رغم إغلاق السلطات العراقية نحو 50 مخيماً للنازحين، فإنّ نحو مليون مهجّر ما زالوا غير قادرين على العودة إلى ديارهم. ومعظم هؤلاء من بلدات تسيطر عليها مليشيات مسلحة منذ سنوات تمنع أهلها من الرجوع إليها تحت ذرائع مختلفة، وهو ما يجعل النازحين أمام مستقبل مجهول، لا سيما أنّ ثمّة مخيمات لم تغلق حتى الآن وتبدو أنّها خارج حسابات السلطات في البلاد، من بينها "مخيم بزيبز" جنوبي الفلوجة في محافظة الأنبار غربي العراق، وتسكنه نحو ألفَي أسرة معظمها من أهالي بلدة جرف الصخر في محافظة بابل وسط البلاد. ويصف مراقبون وناشطون المخيم بأنّه منسيّ، فيما تفيد مصادر سياسية بأنّ النازحين باتوا يفكّرون جدياً باستبدال الخيم بمنازل بسيطة.
ويؤكد نازحون في "مخيم بزيبز" لـ"العربي الجديد" أنّ الإهمال الكبير الذي يتعرّضون له، وتراجع الخدمات، وتعاظم الفقر، وتفسّخ الخيام التي مضى على استخدامها سنوات، فضلاً عن موجات الحرّ والبرد، دفع بعضهم إلى بناء غرف بطرق بدائية وتأسيس منازل صغيرة لحمايتهم من البرد والأمراض. ويبدو ذلك بحسب هؤلاء "بداية لاستقرار قسري أكثر رسوخاً في المنطقة".
يقول رعد الجنابي وهو نازح من أهالي بلدة جرف الصخر لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمانية أعوام تقريباً مضت على لجوء نازحي مخيم بزيبز إليه. هم وصلوا إلى المنطقة في عام 2014، لكنّ جهات سياسية وأخرى مسلحة تمنع اليوم عودة الأهالي إلى مناطقهم الأصلية". ويشير الجنابي إلى أنّ "أوضاع المخيم سيئة جداً في غياب الدعم، والزيارة الأخيرة التي قام بها وفد حكومي للمخيم كانت في عام 2018". يضيف الجنابي أنّ "الخيام جميعها استُهلكت وباتت ممزّقة بسبب الأحوال الجوية. وثمّة خيام لم تُستبدل منذ خمسة أعوام، مع العلم أنّها مخصصة للاستخدام عاماً واحداً. كلّ ذلك دفع العراقيين النازحين إلى بناء غرف بسيطة من أجل حماية الأطفال والنساء من البرد الشديد". ويتابع الجنابي أنّ ثمّة نازحين باتوا يعتقدون أنّ أزمتهم لن تُحلّ في ظل وجود الفصائل المسلحة المناطق المحررة من تنظيم داعش، بالتالي يفكّرون بالاستقرار في المخيم بعد بناء المنازل واطئة الكلفة".
بالنسبة إلى الناشط العراقي محمود النجار لـ"العربي الجديد"، فإنّ "النازحين في مخيم بزيبز يعيشون ظروفاً قاسية، يفتقرون نتيجتها إلى الغذاء والدواء وحليب الأطفال بالإضافة إلى وسائل التدفئة". ويتحدّث النجار عن "انتشار للأمراض بين النساء والأطفال، وعن فقر كبير، وغياب تام لفرص العمل، وارتفاع في معدّلات زواج القاصرات، بالإضافة إلى الشعور الدائم لدى النازحين بأنّ المستقبل مجهول". ويشير النجار إلى أنّ "المخيم منسيّ من قبل الجهات الحكومية التي لم توزّع أيّ مساعدات على النازحين فيه منذ أعوام، في حين أنّ سياسيين يزورون المخيم بين فترة وأخرى ويطلقون الوعود من دون تحقيقها".
يضيف النجار أنّ "النازحين في مخيم بزيبز بمعظمهم يعانون من مشكلة عدم امتلاك أوراق ثبوتية ومستندات قانونية، بالتالي فإنّهم لا يستطيعون القيام بأيّ فعل أو التحرّك بأيّ اتجاه. هم بمعظمهم تركوا تلك الوثائق في منازلهم الأصلية عند النزوح غير المتوقّع الذي تعرّضوا له"، مشيراً إلى أنّ "منظمات إنسانية تبادر حالياً إلى بناء مجمّعات سكنية وغرف ومنازل واطئة الكلفة في مخيم بزيبز، من أجل ضمان عيش كريم وأماكن لائقة بالنساء بدلاً من الخيام. وهذا يعني بقاء النازحين في خارج مناطقهم لفترة أطول بسبب الخلافات السياسية والسلاح المنتشر في مناطقهم الأصلية".
في هذا الإطار، لم ينفِ وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية كريم عليوي لجوء النازحين إلى استبدال الخيام بغرف يبنونها. وأوضح في اتصال مقتضب مع "العربي الجديد" أنّ "الوزارة سوف تشكّل لجنة من أجل متابعة بناء وحدات سكنية في المخيم، ومنع أيّ بناء عشوائي أو غير قانوني"، مضيفاً أنّ "وزارة الهجرة تسعى دائماً إلى دعم النازحين عبر مساعدات، وأبرزها الغذاء والوقود (للتدفئة) خصوصاً في فترات البرد".
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمات مدنية وإنسانية أسّست في عام 2014 "مخيم بزيبز" للنازحين من مناطق الحرب على تنظيم داعش آنذاك، أي الفلوجة والرمادي وجرف الصخر. لكنّ البلدة الأخيرة وبعد تحريرها من "داعش"، سيطرت عليها فصائل مسلحة وبقي أهلها في المخيم الذي تحوّل واحداً من أكبر مخيمات النزوح في العراق.
وفي سياق متصل، تواصلت "العربي الجديد" مع مسؤولَين من محافظة بابل أحدهما في مجلس المحافظة والآخر عضو في مكتب سياسي لفصيل مسلح، أكّدا أنّ ثمّة توافقاً وليس اتفاقاً على عدم عودة أهالي جرف الصخر في بابل، ومحاولة توطين للنازحين في مناطق بمحافظة الأنبار بحجّة المخاطر الأمنية في بلدة جرف الصخر التي سوف تبقى دائماً مهدّدة من قبل تنظيم داعش، لذا ترفض الفصائل المسلحة الانسحاب من البلدة.
من جهته، يشير الناشط والصحافي العراقي زياد السنجري إلى أنّه "مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، بدأ أهالي المخيمات في عموم المحافظات ومنها الشمالية وفي مخيم بزيبز، يبحثون عن بدائل للخيم التي ليست قادرة على مقاومة البرد الشديد. فبنوا جدراناً حتى يتمكنوا من مواجهة البرد، لكنّ هذا يقودنا إلى مسألة التوطين وجعل تلك الجدران بديلاً عن المناطق الأصلية للنازحين. ويؤكدا السنجري لـ"العربي الجديد" أنّ "بناء الغرف والوحدات السكنية البسيطة هو ما تسعى إليه جهات سياسية ومليشيات هجّرت الأهالي، الأمر الذي ينذر بوضع غير طبيعي قد يشهده نازحو مناطق جرف الصخر والعويسات والعوجة وغيرها".