تلاميذ المخدرات... ورطة سيناء الجديدة بعد الإرهاب

26 فبراير 2023
يجب التحذير من خطورة المخدرات في كل مراحل التعليم (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

انتشرت في الآونة الأخيرة حالات عدة لاستغلال تجار مخدرات تلاميذ وتلميذات في مدارس لنقل المخدرات وتوزيعها على نقاط البيع داخل مدن محافظة شمال سيناء شرقيّ مصر، في ظل ملاحقة أجهزة الأمن لتجار المخدرات ومروجيها، وعدم اكتراث هذه الأجهزة بتلاميذ المدارس باعتبارهم فئة كبيرة تتحرك يومياً، وفي ساعات مختلفة، ولا يمكن إخضاعهم لعمليات تفتيش شامل ويومي.
يقول مدرّس في الثانوية العامة بمدينة العريش رفض كشف هويته لـ"العربي الجديد": "باتت حالات نقل تلاميذ مدارس مخدرات واضحة للعيان في مدن شمال سيناء، وخصوصاً العريش، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لأجهزة الأمن بالتنسيق مع أولياء الأمور، لإبلاغ عن أي تحرك مشبوه للتلاميذ، أو توافر أموال في حوزتهم لا يعرف مصدرها بالنسبة إليهم. كذلك يجب متابعة الأماكن المشبوهة التي قد يوجد فيها تجار مخدرات ومروجوها". ويشير إلى أن الهيئات التعليمية مطالبة أيضاً بإجراء برنامج تثقيفي لتلاميذ كل المدارس والمراحل التعليمية للتحذير من خطورة نقل المخدرات أو تعاطيها، ومن التأثيرات السلبية الخطيرة للآفة.

ويكتب الناشط الاجتماعي محمد حجاج من العريش على "فيسبوك": "قبل فوات الأوان، يجب أن ينتبه كل وليّ أمر لابنه وابنته، حتى لو كانوا تلاميذ، فهم يُستخدمون في نقل المخدرات من مكان إلى آخر، ويديرهم مجرمون يفكرون فقط في الربح، حتى لو على حساب أبناء يساهمون في تضييع مستقبلهم. وهذا  الكلام مبنيّ على حقائق، وأرجو أن يتكلم كل شخص مع أبنائه ويحذرهم من هؤلاء المجرمين. أصبح الموضوع مخيفاً، وقد يتفاجأ البعض ويتساءل كيف وصلوا إلى أبنائي، لكننا أيضاً نملك ثقة كبيرة بأجهزة الأمن لتخليصنا من هذا الكابوس".
أيضاً يكتب الناشط والكاتب هشام الشعراوي على فيسبوك: "بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، اتجه شبان من ضعاف النفوس للإتجار بالمخدرات ونقلها لتوفير دخل جيد لهم، لذا من المهم جداً أن يأخذ الأهالي حذرهم من تحركات أولادهم، ويتابعوهم جيداً كي لا ينحرفوا إلى الخطأ. ويجب أن أنبّه إلى أن عدد الشبان، وخصوصاً التلاميذ الذين يقبض عليهم بسبب استغلال تجار المخدرات لهم في نقل المواد المحظورة والخطرة، زاد بطريقة بشعة في الأيام السابقة، ويجب الحذر والعمل لإيجاد حل جذري لهذه المشكلة".

الصورة
يريد أن يثق سكان سيناء بفعّالية أجهزة الأمن في مكافحة المخدرات (محمد الشاهد/ فرانس برس)
يريد أن يثق سكان سيناء بفعّالية أجهزة الأمن في مكافحة المخدرات (محمد الشاهد/ فرانس برس)

وفي ظل الضجة المرتبطة بتزايد حالات نقل تلاميذ مخدرات والقبض على عدد منهم، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيسة مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، الدكتورة نيفين القباج، بدء تنفيذ برنامج الوقاية من المخدرات لطلاب المدارس في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم الفني.
وأورد بيان رسمي أصدره صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، أن برنامج الوقاية من المخدرات لطلاب المدارس يُنفذ في 6 آلاف مدرسة على مستوى الجمهورية كمرحلة أولى خلال الفصل الدراسي الحالي، وذلك بمشاركة 1200 شاب وفتاة من المتطوعين لدى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.
وأوضح صندوق مكافحة الإدمان أن برنامج الوقاية من المخدرات يتضمن بثّ رسائل توعية لطلاب المدارس في المرحلتين الإعدادية والثانوية على مستوى كل محافظات الجمهورية، وذلك من خلال استخدام أساليب وأنشطة عن أضرار الإدمان، وأيضاً استخدام مواد مرئية وفيديوهات للتوعية، وكذلك أسلوب المحاكاة الذي يبرز الخسائر المادية أو الصحية أو المعنوية التي يتعرض لها الأشخاص الذين يتعاطون المواد المخدرة، ما يرفع درجات الوعي لدى تلاميذ المدارس بأضرار الإدمان، ويزيد حاجز رفضهم التام لمجرد التفكير في الإدمان".
ويقول مصدر حكومي في مجلس محافظة شمال سيناء لـ"العربي الجديد" إن "مكافحة المخدرات لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب، فتجار المخدرات استغلوا انشغال الأجهزة الأمنية في ملاحقة التنظيمات الإرهابية، وعملوا على نشر المخدرات وتوزيعها في مدن المحافظة، مستغلين أي فئة من صغار السن أو الكبار لتحقيق أرباح من تجارة المخدرات على حساب مستقبل أبنائنا وصحتهم وثقافتهم".

الصورة
أرباح تجارة المخدرات على حساب مستقبل الأبناء وصحتهم وثقافتهم (خالد دسوقي/ فرانس برس)
أرباح تجارة المخدرات على حساب مستقبل الأبناء وصحتهم وثقافتهم (خالد دسوقي/ فرانس برس)

ويوضح المصدر ذاته أنه رُفعَت تقارير عاجلة إلى القيادة الأمنية والحكومية لإيجاد حل للمعضلة التي تتنامى في سيناء، وتصيب المجتمع كله. وبناءً عليه، اتخذت قرارات عدة، أهمها بدء حملة أمنية لمكافحة المخدرات في مناطق سيناء كافة، بينها تلك التي تضم مجموعات قبلية تساند الجيش في حربه على الإرهاب، وإطلاق حملة توعية في جميع المؤسسات التعليمية، المدرسية والجامعية، بهدف توعية التلاميذ وتحذيرهم من مخاطر الدخول في المستنقع، ومن أن يد القانون ستطاول جميع من يدخل في معادلة المخدرات، أكان ذلك تجارة أم ترويجاً أم تعاطياً أم حتى التستر عليها.
وكانت "العربي الجديد" قد كشفت بدء أجهزة الأمن حملة واسعة النطاق في معاقل المجموعات القبلية المساندة للجيش جنوبي مدينة رفح، التي كانت تأخذ من الصلاحيات الممنوحة لها ستاراً لزراعة المخدرات وترويجها بكميات كبيرة، ولا سيما مخدر "الهيدرو" الذي يروّج داخل مصر، ويُهرَّب إلى إسرائيل عبر الحدود المشتركة مع مصر، التي تقع أيضاً في مناطق وجود المجموعات القبلية.

وفي فبراير/ شباط، دخلت  للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، فرق حملة أمنية موسعة من وزارة الداخلية وقوات حرس الحدود منطقة البرث، جنوبيّ مدينة رفح، حيث ضبطت كمية من المخدرات أُحرقت في المكان، وعُثر على أدوات تُستخدم في زراعة المخدرات، التي نشطت في البرث بشكل غير مسبوق خلال السنوات الماضية، إذ وفّرت العلاقة الجيدة بين سكان المنطقة وكبارها مع متنفذين، غطاءً كافياً لزراعة مخدر "الهيدرو" علناً، في مساحات واسعة من المنطقة.
وتشير مصادر إلى أن الفترة الذهبية لزراعة المخدرات انتهت، ولا سيما أن عدداً من المسؤولين عن المجموعات القبلية باتوا يعملون في قطاعات أعمال أخرى في مصر، وفي مقدمهم عائلة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، وعدد آخر من المقربين منه، الذين شاركوا في مساعدته في الوصول إلى علاقات جيدة مع قوات الأمن والمخابرات.

المساهمون