تهجير نظامي... مقدسيون مهددون بالطرد من منازلهم

10 يناير 2021
أحد أسواق القدس القديمة في زمن الإقفال (فرانس برس)
+ الخط -

يعيش الفلسطينيون من سكان القدس المحتلة، هاجس التهجير من منازلهم في أيّ لحظة، في الوقت الراهن، إذ ينظم المستوطنون نشاطات جديدة تحظى بدعم من سلطات الاحتلال، غايتها تفريغ المدينة من أهلها

لم تدرِ عائلة المواطن الفلسطيني المقدسي، نظام أبو رموز، من حي بطن الهوى في سلوان، جنوبي القدس المحتلة، أنّ الغرامة التي كانت قد فُرضت عليها قبل نحو خمس سنوات من قبل إحدى محاكم الاحتلال الإسرائيلي تحولت إلى أمر إخلاء غيابي لمنزلها، تكرر صدوره عن المحكمة في جلسات خاصة عقدتها من دون أن يتم إبلاغ العائلة بذلك. المواطن أبو رموز، الذي يعيش مع شقيقته ووالدته المسنة في المنزل المكون من ثلاث طبقات، كان قد توجه مع بداية العام الجديد، للحصول على إشعار بدفع الغرامة، ففوجئ بأنّ هناك أوامر إخلاء عدة للمنزل، كانت قد صدرت منذ عام 2016 ولم تعلم بها العائلة أبداً. ومع المخاطر الفورية التي تهدد بإخلاء العائلة منزلها لصالح المستوطنين والجمعيات الاستيطانية، يؤكد أبو رموز، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ خيار العائلة بالتوجه إلى القضاء ما زال قائماً، لإبطال قرار محكمة الصلح التابعة للاحتلال.

حيّ بطن الهوى في سلوان- العربي الجديد

استهداف 90 منزلاً وعقاراً
يعتبر عقار أبو رموز واحداً من بين نحو تسعين منزلاً وعقاراً مهددة بالسيطرة عليها من قبل جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية التي تسعى لوضع اليد على قطعة أرض في حيّ بطن الهوى تزيد مساحتها على خمسة دونمات، بادعاء ملكيتها ليهود من اليمن منذ عام 1881، وأنّ المحكمة الإسرائيلية العليا أقرت ملكية اليهود من اليمن لأرض بطن الهوى.

المواطنة سعاد أبو رموز، شقيقة نظام أبو رموز، والتي تقيم عائلتها في المنزل منذ عام 1961 وهي مالكته الوحيدة، تؤكد، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّها وشقيقها ووالدتها المسنة لن يغادروا المنزل أبداً. وتشير سعاد إلى أنّ شقيقها نظام يقطن في جزء من المنزل مع زوجته وأطفاله وزوجة أحد أبنائه، كما تقيم والدتها المسنة، والتي تبلغ واحداً وثمانين عاماً، في شقة ملحقة، وهي في حاجة دائمة إلى عناية ورعاية خاصة.
يذكر أنّ المحكمة الإسرائيلية العليا قررت، قبل نحو عامين، رفض الالتماس المقدم من أهالي حيّ بطن الهوى الذي يقطنه نحو 700 نسمة، ضد جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية.

حيّ بطن الهوى في سلوان- العربي الجديد

يهود اليمن
وكانت الجمعيات الاستيطانية نجحت، خلال السنوات القليلة الماضية، بدعم من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأداتها التنفيذية، بلدية الاحتلال في القدس، في تعزيز سيطرتها على المنطقة من خلال جملة من الاستيلاءات على عقارات في بلدة سلوان الواقعة إلى الجنوب من المسجد الأقصى، وافتتاح مراكز تعنى بما يسمى تراث يهود اليمن، بالإضافة إلى الحفريات الواسعة التي تقوم بها جمعية "ألعاد" الاستيطانية والمتجهة شمالاً من وسط البلدة إلى تخوم المسجد الأقصى من ناحيته الجنوبية، مع العلم أنّ حي بطن الهوى هو امتداد لجبل الزيتون، شرقي البلدة القديمة من القدس، ويفصله عنها وادي سلوان الذي يتَصل بوادي قدرون في النقطة نفسها.
وتضمّن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 2018، اعترافاً بادعاءات المستوطنين بملكية خمسة دونمات، مقامة عليها عشرات المنازل التي تؤوي مقدسيين، يدّعي مقدمو الالتماس من المستوطنين، أنّ هذه المنازل بنيت على أرض كان قد امتلكها يهود يمنيون قبل نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وقيام كيان الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من إقرار هيئة القضاة بأنّ إجراءات المنظمة في الاستيلاء على الأرض قد شابتها عيوب، وأثارت أسئلة حول قانونية نقل الأرض إلى الجمعية الاستيطانية اليمينية المتطرفة. في هذا السياق، يعتبر رئيس لجنة الدفاع عن حي بطن الهوى في سلوان، زهير الرجبي، في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "من شأن هذا القرار أن يؤدي إلى عملية تطهير واسعة للمنطقة من سكانها الفلسطينيين، وهو أمر لن يحدث بسهولة كما يتوقع الاحتلال".

عائلة الرجبي أيضاً كانت واحدة من عشرات العائلات المقدسية القاطنة في حيّ بطن الهوى، والتي تلقت قبل سنوات أمراً بإخلاء منزلها الذي تقيم فيه منذ عشرات السنوات، بادعاء أنّ العائلة تقيم في منزل مقام على أرض تعود ملكيتها ليهود اليمن منذ عام 1881، أي منذ عهد السلطنة العثمانية، وقبل الانتداب البريطاني على فلسطين حتى، وبأنّ المنزل أُقيم من دون ترخيص، فيما لم تأخذ محكمة الاحتلال بما قدم إليها من مستندات صادرة عن الدوائر العثمانية، في ذلك الحين، تؤكد حقّ العائلة الأبدي في المنزل والأرض المقام عليها. ويوضح زهير الرجبي أنّه "مع توسع رقعة الاستيطان في بلدة سلوان والدعم الكبير الذي تحظى به جمعية "ألعاد" الاستيطانية وغيرها من جمعيات استيطانية من قبل الحكومة الإسرائيلية، تحولت حياة المواطنين في حيّ بطن الهوى إلى جحيم تهدف من ورائه سلطات الاحتلال ومستوطنوها إلى الضغط على السكان الأصليين لترك مساكنهم، الأمر الذي لن يحدث أبداً، على الرغم مما يقع من اعتداءات يومية ينفذها الجنود الإسرائيليون والمستوطنون وحراس أمن المستوطنين ضدّ سكان الحي من النساء والأطفال".

حيّ بطن الهوى في سلوان- العربي الجديد

مضايقات مستمرة
وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس، الجديد، موشيه ليئون، إلى جانب مسؤولي جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية كانوا قد افتتحوا بعد قرار المحكمة العليا، مركز تراث يهود اليمن، في عقار كانت تقطنه عائلة أبو ناب المقدسية، وذلك بعد السيطرة عليه عام 2015، في سياق جملة من المضايقات ومحاولات التهويد للعاصمة الفلسطينية. وتزامن افتتاح ذلك المركز مع الاعتداء على سكان حيّ بطن الهوى واعتقال رئيس لجنة الدفاع عنه زهير الرجبي، بالإضافة إلى اعتقال الناشط جواد صيام، مدير مركز معلومات "وادي حلوة" المختص بالشأن المقدسي، وذلك بتهمة محاولة تنظيم تظاهرة ضد افتتاح المركز التهويدي.
ولا يكفّ الاحتلال عبر بلديته وشرطته في القدس، عن التضييق على سكان الحيّ، عن طريق المداهمات اليومية، مع تحرير المخالفات بحق مركبات المواطنين أو استصدار أوامر هدم جديدة لمساكن تؤوي عشرات العائلات في الوقت الذي تنشط فيه شبكة من السماسرة المحليين يتزعمها المستوطن أرييه كينغ، عضو بلدية الاحتلال في القدس، في محاولات السيطرة على مزيد من العقارات.
في هذا الإطار، يقول خبير القدس والاستيطان، خليل تفكجي، في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إنّ "حيّ بطن الهوى كان على الدوام من أكثر الأحياء في المنطقة الواقعة جنوب المسجد الأقصى، استهدافاً من قبل جمعيات الاستيطان اليهودية". مشيراً إلى أنّ "يهود اليمن كانوا قد استقروا في الحي عام 1881، قبل أن يغادروه بسبب الأوضاع السياسية والأمنية آنذاك في عام 1929، تاركين خلفهم منازل بيع العديد منها إلى مواطنين مقدسيين، في حين انتقلت عهدة ما تبقى منها إلى حارس الأملاك الأردني الذي قام في حينه بتأجيرها لقاطنيها من المقدسيين بموجب عقود إيجار. وفي الفترة الواقعة بين عامي 1948 و1967 أضيفت مبان كثيرة من قبل المواطنين الفلسطينيين في هذا الحيّ الذي شهد ازدهاراً في حركة البناء". ويشير تفكجي إلى أنّ "الجمعيات الاستيطانية ببلدة سلوان، استعانت بقانون حارس أملاك الغائبين، المصلحة العامة، الأملاك اليهودية قبل عام 1948، للسيطرة على منازل الحي التي تدّعي ملكية اليهود لها، بالإضافة إلى ادعائهم أيضاً بملكية خمسة دونمات أقيمت عليها عشرات المنازل التي يقطنها الآن أكثر من 700 نسمة".

وكان 104 أشخاص من سكان حيّ بطن الهوى تقدموا بالتماس ضد جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية، التي تنشط لتهويد القدس المحتلة، رداً على مطالبة الأخيرة، بمساعدة المدير العام لوزارة قضاء الاحتلال، بطرد عشرات العائلات المقدسية من منازلها في الحي. وسبق ذلك قيام الجمعية الاستيطانية بتقديم بلاغات قضائية بالإخلاء لهذه العائلات، بعدما حصلت عام 2001 على حق إدارة أملاك الجمعية اليهودية التي تدعي أنها امتلكت الأرض قديماً (قبل عام 1948). وفي حين ردّت هذه العائلات على تلك الدعوات، فإنّ محاكم الاحتلال الإسرائيلي كانت على الدوام تصدر قرارات قضائية تزعم أحقية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية.

المساهمون