تقرير حقوقي يرصد انتهاكات مستمرة لحرية الرأي والتعبير في مصر

05 نوفمبر 2021
أحكام قاسية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان ومتهمي الرأي والناشطين (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -

شهد الربع الثالث من العام الحالي استمرار الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في مصر، والمتواصل منذ الربع الماضي، خصوصاً بعد التوصيات "شديدة اللهجة" التي خرجت بتوقيع 31 دولة على هامش الدورة الـ46 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمنعقد بجنيف في مارس/آذار الماضي. 

وانتقدت الدورة أوضاع حقوق الإنسان وظروف عمل المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، حسب تقرير رصدي صادر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير بشأن انتهاكات الحريات.

وخلال هذا الربع، نشرت الجريدة الرسمية في 11 يناير/كانون الثاني 2021 قرار مجلس الوزراء رقم 104 لسنة 2021 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019، ما يعني أنه يتبقى للمؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان ثلاثة أشهر لتوفيق أوضاعها وفقاً للقانون الذي منحت لائحته التنفيذية عاماً واحداً فقط مهلة زمنية لتوفيق الأوضاع من تاريخ إقرار اللائحة في يناير/كانون الثاني الماضي.

ومع نهاية الربع الثالث، استكملت السلطات حالة الحراك في ملف حقوق الإنسان عندما أطلقت اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في تاريخ مصر في مؤتمر برعاية وحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وحسب التقرير، فقد تبدو الصورة للوهلة الأولى شديدة الإشراق، إلّا أنّ الواقع قد يحمل وجهاً آخر تماماً في ما يتعلق بواقع حقوق الإنسان في مصر وظروف عمل المدافعين عن حقوق الإنسان.

وفي الوقت الذي يُطلق فيه سراح عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان ومتهّمي الرأي والنشطاء السياسيين، تجري إحالة أعداد أكبر بكثير ـ تمكنت مؤسسة حرية الفكر والتعبير من رصد 6 قضايا على الأقل شملت 67 شخصاً ـ إلى المحاكمة أمام محاكم استثنائية (محكمة أمن الدولة العليا طوارئ)، والتي تصدر أحكاماً قاسية عليهم، مع العلم أنّ أحكامها نهائية وباتة لا يجوز الطعن عليها أو استئنافها. 

وقالت المؤسسة إن الحقيقة أن القضايا التي تجري إحالتها والتهم التي يواجهها المتهمون على ذمتها تتطابق مع القضايا التي تقرر السلطات إخلاء سبيل آخرين على ذمتها، وهو ما يعني أنّ المعيار الحاكم هو موقف السلطة السياسية والأمنية مِن شخوص مَن يتم إخلاء سبيلهم أو إحالتهم إلى المحاكمة، بالإضافة إلى استمرار القبض على صحافيين على خلفية عملهم الصحافي، وناشطين سياسيين وأفراد على خلفية تعبيرهم عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي الوقت الذي تسعى فيه السلطات المصرية إلى إغلاق ملف قضية التمويل الأجنبي، يستمرّ المدافعون تحت التهديد من خلال مواجهة خطر التنكيل بسبب اتهامهم في قضايا أخرى بالاتهامات نفسها، بعضها ما زال أمام القضاء الطبيعي، وبعضها الآخر قيد تحقيقات النيابة العامة.

وبينما جاء إصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي بعد ضغوط كبيرة تعرّضت لها السلطات المصرية عقب استهداف جاسر عبد الرازق، المدير التنفيذي السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، واثنين آخرين من فريق عمل المنظمة، بدعوى مزاولة أنشطة العمل الأهلي دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصّة (وزارة التضامن الاجتماعي)، رغم عدم صدور اللائحة التنفيذية حينها.

وقالت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إنها لا تحاول التقليل من الجهود الحكومية المبذولة بهدف تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وتحديداً خلال الأشهر الستة الماضية، لكنها ترى ضرورة بالغة لإجلاء الوجه الآخر لواقع حقوق الإنسان في مصر، بهدف الضغط من أجل تعميق الإصلاحات والخطوات في هذا الاتجاه، بحيث تحقق في مجملها تطوراً ملموساً في أوضاع حقوق الإنسان، وإلّا تكون إجراءات شكلية وخطوات متقطعة بهدف تخفيف الضغوطات الدولية وآثارها.

كما استمرت السلطات المصرية في استهداف الأكاديميين والباحثين المصريين، وخصوصاً الباحثين المصريين الدارسين في الخارج، والذين يتم استهدافهم بعد عودتهم إلى مصر، حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 3 انتهاكات، تمثّلت في إلقاء القبض على رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة أيمن منصور ندا، والأكاديمية المصرية بالخارج عاليا مسلم، بالإضافة إلى إحالة باحث الماجستير بجامعة بولونيا باتريك جورج زكي إلى محكمة أمن الدولة طوارئ بعد حبسه احتياطياً لما يزيد على 19 شهراً على ذمة تحقيقات نيابة أمن الدولة.

وتأتي تلك الانتهاكات متماشية مع نشاط السلطات المصرية في وضع قيود على الحرية الأكاديمية واستهداف الباحثين، خاصة في الخارج، فقد ألقي القبض على مسلم بعد أيام معدودة من تصريحات وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم، التي وصفت الدارسين المصريين بالخارج بأنهم "أخطر شريحة من المهاجرين المصريين"، وأعادت سبب هذا الوصف لكونهم يتعرضون كثيراً للأفكار المغلوطة، والتي "يروّج لها أصحاب التوجهات المعادية لمصر"، حسب وصفها.

كما رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 10 وقائع انتهاكات اشتملت على 14 انتهاكاً تعرّض لها مبدعون خلال الربع الثالث من العام الحالي. وكانت أغلبية الانتهاكات صادرة عن النقابات الفنية، وعلى رأسها نقابة المهن الموسيقية، والتي أصدرت عدة قرارات ضد 11 مطرباً شعبياً من مؤدي المهرجانات لا تعبّر إلا عن رغبة المهن الموسيقية في فرض وصايتها وسيطرتها على الفنانين، خاصة مطربي المهرجانات، بينما أعيد تدوير الشاعر جلال البحيري أثناء إجراءات إطلاق سراحه بعد قضائه مدة الحكم الذي قضت به المحكمة العسكرية على خلفية ديوان ينتقد فيه الجيش المصري.

كما استمرّت السلطات المصرية في محاولاتها للسيطرة على المحتوى المنشور على الإنترنت ضمن مساعيها المستمرة لمنع نشر أي انتقادات ضد السياسات الحكومية، عن طريق إلقاء القبض على الأفراد على خلفية نشرهم معلومات على الإنترنت تخالف الروايات الرسمية للحكومة أو أي انتقادات توجه إليها.

وحسب التقرير، فقد استمرت الأجهزة الأمنية، بتواطؤ وتحريض من قبل النيابة العامة، في تعقب واستهداف مستخدمات تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأبرزهم "تيك توك"، على خلفية ما سمته النيابة العامة في بيانات سابقة بـ"التعدي على القيم والمبادئ المجتمعية للشعب المصري".

المساهمون