تهميش للغتين التتارية والأوكرانية في القرم

25 يوليو 2021
حرفي يعمل في متحف للتتار في بخشي سراي (سيرغي مالغافكو/ Getty)
+ الخط -

بعد أكثر من سبع سنوات على ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها في مارس/ آذار 2014، يرى أحد ناشطي عرقية التتار في القرم، زاير سميدليا، أن "فرص تعليم لغة تتار القرم واستخدامها تراجعت كثيراً، رغم تثبيتها إلى جانب الروسية والأوكرانية لغة رسمية في دستور شبه الجزيرة". 
وتورد المادة العاشرة من دستور جمهورية القرم أنّ لغتي تتار القرم والأوكرانية بين لغات الدولة إلى جانب الروسية، وتعترف بـ "مبدأ تنوع الثقافات مع ضمان المساواة في تنميتها". لكن هذا الأمر غير مطبق على أرض الواقع، رغم أن لا حظر مباشرا على استخدام اللغتين.
وتؤكد إحصاءات تهميش لغة التتار في القرم، إذ تتحدث عن أن 6,700 طفل فقط يشكلون نسبة 3 في المائة من تلاميذ مدارسها، تعلموا لغة تتار القرم في العام الدراسي 2020 - 2021، في حين يشكل أبناء هذه العرقية نسبة 10.6 في المائة من سكان شبه الجزيرة، بحسب تعداد سكاني أجري عام 2014.
يقول سميدليا لـ "العربي الجديد": "جرى تقليص عدد ساعات التدريس في سبيل منع خلق الإطار التعليمي المناسب لتعلم لغة تتار القرم اختيارياً، أو حتى كساعات إضافية خارج إطار حصص التعليم المعتمدة، في وقت يحضر باقي الأطفال حصص دروس إضافية في لغات أجنبية أو مواد تدريس أخرى. وواضح أنّ مديري المؤسسات التعليمية يحاولون بشتى الوسائل منع أولياء الأمور من التتار تعليم أبنائهم لغتهم الأصلية، بحجة أن لا آفاق لتنميتها واستخدامها في المجتمع، وأن دراستها ستؤثر سلباً على أداء الطلاب في مواد أخرى".
ويعزو سميدليا تدهور الوضع الخاص بتعليم لغة تتار القرم إلى "حظر نشاط المجلس الذي يمثل هذه العرقية، بعدما صنفه القضاء الروسي، إثر تنفيذ السلطات عملية الضم التي لم تعترف بها غالبية دول العالم، منظمة متطرفة، ما حتّم تجاهل مطالب التتار الخاصة بهذه المسألة، علماً أنّ إدارة شؤون التعليم التابعة لهذا المجلس كانت تتولى شؤون تنمية لغة تتار القرم، وتنظيم اجتماعات أولياء الأمور، والبحث عن مدرسين". 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وفي تصريح أدلى به عام 2019، في الذكرى الخامسة لضمّ روسيا شبه الجزيرة، قال نائب رئيس مجلس تتار القرم، ناريمان جلالوف إنّ "السلطات الجديدة عجزت عن استيعاب أبناء شعبنا الذين ما زالوا يشعرون بتهميش تحت سيادة روسيا". وتابع: "ثمة إجماع بين تتار القرم على أنّهم لم يقبلوا بتغيير الوضع السياسي، ويتمنون، سواء علناً أو سراً، استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية. وأكبر مثال على ذلك أن نسبة مشاركة التتار في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الذكرى الرابعة للضمّ عام 2018 لم تزد عن 15 في المائة، وغالبيتهم موظفون حكوميون خضعوا لضغوط إدارية".
ويلفت سميدليا إلى أنه رغم تأكيد مسؤولين حكوميين في القرم إمكان الحصول على أي وثيقة بلغة تتار القرم، لم يستطع فعل ذلك، كما رُفض طلب قدمه للمشاركة كشاهد في جلسة قضائية، والإدلاء بإفادته بلغة تتار القرم، موضحاً أن القاضي وضعه أمام خيار تقديم شهادته باللغة الروسية، أو إخراجه من القاعة. 
ويعد تتار القرم، الذين يناهز عددهم ربع مليون، من السكان الأصليين في شبه الجزيرة، وتعتبر مدينة بخشي سراي مركزهم التاريخي منذ القرن الـ16 الميلادي. لكن ذلك لم يمنع السلطات السوفييتية الشيوعية من تهجيرهم من شبه الجزيرة في مايو/ أيار 1944، بعدما اتهمتهم بالتعاون مع الاحتلال النازي، ما تسبب في جروح عميقة تستمر في النزف في ذاكرتهم التاريخية، وتعيق اندماجهم مع الدولة الروسية الحالية. 

ولم تسلم اللغة الأوكرانية من التهميش في القرم، إذ لا يتعلمها إلا حوالى 200 طفل فقط، بحسب موقع "القرم.حقائق" الداعم لكييف، رغم أن نسبة السكان أوكرانيي الأصل في شبه الجزيرة تناهز 15.7 في المائة. بينما تشير الأرقام الروسية إلى أن عددهم في الأعوام الدراسية الماضية بلغ 10 آلاف. 
ويعلّق رئيس تحرير صحيفة "كريمسكايا سفيتليتسا" أندريه شيكون على الوضع السائد بالقول لـ "العربي الجديد": "بخلاف الحال خلال حكم الإمبراطورية الروسية، لا تطبق قوانين اليوم التي تلحظ القضاء على كل ما هو مكتوب باللغة الأوكرانية، لكنْ هناك حرب هجينة". 
ويضرب مثلاً على هذا النوع من المواجهة، بالقول إن "الموظفين ومديري المدارس تلقوا تعليمات رسمية بالتشديد على أن لا حاجة في القرم للغة الأوكرانية التي تخلق مشكلات وأحاديث لا جدوى منها مع جهاز الأمن الفيدرالي".

قضايا وناس
التحديثات الحية

واللافت أن مسألة التضييق على لغة تتار القرم وتلك الأوكرانية في شبه الجزيرة تطرح دائماً في المحافل الدولية، وبينها الجمعية العامة للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي.  
وكانت روسيا ضمت شبه جزيرة القرم في ربيع 2014، بعد موجة اضطرابات شهدتها العاصمة الأوكرانية كييف جعلت مجلس الشيوخ الروسي (الاتحاد) يوافق على التدخل عسكرياً في أوكرانيا، وإجراء استفتاء لتحديد مصير شبه جزيرة القرم التي ينطق غالبية سكانها بالروسية.
وبعد إعلان استقلال جمهورية القرم عن أوكرانيا في شكل أحادي، وقّعت القرم على اتفاق الانضمام إلى روسيا في 18 مارس/ آذار 2014.

المساهمون