تلوث الهواء... الألعاب الأولمبية الشتوية مهددة بالضباب الدخاني

28 يناير 2022
يعمل رغم الضباب الدخاني الكثيف (نويل سيليس/ فرانس برس)
+ الخط -

مع بدء العدّ العكسي لاستضافة بكين الألعاب الأولمبية الشتوية، التي تعدّ إحدى أهم المناسبات الرياضية على مستوى العالم، والتي تبدأ في الرابع من الشهر المقبل وتستمر حتى العشرين منه، تسعى السلطات إلى الحد من تلوث الهواء الذي قد يؤثر على سير هذه الألعاب. وعلى الرغم من الخطط التي وضعتها سابقاً لمواجهة فيروس كورونا الجديد من خلال تشديد الإجراءات الصحية، إلا أن تحدّياً جديداً قد يشكل تهديداً للسلطات في ظل انتشار الضباب الدخاني الذي يلف العاصمة.
واعترفت وزارة البيئة، في أحدث تقرير لها نقلته وكالة "شينخوا" الرسمية في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، بمخاطر الضباب الدخاني، مشيرة إلى أن مستويات الضباب ما زالت مرتفعة. وبحسب مؤشر جودة الهواء، سجلت بكين في الرابع والعشرين من الشهر الجاري معدلات مرتفعة من التلوث هي الأعلى خلال الشهر الجاري، إذ إن تركيزات الجسيمات الدقيقة (PM10, 2.5) وصلت إلى 205 ميكروغرامات لكل متر مكعب في بكين، علماً أن الحدود المسموح بها لا تتجاوز 60 ميكروغراماً لكل متر مكعب. 
وتركيزات الجسيمات الدقيقة عبارة عن جزيئات صغيرة من المواد الملوثة المنتشرة في الهواء تؤدي إلى تشكل الضباب، ما يعني أن قضاء يوم واحد في بكين في ظل الضباب الدخاني يوازي تدخين 40 سيجارة، بحسب تقرير سابق نشرته مجلة "ذا إيكونوميست" يتعلق بتلوث المدن.
صحيح أن مستويات تلوث الهواء في الصين شهدت تحسناً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن جودة الهواء ما زالت أقل بكثير من المعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول قدرة السلطات الصينية على تحقيق "الحياد الكربوني" (الحياد المناخي، أي خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد)، خلال الألعاب الأولمبية الشتوية.
 
انعكاسات على الرياضيين
تتناول العديد من التقارير مدى انعكاس تلوّث الهواء على صحة القادمين إلى بكين من جهة، والرياضيّين من جهة أخرى. وفي تقرير نشرته مجلة "Sport and Society" الأميركية بالشراكة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، العام الماضي، تبين أن التحدي الذي يواجه الرياضيّين يتعلق بجودة الهواء، مشيرة إلى أنهم معرضون لخطر أكبر من بقية المشاركين في الحدث، لأن الأنشطة ستكون في الهواء الطلق. أضافت أن الجزيئات الصغيرة في الهواء، والتي لا يمكن رؤيتها، يمكن أن تكون مضرة على المدى الطويل، الأمر الذي يؤثر على أداء الرياضيين.

وخلال السنوات الماضية، أثيرت مخاوف مماثلة بشأن جودة الهواء قبل الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008. حينها، اتخذت السلطات تدابير للحد من التلوث، منها إقفال المصانع في المناطق المحيطة بموقع الألعاب الرياضية. وعام 2015، أعلنت "الحرب على التلوث" بعدما وقع عليها الاختيار لاستضافة الألعاب الأولمبية، فأغلقت عشرات مصانع الفحم ونقلت الصناعات الثقيلة إلى مناطق أخرى. لكن في الوقت الحالي، قد لا تكون هذه الإجراءات مجدية في ظل التغيرات المناخية  الحادة والسياسات الدولية المتخذة في هذا الصدد.

مصادر التلوث
كثيرة هي العوامل التي تؤدي إلى تلوث الهواء في الصين. فبالإضافة إلى كون بكين مدينة صناعية بامتياز، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً جاء فيه أن مصادر تلوث الهواء في بكين ليست مرتبطة بالمصانع فقط، بل ترتبط أيضاً بالنقص في الموارد الطبيعية. أضافت أن التغيرات المناخية أدت إلى تدني نسبة المتساقطات بما لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية. بالتالي، تشكل ندرة المياه في بكين مصدر قلق هذا العام، وتحد من المحاولات لتحقيق "الحياد الكربوني" خلال الألعاب الأولمبية الشتوية، إذ إن ندرة المياه ستدفع السلطات إلى البحث عن مصادر أخرى لتأمينها. 

تسعى السلطات إلى الحد من نسبة التلوث (نويل سيليس/ فرانس برس)
تسعى السلطات إلى الحد من نسبة التلوث (نويل سيليس/ فرانس برس)

مشكلة أخرى قد تؤثر على البيئة خلال استضافة بكين الألعاب الأولمبية الشتوية، تتمثل في استيراد الصين الثلج الاصطناعي. وكانت السلطات قد وعدت "بحرية استخدام الثلج" وتجهيز متاجر خاصة لبيعه على أن يكون صديقاً للبيئة، إلا أن علامات استفهام تدور حول مصدر هذا الثلج في ظل ندرة المياه. وليس واضحاً كيف يمكن لبكين ضمان توفير كميات هائلة من الثلج الاصطناعي من دون استنفاد إمدادات المياه. 
عامل آخر لا يقل أهمية يؤثر على تحقيق "الحياد الكربوني"، يتعلق بالأثر البيئي لمشاركة 300 مليون صيني في الرياضة الشتوية، التي تقام قبل بدء الدورة الأولمبية. وتقع معظم مناطق التزلج الطبيعية في أقصى الشمال الشرقي والشمال الغربي بعيداً عن المراكز الحضرية التي توليها السلطات الاهتمام الأكبر في العمل على مكافحة التلوث.

خطط 
لا تنفي الصين تلوث الهواء في العاصمة أو المناطق التي تستضيف الحدث الرياضي، مشيرة إلى وضعها خطة طوارئ للحد من الضباب الناتج عن التلوث. وتُفيد صحيفة "شاينيز دايلي" (Chinese Daily) اليومية بأن بكين اتخذت تدابير وقائية للحد من تلوث الهواء خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سعيها لإقامة البطولة في ظل "بيئة جيدة". ويقول المتحدث باسم وزارة البيئة ليو يوبين إن الطقس الشتوي يتعارض والجهود المبذولة لضمان هواء نظيف في المناطق التي تستضيف الحدث الرياضي.
وبحسب بيانات نشرت على موقع وزارة البيئة الصينية في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، تنوي السلطات اتخاذ الإجراءات اللازمة خلال الألعاب الأولمبية الشتوية، منها مراقبة المصانع والمركبات التي تسبب مستويات عالية من التلوث.  

ومنذ أن وقع الخيار على الصين لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2015، تحاول السلطات تحسين مواصفات وقود المركبات، وإغلاق الشركات الملوثة للبيئة وخفض استهلاك الفحم.
وبحسب الخطة الموضوعة، ستسعى السلطات إلى عدم التأثير على الوضع الاقتصادي في حال اتخاذ بعض التدابير، كإقفال المعامل والشركات العاملة في قطاعي الصناعة والتجارة، من دون أن تحدد السلطات الآليات التي ستتخذ بهذا الصدد.
وفي ظل بقاء أيام قليلة فقط على بدء الألعاب الأولمبية، كثفت الصين من جهودها للتصدي لتفشي كوفيد-19، وخصوصاً في بكين، التي أبلغت عن إجمالي 36 حالة أعراض محلية منذ 15 الشهر الجاري.
وتبدأ بكين، التي أبلغت عن ست إصابات جديدة منقولة محلياً، جولة جديدة من اختبارات فيروس كورونا الجديد بين سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة. وتتعامل الصين مع حالات الإصابة بكوفيد-19 كما لو كانت في حالة حرب، لكنها في الوقت الحالي خففت من بعض إجراءاتها. 

المساهمون