ليس تغيّر المناخ تحصيل حاصل المخاطر التي تصيب الإنسان، بل أخطر المخاطر التي تحدق به على مستوى العالم، لكنه يدرج مع ذلك في آخر لائحة المخاطر التي يجب تخفيفها.
أصبح تغيّر المناخ مثل شبح لا يُرى، لكنه يثقل بظله على البشرية في أنحاء العالم. ومنذ حوالى خمسة عقود كنا نعلم من الدراسات العلمية أن السلاحف البحرية تضع أعشاشها في الرمال حيث تضع بيضها في حفر، ثم تطمره. ونعلم أن البيض في أعلى العش تكون حرارته عالية ويعطي إناثاً، بينما يكون البيض في الأسفل أبرد قليلاً ويعطي ذكوراً، أي إن الحرارة تتحكم بالجنس، وهذا واضح لدى أنواع السحالي من الزواحف، مثل السلاحف البحرية أو النهرية أو البرية.
وتظهر الأبحاث أنه إذا احتضنت بيض السلاحف أقل من 27.7 درجة مئوية، فإن صغار السلاحف ستكون من الذكور. وإذا احتضنت البيض أعلى من 31 درجة مئوية، فإن صغار السلاحف ستكون من الإناث، لذا نرى أن ارتفاع درجات الحرارة بفعل تغيّر المناخ أصبح يفترض أن ينتج معظم البيض في أعشاش الزواحف إناثاً، ما سيؤدي بالطبع إلى خلل بيئي وفقدان أنواع. من هنا، يقلق العلماء من أن فئة الذكور من الزواحف يمكن أن تصبح نادرة بشكل متزايد مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، ما يعرّض أنواعاً بكاملها لخطر الانقراض. كذلك إن ما يُسمى تحديدَ الجنس المعتمد على درجة الحرارة يؤثر أيضاً في جميع التماسيح ومعظم السلاحف والعديد من الأسماك، لكونها من ذوات الدم البارد.
من ناحية أخرى، أثبتت الدراسات أن تغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة يقلصان حجم ووزن الماعز الجبلي من فصيلة "الشاموا" في جبال الألب الإيطالية إلى أقل بحوالى 25 في المائة مما كان عليه وزنها في ثمانينيات القرن العشرين.
وتشير دراسات إلى أن الحيوانات ذات الدم الحار قد تفقد وزن الجسم، لأن ارتفاع درجات الحرارة يعني أنها لم تعد تحتاج إلى ذات القدر من اللحم لإبقائها دافئة. ووفقاً لما تشير إليه المراجع البحثية، فإن أعداد الماعز قد تتغير أيضاً، مع ترجيح أن تتجمّد الماعز الأخف وزناً حتى الموت خلال فصول الشتاء الباردة. وبالانتقال إلى النباتات، فإن تأثير تغيّر المناخ عليها سببه ارتفاع درجات الحرارة، وتأثيره بدورة حياة الأوراق (تكسّر البراعم، ونضج الأوراق وشيخوختها)، ما يزيد التعرض للصقيع في أواخر الربيع وتجميد التربة، الأمر الذي يضغط على الأشجار ويقلل من إنتاجيتها. ويمكن أن تؤدي درجات الحرارة الأكثر دفئاً المقترنة بظروف الجفاف خلال موسم النمو أيضاً إلى إجهاد الأشجار وتقليل الإنتاجية الإجمالية للغابات (أي نمو الأشجار)، لكن دراسات أثبتت أن تغيّر المناخ يؤثر بشدة في ظل انبعاثات الكربون المنخفضة التي ستقدم ظروفاً أنسب لغابات القيقب والزان، بينما في ظل سيناريو الانبعاثات المرتفعة، ستكون الظروف ملائمة لغابات البلوط. وهكذا نجد من خلال الأمثلة التي أعطيناها أن العالم مقبل على تغيّرات مختلفة وعديدة تؤثر في مجرى الحياة على وجه الأرض، بينما ما زال الإنسان في حيرة من الإجراءات التي سيتخذها لتخفيف الضغوط التي يفرضها تغيّر المناخ.
(متخصص في علم الطيور البرية)