تل رفعت... منطقة منكوبة تقوم على هياكل فقط

09 يناير 2025
يتفقد مدينته تل رفعت، 5 ديسمبر 2024 (هيثم هاك عمر/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تل رفعت كانت من أوائل المدن التي انضمت للثورة السورية وشهدت مقاومة قوية ضد النظام، وتعرضت لقصف عنيف أدى لدمار كبير، وسيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية في 2016 مما أجبر السكان على النزوح.
- في نوفمبر 2024، استعادت الفصائل السورية السيطرة على تل رفعت، لكن اكتشاف الأنفاق والألغام صعّب عودة الأهالي، ويواجه المجلس المحلي تحديات في إعادة تأهيل البنية التحتية.
- المدينة تعاني من دمار واسع ونقص في الخدمات الأساسية، والمجلس المحلي دعا المنظمات الدولية لتقديم المساعدات العاجلة لإعادة البناء وتحسين الظروف المعيشية للسكان.

انتفضت مدينة تل رفعت، الواقعة على بعد نحو 37 كيلومتراً شمال مدينة حلب شماليّ سورية، ويبلغ عدد سكانها قرابة 65 ألف نسمة، بحسب المجلس المحلي، ويتبع لها 12 قرية وسبع مزارع، خلال الأيام الأولى للثورة السورية، وانضمت إلى الحراك الثوري السلمي مبكراً والعسكري لاحقاً، وسميت "عاصمة الشمال". واستخدم النظام البائد مختلف أنواع الأسلحة لمواجهة الحراك الثوري، وقصف المدينة بصواريخ بالستية أكثر من مرة. ويطلق على أهلها اسم "الأرفاديون" نسبة إلى اسم المدينة القديم أرفاد، وهي التي كانت عاصمة مملكة بيت آغوشي الآرامية عام 3200 قبل الميلاد.
وظلّت تُقاوم استبداد النظام السوري حتى فبراير/ شباط عام 2016، عندما احتلت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ذات الغالبية الكردية، تل رفعت وريفها، بعد معركة طاحنة اضطر خلالها الأهالي إلى النزوح شمالاً باتجاه الحدود التركية، جراء قصف الطيران الروسي المتكرر وسقوط عدد من الشهداء، والدمار الكبير الذي حل بالمساكن والبنى التحتية. واحتل عناصر "قسد" ما تبقى من بيوت، وانضم إليهم مواطنون أكراد نزحوا من مدينة عفرين عام 2018.

في اليوم الثامن والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، تمكّن مقاتلو الفصائل السورية من الدخول إلى المدينة والسيطرة عليها، ما فاجأ الأهالي الذين ذاقوا مرارة النزوح وعاشوا في مخيمات تفتقر إلى سبل العيش الكريم في محيط مدينة أعزاز وبلدة سجو الملاصقة للحدود التركية. هؤلاء كانوا ممنوعين من العودة إلى بيوتهم ومزارعهم ومحالّهم التجارية جراء تعسف "قسد" التي بسطت سيطرتها على المدينة وتولت إدارتها، وأقامت فيها التحصينات العسكرية والسواتر وغيرها. واكتشف مقاتلو الفصائل السورية العديد من الأنفاق التي أنشأتها "قسد" وتمتد لعشرات الكيلومترات، منها غرف لقيادة العمليات العسكرية، ومخازن للأسلحة والذخيرة، كذلك زرعت الألغام في الشوارع ومواقع عدة قبل مغادرتها، ما زاد من خطورة عودة الأهالي إلى مدينتهم. 
في ظل هذا الواقع المأساوي، دعا المجلس المحلي لمدينة تل رفعت وريفها، المنظمات الأممية والدولية إلى الاستجابة للنداء الذي أطلقه في بيان رسمي بتاريخ 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وأعلن تل رفعت "منطقة منكوبة". وجاء في البيان: "بعد مضي قرابة الشهر على تحرير مدينة تل رفعت، وبعد الجهود المبذولة من المجلس المحلي لتأمين الخدمات الأساسية في المدينة ولتسهيل عودة أهاليها القاطنين في المخيمات منذ تسع سنوات، ونتيجة لتعرض المدينة للتدمير الممنهج من قبل النظام البائد وأعوانه من الأحزاب الانفصالية وغيرها، وحيث إن التدمير بلغ حوالى 80% بحسب بيانات الفرق الإحصائية المختصة"، فإنه شدد على "إعادة تأهيل المنطقة لتصبح صالحة لعودة المهجرين، وهو أمر يفوق إمكانات وقدرات المجلس المحلي. بناءً على ذلك، نناشد المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني تحمّل مسؤولياتها تجاه أكثر من 135 ألف نسمة لا يزالون يعانون شظف العيش في مخيمات الشتات، وهم سكان تل رفعت وريفها".
في هذا السياق، يقول مدير مكتب العلاقات في المجلس المحلي لمدينة تل رفعت وريفها، عبد السلام الوحش، لـ "العربي الجديد"، إن المجلس منتخب من قبل أهل تل رفعت في مخيمات الشمال، وكان يعمل على توفير الخدمات الرئيسة للنازحين ضمن الإمكانات المتاحة. ومنذ سيطرت فصائل المعارضة على المدينة في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انتقل عمل المجلس إلى داخل المدينة، وجهز مقراً داخل المركز الثقافي، على اعتبار أن المجمع الحكومي الذي كان مقراً للمجلس مع عدد من الدوائر الحكومية الأخرى، تعرّض للتدميرالكامل جراء القصف الذي تعرضت له المدينة خلال سنوات الحرب. ويلفت إلى أن المجلس بدأ منذ اليوم الأول العمل على تأمين الخدمات الأساسية التي يحتاجها السكان العائدون من مخيمات النزوح؛ فأهل المدينة متشوقون للعودة إلى ديارهم وأراضيهم من أجل استئناف العمل في الزراعة، وإعادة فتح محالهم التجارية والصناعية. ونجح المجلس في توفير الخبز عبر إعادة تشغيل المخبز الآلي، لكن التحديات والصعوبات كبيرة وخارج إمكانات وطاقة وكوادر المجلس المحلي.

أنفاق في تل رفعت، 5 ديسمبر 2024 (هيسام هاك عمر/الأناضول)
أنفاق في تل رفعت، 5 ديسمبر 2024 (هيثم هاك عمر/الأناضول)

ومن بين التحديات، بحسب الوحش، الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكات المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى اكتشاف أنفاق تحت البيوت والشوارع والأبنية، وكأن هناك مدينة تحت مدينة. ولا يعرف عدد الأنفاق التي تمتد لعشرات الكيلومترات، وتصل إلى بلدات ومدن محيطة وفي مختلف الاتجاهات. ويراوح عمقها ما بين 10 و15 متراً، وقد يكون هناك أنفاق غير مكتشفة حتى اليوم. ومعظمها بنيت بجدران إسمنتية وأرضيات مرصوفة وغرف تصلح للعيش مزودة بكل المستلزمات من إنارة ودورات مياه وغيرها. ولم يتمكن المجلس من الحصول على خريطة توضح ماهية هذه الأنفاق، التي تعتبر بمثابة قنبلة موقوتة، تهدد المدينة وسكانها، يقول الوحش.
وحول حجم الدمار في المدينة، يقول الوحش إن نحو 50% من بيوت المدينة وعددها 6700 منزل، دمرت بالكامل وتحتاج إلى إعادة إعمار، و3700 بيت تشكل ما نسبته 25% تحتاج إلى إعادة تأهيل وترميم، والنسبة المتبقية لم يطاولها القصف المدفعي والجوي، وكانت عناصر "قسد" وعائلات نزحت من مدينة عفرين تقيم فيها. كذلك فإن مقرات المؤسسات الحكومية من بلدية ومحكمة والمصرف الزراعي ومؤسستي المياه والهاتف والمركز الصحي والمدارس وغيرها تعرضت للدمار، وباتت تحتاج إلى الترميم وإعادة البناء.  
ويتحدث الوحش عن دمار طاول البنى التحتية والمساكن والشوارع والأشجار، موضحاً أنه رغم هذه الحالة السيئة، عاد نحو ثلاثة آلاف عائلة من الذين نزحوا عام 2016 إلى بيوتهم، رغم عدم توافر سبل العيش والخدمات من مدارس ومراكز طبية وكهرباء ومياه وغيرها. 
ويقول أحد العائدين إلى تل رفعت، وهو الستيني زكي بكري كبصو، لـ "العربي الجديد"، إنه "بعد تحقق الحلم واستعادة تل رفعت حريتها، رجعت وأسرتي إليها، علماً أن الوضع سيئ إلى درجة يفوق الوصف. البيوت التي بقيت صامدة تحتاج إلى ترميم كامل، وخصوصاً بعد نهب كل ما فيها حتى بقيت مجرد هياكل فقط من دون أبواب ونوافذ وتمديدات صحية وكهرباء".

وفي ما يتعلق بتوافر المواد الغذائية وغيرها، يشير كبصو إلى أن المدينة لا تصلح للعيش نهائياً، وتفتقر إلى الكهرباء ومياه الشرب. وتتوافر بعض المحال التجارية التي تبيع مواد غذائية في الحي الغربي فقط. يضيف أن الخبز متوافر بعد استئناف عمل المخبز الآلي. وعلى الرغم من عودته، يعتبر أن العيش في المخيمات أفضل، ولا سيما بعد اكتشاف العديد من الأنفاق تحت الأرض، ما يشكل خطورة بالغة. ويعرب عن تفاؤله بتحسن الأوضاع وتأمين متطلبات العيش مستقبلاً.
وكانت لجنة مشتركة بين منظمة خيرية تركية والمجلس المحلي قد عملت على إحصاء أضرار البيوت المدمرة جزئياً، لتقديم مساعدات وجعلها صالحة السكن. وطالب الأهالي والمجلس المحلي الدول العربية والمنظمات الدولية، بتقديم المساعدات العاجلة، والمساهمة في بناء المدارس والمراكز الصحية ومد شبكات الكهرباء ومياه الشرب، لإعادة الحياة إلى المدينة عبر القيادة السورية الجديدة، آملين أن تنتهي معاناتهم من العيش في مخيمات النزوح التي لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء.

المساهمون