في إحدى غرف مستشفى النجاح الوطني الواقع في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، كان أربعة تلاميذ فلسطينيين يخوضون امتحانات الثانوية العامة حتى لا يفوّتوا هذا الاستحقاق المصيري بسبب اضطرارهم إلى تلقّي علاجاتهم الطبية.
أتى ذلك في حين كان آلاف التلاميذ الآخرين يخضعون للامتحانات نفسها في قاعات المدارس الفلسطينية. يُذكر أنّ تخصيص تلك الغرفة لهؤلاء التلاميذ الأربعة أتى بالتنسيق ما بين إدارة المستشفى ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وقد توفّر في الغرفة كلّ ما يلزم لتدخّل طبي سريع في حال استجدّ أيّ طارئ صحي.
بسملة صالح زيتاوي واحدة من هؤلاء الفلسطينيين اليافعين الأربعة الذين أصرّوا على تحدّي حالاتهم الصحية. وفي حين تدوّن إجاباتها على الأسئلة المطروحة في إحدى المسابقات، بيد، تتلقّى بيدها الثانية علاجها الدوائي بالوريد، وذلك في رحلتها بمواجهة السرطان. تقول بسملة البالغة من العمر 18 عاماً لـ"العربي الجديد": "منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، أتردّد على المستشفى. وقد فضّلت البقاء هنا في خلال فترة الامتحانات"، مشدّدة على أنّ "معنوياتي عالية وأنا راضية عمّا قدّمته حتى الآن". ولا تخفي بسملة أملها بالحصول على معدّل عالٍ، نظراً إلى كونها متفوّقة منذ صغرها.
وعلى الرغم من أنّها لم تتقدّم للامتحانات التجريبية التي تسبق الاختبارات الرسمية في العادة، فإنّ بسملة خاضت التجربة انطلاقاً من قناعتها بأهمية تحصيل العلم ومواصلة المشوار وسط كلّ المعوّقات. وتصف أجواء الامتحانات في المستشفى بأنّها "مريحة، موضحة أنّ "الأطباء والممرّضين متعاونون". ويتاح للتلاميذ أخذ استراحة من الامتحان، وتناول طعامهم الصحي أو دواءهم في حال حان وقته. يُذكر أنّ ثمّة مراقبي امتحانات من وزارة التربية كانوا يشرفون على التلاميذ، لإشعارهم بجدية الأمر، وكأنّهم في قاعة امتحان عادية في إحدى المدارس.
وفي تجربتها هذه، كان أهل بسملة معها على مدار الساعة، الأمر الذي شجّعها أكثر على المضيّ قدماً، في حين كان يُسمح لمدرّسة بالدخول إلى غرفتها من ضمن شروط صحية مشدّدة. وتوجّه بسملة رسالة إلى تلاميذ الثانوية العامة، تدعوهم فيها إلى "تجاوز كلّ العقبات وعدم الاستسلام تحت أيّ ظرف كان".
من جهة أخرى، تبدو مهمة المتخصصة النفسية والاجتماعية في مستشفى النجاح إيمان نزال غير سهلة على الإطلاق، في ما يتعلق بمساعدة التلاميذ المرضى في تجاوز أوجاعهم وتعزيز حالاتهم النفسية قبل الامتحان وفي خلاله وبعده. لكنّ الاختبار الأصعب الذي واجه نزال وفريقها كان في مساعدة التلاميذ على تجاوز فراقهم زميلتهم روان محمد من قطاع غزة التي قصدت مستشفى النجاح لتلقّي العلاج لكنّها فارقت الحياة يوم الجمعة الماضي بعد انتكاسة صحية أصابتها، وقد نُقل جثمانها إلى القطاع حيث ووريت الثرى. يُذكر أنّها أدّت الاختبارَين الأوّلَين مع الأربعة الباقين.
تخبر نزال "العربي الجديد" أنّ "الخميس ما قبل الماضي، أدّت روان الاختبار المقرّر، لكنّها أُدخلت مساء اليوم نفسه إلى قسم العناية المركزة لتفارق الحياة في اليوم التالي، قبل أسبوع من اليوم". أضافت أنّ الأمر لم يكن سهلاً، إذ كان ثمّة اختبار مقرّر يوم السبت الماضي، "ولم نعرف كيف نبرّر للباقين غيابها".
إلى جانب فقدان روان، ثمّة تحديات أخرى واجهتها نزال والطواقم التي تُعنى بهؤلاء اليافعين الذين يخضعون في أيام الاستراحة ما بين الاختبارات إلى جلسات علاج كيميائي تستنزف قواهم لساعات طويلة، علماً أنّهم مضطرون كذلك إلى التهيّؤ للاختبارات التالية.
وتشير نزال إلى أنّ "في إحدى المرّات، أدّت تلميذة مريضة اختباراً في غرفة معزولة. وفي مرّة أخرى، أُجبر تلميذ على تأدية امتحان وهو موصول بجهاز غسل الكلى". تضيف: "وهكذا يومياً، ثمّة مستجدّات تتطلّب التعامل معها بطريقة استثنائية".
ويتعاون فريق الصحة النفسية مع الفرق الأخرى في متابعة التلاميذ المرضى، وتقول نزال: "قد نتّفق مع الطبيب المعالج على تأجيل إجراء طبي في حال كانت حالة التلميذ المريض تسمح بذلك، حتى لا يؤثّر الأمر على قدرته على خوض الامتحانات".
وتحكي نزال عن "تعاون مع طاقم وزارة التربية والتعليم الذي يوفّر كاتباً ليدوّن الإجابات في حال عدم قدرة التلميذ على الكتابة بنفسه. لكنّ الأهم هو الترتيبات اليومية مع ذوي التلاميذ المرضى وتأهيلهم وتهيئتهم والردّ على استفساراتهم حول طرق تعاملهم مع ابنهم المريض أو ابنتهم المريضة، بالإضافة إلى دعمهم كذلك نفسياً، إذ دورهم أساسي".