعني أنه قد يعمل اليوم، ويرتاح في اليوم التالي. بالتالي، تقلصت أجرته إلى النصف، ليتقاضى 20 ديناراً (نحو سبعة دولارات) في اليوم الذي يعمل فيه. ويقول إنه لم يعد في استطاعته، من خلال هذا المبلغ الزهيد، تأمين بدل الإيجار وإعالة أسرته وتعليم أطفاله.
يؤكّد فتحي أنّ الوضع الحالي دفعه إلى التخلي عن عمله في المقهى، والبحث عن مصدر آخر يكسب منه لقمة العيش، فكان المجال الوحيد بالنسبة إليه هو بيع الخضار عله يتمكن بواسطته من تأمين قوته، وقوت عائلته، موضحاً أن أحداً من المسؤولين لا يهتم بالفئات الكادحة وخصوصاً العمال الذين يعملون ليلاً، وكل من فقدوا أعمالهم، وبالتالي وجد نفسه بين خيارين؛ إما الاستسلام للبطالة، أو السعي إلى تدبّر مصاريف عائلته، مشيراً إلى أن العمل في بيع الخضار شهد تراجعاً كبيراً، ولم يعد هناك إقبال من قبل المواطنين. بالكاد يبيع بعض المنتجات ليؤمن مصاريف عائلته.
ويروي فتحي كيف أنه لا يمكنه التوجه إلى سوق الجملة ليلاً للتزود بالخضار بسبب حظر التجول ليلاً، والذي ينتهى نحو السادسة صباحاً. وبالتالي، يضطر إلى الانتظار والذهاب صباحاً، محاولاً العثور على ما تيسر من منتجات، والتزود بحاجياته بحسب الإمكانات والتمويل.
وليس بعيداً عن فتحي، كان الشاب الثلاثيني، محمد علي، يتأمل المارة بعدما وقف في واجهة المطعم الذي يعمل به، تارة يراقب عابري السبيل وتارة يمني نفسه بقدوم البعض الذين يبددون ساعات الانتظار الطويلة. فالكساد يكاد يخيم على المكان، قائلاً إنه كان يعمل في المطعم نفسه ليلاً حتى الثانية صباحاً. لكن بسبب حظر التجول ليلاً، فقد تخلى صاحب المطعم عن معظم العمال، مضيفاً أنه اضطر إلى العمل نهاراً حتى الساعة السابعة مساء على أبعد تقدير.
ويؤكد الشاب التونسي أنّ الوضع صعب، وجائحة كورونا ألقت بظلالها على العديد من المهن، وخصوصاً الصغرى منها. ففي السابق، كانت الشوارع مكتظة والمحلات مفتوحة كأكشاك الفاكهة الجافة، والمطاعم، ومحلات المواد الغذائية، ولكن كورونا أفقد كثيرين أعمالهم، مشيراً إلى أن العديد من أصدقائه فقدوا عملهم وهم قابعون في بيوتهم، بلا عمل، ومن دون أي أمل في كسب قوتهم. ويوضح أنه محظوظ مقارنة مع غيره من العمال لأنه تمكن من العمل نهاراً. صحيح أن ساعات العمل أقل والراتب انخفض إلى نحو النصف، ولكنهم مجبرون على العمل وتأمين قوت عائلاتهم.
ولم تخفِ العشرينيّة سناء مخاوفها من استمرار الوضع لفترة أطول، فهي عاطلة من العمل منذ بدء حظر التجول ليلاً، أي منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هي التي كانت تعمل في مقهى ليلاً. لكن بسبب التدابير الصحية التي فرضتها جائحة كورونا، فقد طرد نصف العمال. ولسوء حظها، فقد كانت من بينهم، مشيرة إلى أنها وجدت نفسها من دون راتب ومن دون عمل. تضيف أنها لم تعد قادرة على تأمين أبسط احتياجاتها وقد تؤجل حفل زفافها الذي كان مقرراً في فصل الربيع لأنها لن تتمكن من إكمال ما ينقصها من تجهيزات.
وتُعرب سناء عن استيائها بسبب غياب دعم الفئات الهشة، فكل من فقد عمله وجد نفسه يواجه مصيراً مجهولاً بمفرده، من بينهم من لديه أطفال في المدارس، أو الذي يهتم بأهله. وهناك طلاب كانوا يؤمنون مصاريف دراستهم من خلال العمل في المطاعم والمقاهي ليلاً، لكن جميع هؤلاء باتوا عاطلين من العمل.
ويلفت الأربعيني محمد علي إلى أن الوضع صعب والأزمة تلقي بظلالها على العديد من العائلات. فلا يكفي أنه فقد عمله في فندق سياحي في جهة الحمامات بسبب تراجع الإقبال والوضع الراهن ليلاً، بل إن زوجته خسرت عملها أيضاً. ويقول إن لديه طفلين، وقد اضطرّ إلى العمل في مجال البناء. أما زوجته، فهي في صدد تعليم بعض أطفال الحي، بهدف تأمين المصاريف اليومية الأساسية ودفع بدل الإيجار. ويوضح أن المعيشة باتت أصعب في ظل ارتفاع الأسعار وغلاء المواد الأساسية، وقد زادت جائحة كورونا من ثقل الأعباء الملقاة على الطبقات المتوسطة والمهمشة. فكيف هو الحال بمن يفقد عمله؟