يقول الطالب السوري محمد عرفات إنه سيعيد فحص "يوس" (فحص الطلاب الأجانب في تركيا)، أملاً في الحصول على مقعد في جامعة حكومية، فيما تقول الطالبة السورية فاطمة عمار، إن الوضع لم يعد يفرق كثيراً بين الجامعات الخاصة والحكومية التركية، بسبب التضييق على الطلاب السوريين، وإنه لا بد من البحث عن فرص في جامعات أخرى.
وتقلص عدد الطلاب السوريين الملتحقين بالجامعات التركية في العام الدراسي الجديد أكثر من 40 في المائة، مقارنة بالأعوام الماضية، حسب محمد الأطرش، وهو مستشار تعليمي في إحدى شركات تسجيل الطلاب بمدينة إسطنبول، الذي يضيف لـ"العربي الجديد"، أن ارتفاع أقساط التسجيل الجامعي للسوريين بعد إقرار معاملتهم كأيّ أجنبي ليس السبب الوحيد، بل تشمل الأسباب الأقساط والمعيشة والنقل، فضلاً عن ارتفاع نبرة الكراهية تجاه السوريين، وتراجع حلم الحصول على الجنسية.
وتشير عمار، المتحدرة من محافظة إدلب، إن السوريين جُرِّدوا من ميزة الأقساط المنخفضة، فباتت أقساط الجامعات الخاصة، عدا الطبية، مساوية لأقساط الجامعات الحكومية، وارتفعت أقساط الهندسة من نحو 400 إلى 8 آلاف ليرة (يساوي الدولار الأميركي الواحد نحو 18 ليرة تركية)، ووصل القسط السنوي في كلية الطب إلى نحو 60 ألف ليرة، فيما الأقساط عموماً تتجاوز قدرة معظم السوريين المقيمين في تركيا.
ويروي محمد عرفات، المتحدر من العاصمة دمشق، لـ"العربي الجديد"، قصة دراسته في معهد خاص، تحضيراً لفحص "يوس"، لكن المفاضلات في 12 جامعة لم تتح له دراسة الطب إلا في جامعة خاصة، والأقساط في الجامعات الخاصة تصل إلى نحو 10 آلاف دولار سنوياً.
النظرة الأكثر واقعية عكسها الطالب السوري ضياء محمود، الذي قال إن الدراسة في تركيا لم تعد مغرية لأسباب عدة، منها رفع الأقساط الجامعية، وزيادة حملات الكراهية، وضبابية المستقبل، مؤكداً أن دولاً أخرى ما زالت ترحب بالسوريين للدراسة فيها وبكلفة أقل، مشدداً على أن جامعات المناطق المحررة في شمال غرب سورية ليست ضمن خياراته، لأنها جامعات غير معترف بشهاداتها دولياً، وبالتالي لا يمكن العمل بها خارج سورية، أو حتى متابعة الدراسات العليا.
وتتوقع المدرسة في جامعة محمد الفاتح بمدينة إسطنبول، عائشة نور، تراجع عدد المتفوقين السوريين في الجامعات التركية خلال السنوات القادمة، على عكس ما حدث خلال السنوات الخمس الأخيرة، موضحة أن عدد المتفوقين يرتبط بأعداد الطلاب السوريين في الجامعات.
وتقول نور لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ عام 2013، حين طبّق مجلس التعليم العالي التركي قرار تخفيض الأقساط لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة (كيملك) من السوريين، كانت أعداد الطلاب تتزايد، حتى وصلت إلى أكثر من 37 ألف طالب سوري في السنة، لكن رفع قيمة الأقساط منذ العام الماضي، وما نراه من بعض العنصريين، يرجح أن يخفّض الأعداد كثيراً".
وتلفت الأكاديمية التركية إلى أن بعض الجامعات الحكومية "لا تزال تعامل السوريين بنوع من الخصوصية، لأن مجلس التعليم العالي لم يلزم الجامعات برفع الأقساط، بل ترك هامشاً كبيراً لإدارة كل جامعة، ورأينا في العام الماضي تسهيلات من جامعة غازي عينتاب، وجامعة محمد عاكف أرسوي، وجامعة نامق كمال، وجامعة كرمان أوغلو، ونأمل استمرار تلك التسهيلات في العام المقبل".
لا يؤكد مدير شركة إسطنبول للقبول الجامعي، جهاد العويد، تأثير رفع الرسوم بأعداد المتفوقين، مشيراً إلى أن معاناة السوريين، ورغبتهم في التحدي، ستدفعان بعض الطلاب إلى مزيد من التفوق، وخصوصاً مع الواقع العنصري في الشارع التركي، لكن الأعداد ستقل، خصوصاً في التخصصات الطبية. ويضيف العويد لـ"العربي الجديد"، أن "أقساط الجامعات الحكومية، ما زالت بعد الرفع مقبولة إذا ما قورنت بالجامعات الخاصة، أو الدراسة خارج تركيا. فبعد تراجع سعر صرف الليرة التركية، بات القسط السنوي لكليات الهندسة ما بين 500 و700 دولار سنوياً، وهو رقم مغرٍ، وبالنسبة إلى التخصصات النظرية، يبدأ القسط السنوي من 4 آلاف ليرة، كذلك لكل جامعة سعر تحدده رئاستها وفق معايير، من بينها المدينة، والتصنيف الدولي، ولغة الدراسة، وعادة الدراسة باللغة الإنكليزية أغلى من الدراسة بالتركية، وأقساط العام الدراسي المقبل لم تعلن بعد، فقد تكون مماثلة لأسعار العام الماضي، وقد ترتفع بسبب تهاوي سعر الليرة التركية".
ويشير العويد إلى التسابق الكبير والعروض المتزايدة التي تقدمها الجامعات الخاصة التركية، والتي يصل بعضها إلى ما يوازي أقساط بعض الجامعات الحكومية، باستثناء الكليات الطبية، معتبراً أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا زادت من الإقبال على الدراسة في تركيا، إذ كانت جامعات أوكرانيا، وبعض الجامعات الروسية، مقصداً للطلاب العرب والأفارقة خلال السنوات الماضية.
ويؤكد لـ"العربي الجديد"، عدم صحة ما يشاع عن توجه بعض الطلاب السوريين المقيمين في تركيا للدراسة بالجامعات الخاصة في المناطق السورية المحررة في ريفي إدلب وحلب، لأن "عدم الاعتراف بشهادات تلك الجامعات يمنع الطلاب من المجازفة بالتعب والمصاريف لعدة سنوات فيها، وكثيرون يعملون خلال الدراسة في تركيا، ويحصلون على شهادة معترف بها، وقد يضمنون فرصة عمل بعد إجادة اللغة، وقد يحصل البعض على الجنسية قبل التخرج من الجامعة".