توثيق اعتقال 1882 مدنياً في سورية خلال 2020

02 يناير 2021
معظم حوادث الاعتقال تحصل لدى المرور بنقطة تفتيش (أندري غريازنوف/Getty)
+ الخط -

أعلن تقرير حقوقي، اليوم السبت، اعتقال أكثر من 1800 شخص في سورية، العام المنصرم 2020، على يد أطراف النزاع في سورية، معظمها من جانب النظام السوري، ما يشير إلى أنّ سورية بلد غير مستقرّ وليس آمناً لعودة اللاجئين أو النازحين. 

 وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنّ 1882 شخصاً اعتُقلوا العام الماضي، بينهم 52 طفلاً و39 سيدة، مشيرة إلى أنّ معظم حوادث الاعتقال تحصل دون مذكرة قضائية، خاصة لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة، هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية.

وأضاف تقرير الشبكة، الذي يقع في 72 صفحة، أنّ المعتقل يتعرّض للتعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرم التواصل مع عائلته أو محاميه، فيما تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التعسّفي، فيتحوّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسراً.

وقال التقرير إنّ قوات النظام السوري استهدفت في عام 2020 بعمليات الاعتقال والملاحقة، بشكل أساسي، الأشخاص الذين أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي وقّعت اتفاقات تسوية مع قوات النظام السوري. وتركّزت الاعتقالات في محافظتي ريف دمشق ودرعا، وحصل معظمها ضمن أُطر حملات دهم واعتقال جماعية، استهدفت المدنيين وعمّال سابقين في منظمات إنسانية، ونشطاء في الحراك الشعبي، ومنشقّين عن قوات النظام السوري، مشيراً إلى أنّ ما لا يقل عن 307 حالات اعتقال كانت بحقّ أشخاص قد أجروا تسويات لأوضاعهم الأمنية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وأضاف التقرير أنّ المناطق التي استعادت قوات النظام السوري السيطرة عليها، إثر عملياتها العسكرية في عام 2020 في أرياف محافظات حلب وإدلب وحماة، شهدت عمليات اعتقال استهدفت المدنيين الذين بقوا في منازلهم ولم ينزحوا. وكان أعلى معدل لحصيلة الاعتقالات بحسب التقرير في فبراير/ شباط الماضي، بعد استعادة قوات النظام السوري السيطرة على مناطق في ريفي إدلب وحماة.

وأوضح التقرير أنّ النظام السوري التفّ على الضغوط الخارجية مع بدء تفشي جائحة كورونا، من أجل الكشف والإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين، خوفاً من انتشار الفيروس بين صفوفهم، عبر إصداره مرسوم عفو في 22 مارس/ آذار. وأضاف أنّ النظام يتلاعب بنصوص المراسيم، وتطبيقها، وهو بحاجة إلى قرابة 325 سنة للإفراج عن المعتقلين على خلفية الحراك السياسي ضدّه إذا بقي على هذه الوتيرة من الإفراجات. وعرض التقرير حصيلة ما وُثِّق في غضون الشهرين التاليين لمرسوم العفو الأخير، مشيراً إلى أنّ حصيلة حالات الاعتقالات كانت أعلى من حصيلة المُفرج عنهم خلال هذه الفترة، فضلاً عن وفاة 30 مواطناً بسبب التعذيب في هذين الشهرين.

 ويورد التقرير أنّ العام المنصرم، شهدَ منذ بدايته عمليات اعتقال استهدفت العائدين من مناطق نزوحهم إلى مناطقهم الأصلية، التي تسيطر عليها قوات النظام، إضافة إلى استهدافها العديد من العائدين من لبنان بشكل غير قانوني إلى مدنهم، ووجّهت إليهم تهم الإرهاب. وفي هذا السياق، أوصى التقرير مجدداً بعدم عودة اللاجئين أو النازحين إلى مناطق سيطرة النظام السوري، لعدم وجود أية ضمانات حقيقية بعدم الاعتقال أو التعذيب أو الإخفاء القسري أو التجنيد الإلزامي.

المعتقل يتعرّض للتعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرم من التواصل مع عائلته أو محاميه

 وسجّل التقرير ما لا يقلّ عن 156 حالة اعتقال بحق العائدين، من بينها 89 حالة اعتقال استهدفت العائدين من خارج سورية.

وأضاف أنّ قوات النظام السوري لم تتوقف في عام 2020 عن ملاحقة المواطنين السوريين على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم، وطاولت الملاحقات والاعتقالات التعسفية عدداً من المواطنين السوريين لمجرد انتقادهم تدهور الظروف المعيشية والاقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري، وكان من بينهم محامون ومدرّسون احتجزتهم قوات النظام عبر مداهمة منازلهم وأماكن عملهم. وشهدَ العام عمليات اعتقال وملاحقة بحقّ مواطنين، على خلفية مشاركتهم في مظاهرات وأنشطة معارضة للنظام السوري في محافظة السويداء، من بينهم طلاب جامعيون، إضافة إلى اعتقال مدنيين على خلفية صلات قربى تربطهم بمساهمين في الحراك الشعبي المناوئ للنظام.

 كذلك قامت قوات النظام السوري أيضاً باعتقالات بحق الأشخاص المتنقّلين والمسافرين إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها عبر نقاط تفتيشها، إضافة إلى عمليات اعتقال جرت بسبب إجراء اتصالات هاتفية مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، ولم تستثنِ الأطفال والنساء وكبار السن. ووفقاً للتقرير، فقد سُجّل في عام 2020 حوادث اعتقال بحق أشخاص عاملين في مجال الصرافة وتحويل العملات، وتهدف عمليات الاحتجاز هذه غالباً إلى ابتزازهم مادياً بهدف الحصول على مبالغ طائلة مقابل الإفراج عنهم. وطاولت عمليات الاعتقال عدداً من المعتقلين الذين أفرج عنهم في أشهر سابقة، بذرائع مختلفة، كإتلاف وثائقهم الشخصية أو عدم حصولهم على ورقة كفّ البحث أو لأجل سوقهم إلى الخدمة العسكرية.

 وفي المقابل، سجّل التقرير في عام 2020 إخلاء قوات النظام السوري سبيل 545 معتقلاً من السجون المدنية، معظمهم أُفرج عنهم بعد انتهاء أحكامهم التعسفية، وراوحت مدد اعتقالهم بين أربع إلى تسع سنوات.

كذلك جاء في التقرير أنّ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) واصلت سياسة الاعتقال التَّعسفي والإخفاء القسري لنشطاء وأفراد من منظمات المجتمع المدني المعارضة لسياساتها، إضافة إلى القيام بعمليات دهم واعتقال جماعية استهدفت المدنيين الذين شاركوا في مظاهرات مناهضة لها في مناطق سيطرتها، واستهدفت المدنيين الذين تربطهم صلات قربى مع أشخاص في المعارضة المسلّحة. وشنّت حملات دهم واعتقال جماعية استهدفت مدنيين، من بينهم أطفال وذوو احتياجات خاصة، بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، مشيراً إلى أنّ بعض هذه الحملات جرى بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي، فضلاً عن اعتقالات جرت لمدنيين، من بينهم أطفال، لأجل اقتيادهم للتجنيد القسري.

 وسجّل التقرير إفراج قوات "قسد" عن 221 مدنياً من مراكز الاحتجاز التابعة لها، راوحت مدد احتجازهم بين ثمانية أشهر إلى عامين، معظمهم أفرج عنهم عقب وساطة عشائرية.

 أمّا هيئة تحرير الشام، فقد تركّزت اعتقالاتها في العام المنصرم على نشطاء مؤسسات المجتمع المدني والإعلاميين ورجال الدين، ومعظم هذه الاعتقالات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها، أو بسبب عملهم في مؤسسات تتبع الحكومة المؤقتة.

من جهتها قامت المعارضة المسلّحة والجيش الوطني، بعمليات احتجاز تعسفي وخطف، حدث معظمها بشكل جماعي، وبعضها استهدف عدّة أفراد من عائلة واحدة، كذلك لاحقت مدنيين خرجوا في تظاهرات تنتقد سياساتها في مناطق سيطرتها واحتجاجاً على سوء الوضع المعيشي، واستهدفت نشطاء إعلاميين، إضافة إلى عمليات اعتقال جماعية للقادمين من مناطق سيطرة النظام السوري.

وبحسب التقرير، فإنَّ المحتجزين لدى قوات النظام السوري يتعرّضون لأساليب تعذيب غاية في الوحشية، ويُحتجزون ضمن ظروف صحية شبه معدومة، وتفتقر إلى أدنى شروط السلامة الصحية، مشيراً إلى أنّ هذا تكتيك متّبع من قبل النظام السوري على نحو مقصود بهدف تعذيب المعتقلين وجعلهم يصابون بشتى أنواع الأمراض، ثم يُهمل علاجهم بعدها، حتى يتعذّب المُعتقل إلى أن يموت.  

 واعتبر التقرير أنّ قضية المعتقلين والمختفين قسراً من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أي تقدّم يُذكر، على الرغم من تضمينها في قرارات عدّة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة.

المساهمون