رغم اندثار مهن قديمة وصناعات تقليدية عدة لم تعد الأجيال الحالية تهتم بها أو تحذقها، تحاول تونسيات إحياءها والمحافظة عليها وتطويرها لتستجيب لمقتضيات العصر، ولكي تلقى الرواج المطلوب.
في محافظة جندوبة، شمال غربي تونس، وأمام أثار مدينة "بلاريجيا" التي تعد من أقدم المدن التونسية، وببادرة من وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية ولإعادة الروح إلى الموروث الثقافي، قدمت نساء من مناطق عديدة بلباسهن التقليدي ليعرضن مفروشات كالزرابي التقليدية والمرقوم (نسيج من الصوف يستعمل سجاداً)، بعد أن حذقن هذه الحرفة وتعلمنها عن الأمهات والأجداد، إلى جانب اللباس المطرز باليد بألوان مستوحاة من الطبيعة.
وتحرص صانعة الزرابي والمرقوم، مهنية الخزني، على إبقاء التفاصيل القديمة كالرسوم في المرقوم التونسي، مشيرة لـ "العربي الجديد" إلى عودة مثل هذه المنتجات للأسواق وتزايد الطلب عليها، وهو ما يجعلها تسعى لتكوين فتيات في هذا المجال لكي لا تندثر هذه الصناعات، ومبينة أن الاتحاد الوطني للمرأة يسعى إلى توفير الفضاء المناسب لهن وإشراكهن في مختلف المناسبات للتعريف بمنتجاتهن.
وتقول مهنية، التي تصنع مواد تزويق بخيوط الحلفاء والصبار، إن شغفها بالصناعات التقليدية قادها إلى هذا المجال، فطورت منتجاتها لتشمل عدة تحف فنية وأدوات زينة بروح عصرية، مؤكدة أن الإقبال في البداية كان محدوداً، ولكن بحكم موهبتها في تطوير ما تصنعه أصبح هناك إقبال، بالإضافة إلى استثمار المعارض للتعريف بهذه الصناعات.
وتؤكد حائكة اللباس التقليدي كالبرنس والقفطان والملية، عائشة عزيزي، أن طريقة الحياكة تكون باليد، وعن طريق ما يعرف قديما بالسداية، وهي وسيلة تقليدية قديمة تكاد تتلاشى، مضيفة أن الألوان التي تحرص عليها مستخرجة من مواد طبيعية كالسواك المغلي، الذي تضاف إليه الحناء للحصول على اللون المطلوب.
وأضافت لـ"العربي الجديد" أنها تعلمت هذه الحرفة من والدتها، وبحكم كونها خياطة وتبتكر تصاميم فقد مزجت بين الابتكاري والتقليدي، وبالموازاة مع الحفاظ على أصالة هذه المهنة، أكدت هذه الصانعة التقليدية أن التجديد مطلوب من خلال المزج بين التراث والمعاصرة.
ولفتت إلى أن هناك إشكاليات في إيجاد المواد الأولية، حيث تضطر أحياناً للانتقال إلى جنوب البلاد، وكذلك في النسيج، لأنه سابقاً كانت النساء ينسجن في بيوتهن، ولكن هذا الأمر تقلص ويكاد يتلاشى.
من جهتها، تعتمد إحدى صانعات الحقائب والسلات التقليدية، وتدعى فاطمة، على السعف والحرير والأقمشة التقليدية في صنع حقائب ومحفظات عصرية بلمسة تقليدية، مؤكدة أن حب هذه الحرفة والهواية قادها إلى هذا المجال، مؤكدة أن الناس بدأت تعود للمنتجات التقليدية وتقتنيها، حيث إن هناك طلباً متزايداً على هذه الصناعات. وأضافت أنها تحرص على وضع موروثات خاصة بمحافظتها في مختلف منتجاتها، مبينة أن "المحافظة على التقاليد أمر مهم، إذ تبقى مختلف هذه الصناعات أمراً مميزاً ومختلفاً عما يسوّق".
بدورها، تسعى دلندة الشارني إلى عرض البهارات الطبيعية التي كانت الجدات يعتمدن عليها في البيوت، خصوصاً مع قرب حلول رمضان الذي يشهد إقبالاً كبيراً على البهارات والتوابل والمنتجات المعدة في البيت كالقمح والشعير والبرغل والبسيسة والمحمص والدرع، خاصة المنتجات الصحية البيولوجية. كما تحدثت الشارني عن "عودة للطبيعة وللأشياء التي لا توجد فيها مواد كيميائية"، مشيرة إلى أنها تزرع مختلف منتجاتها في أرضها، دون استعمال مبيدات ما يجعلها آمنة.
وتابعت أن بعض المطاعم تقبل على منتجاتها، وأن شبكات التواصل الاجتماعي سهلت عمليات التسويق، حيث يجري التعريف بمختلف المواد وإيصالها للمستهلك.