تغيرات مناخية غير سارة مع نهاية 2021: ذوبان الجليد يهدّد "سقف العالم"

24 ديسمبر 2021
قرع العلماء جرس الإنذار من ذوبان "طبقة يوم القيامة" في ثوايتيس غربي القطب الجنوبي (Getty)
+ الخط -

مع اقتراب نهاية العام الحالي، 2021، الذي شهد الكثير من السجالات حول التغيّرات المناخية وأثرها على البشر في قمة غلاسكو "كوب 26"، في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعود تحذيرات الخبراء لتذكّر بأنّ طبقات جليدية مختلفة، من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وفي جبال الهيمالايا، باتت تشهد ذوباناً للجليد، ما يهدد مستقبل حياة عشرات ملايين الناس. 

وبحسب دراسات جديدة لباحثين في التغيّرات المناخية، ومنها ما نشرته مجلة "ساينتيفيك ريبورتس" (Scientific Reports)، فإنّ مشكلة الاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض، لم تعد تهدّد مناطق القطبين الشمالي والجنوبي فحسب، بل توسّعت إلى المنطقة المعروفة باسم "سقف العالم" في جبال الهيمالايا، التي تعدّ ثالث أكبر كتلة جليدية على وجه الأرض بعد القطبين. 

ويوضح الباحثون أنّه بالاستعانة بصور حديثة للأقمار الصناعية، تبيّن أنّ ما يقرب من 15 ألف نهر جليدي، في كتل جبال الهيمالايا بقارة آسيا، شهدت تسارعاً كبيراً في معدلات الذوبان خلال السنوات الأربعين الماضية، أكثر ممّا عرفته خلال المئتي سنة الماضية. 

وأشار جوناثان كارفيك، وهو أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، بحسب بيان صحافي نقلت بعضاً منه صحيفة "أفتون بلاديت" السويدية، اليوم الجمعة، إلى أنّ "الاكتشافات تُظهر بوضوح أنّ ذوبان الأنهار الجليدية في الهيمالايا بات بمعدل أعلى بعشر مرات مما كان عليه خلال القرنين الماضيين، وهذا التسارع حدث فقط خلال العقود الأخيرة". 

والمقلق أنّ تسارع ذوبان الطبقة الجليدية الثالثة على الأرض، "بمعدل استثنائي" لا مثيل له في مناطق أخرى، "سيؤدي إلى تغيّرات أسرع من إمكانية استيعاب البشر لها"، بحسب ما قاله الباحثون.

ويحذّر هؤلاء من أنّ التغيّرات الكبيرة التي تطرأ بسبب ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية، والتي كانت محور نقاشات دول العالم في قمة غلاسكو "كوب 26"، الشهر الماضي، ستؤثر على عشرات ملايين سكّان سلسلة الهيمالايا في عدد من الدول.

ولاحظ هؤلاء الباحثون أنّ المياه تتدفق بصورة أكبر إلى الوديان والسهول القريبة، وهو ما يهدّد بفيضانات ضخمة تضرّ بنحو 250 مليون نسمة، وقد يؤدي ارتفاع منسوب المياه إلى اتساع تأثيرها ليشمل أنهار الغانج والسند وبراهمابوترا، حيث يعيش نحو 1.6 مليار شخص إضافي على ضفافها، لا سيما في الهند التي يُعتبر الغانج فيها نهراً مقدساً ومصدراً أساسياً للمياه في شبه القارة. 

وحدوث الفيضانات نتيجة الذوبان المتسارع للجليد، سيهدّد القطاع الزراعي ويتسبّب بدمار وتآكل التربة، وبتدفق مياه البحر مع تواصل ارتفاع مستوياتها عن سطح الأرض في بعض المناطق المتأثرة. 

مشكلة الذوبان الجليدي وارتفاع مستويات البحار لا تستثني المنطقتين القطبيتين، وفقاً لأبحاث منذرة بالأسوأ. إذ إنّ أكبر جزيرة جليدية على الأرض، وهي جزيرة غرينلاند، في المنطقة القطبية الشمالية، باتت تشهد أيضاً ذوباناً مقلقاً للجليد.

وسجّل خبراء التغيّرات المناخية أنّ العقد الأخير شهد تسارعاً غير مسبوق في غياب طبقات جليدية وذوبان أنهار في غرينلاند. ووثّق هؤلاء الخبراء كيف أنّ المنطقة شهدت في يوليو/تموز الماضي ذوبان نحو 8.5 مليارات طن من الجليد، وهي كمية كافية لغمر مساحة ثلث السويد أو ولاية كاليفورنيا الأميركية بنحو 5 بوصات من المياه، وفقاً لهؤلاء.

وكان مركز الأرصاد الدنماركي (تابعة للتاج الدنماركي)، قد سجّل، منتصف الصيف الماضي، ارتفاع درجة حرارة غرينلاند بشكل غير مسبوق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، إذ وصلت إلى 23.3 مئوية، وهو ما ساهم في اختفاء نحو 18 مليار طن من الجليد، بحسب تقديرات منظمة الأرصاد العالمية التابعة للأمم المتحدة، خلال التحضير للقمة المناخية الأخيرة، الشهر الماضي. 

التغيّرات الطارئة المسجّلة في غرينلاند وبقية المنطقة القطبية الشمالية ليست بمعزل عن مثيلاتها في (القارة) المنطقة القطبية الجنوبية.

جرس إنذار بشأن "طبقة يوم القيامة"

وقرع العلماء، في منتصف ديسمبر/كانون الأول الحالي، جرس الإنذار من تسارع ذوبان ما يطلق عليه اسم "طبقة يوم القيامة" Doomsday Glacier في منطقة ثوايتيس، في غرب القطب الجنوبي، ومساحتها بحجم بريطانيا.

ويأتي التحذير الأخير ليتجاوز حتى تحذير وكالة الأمم المتحدة للبيئة والمناخ عن تعرّض أغلفة الأرض الجليدية للذوبان في القطب الجنوبي مع التزايد الملحوظ في درجات الحرارة، ما يتسبّب بارتفاع مستويات أسطح البحار.

وكانت الوكالة قد حذّرت، العام الماضي، من أنّ المنطقة شهدت ارتفاعاً في درجات الحرارة صيفاً، وصل بشكل غير مسبوق إلى 18 درجة مئوية. 

ويقدّم الخبراء الدوليون في دراستهم الحديثة تصوراً غير سار للبشرية عن مجريات الذوبان، إذ يمكن أن تتكسّر طبقات جليدية هائلة خلال السنوات الخمس المقبلة في المنطقة القطبية الجنوبية، لتنتج المئات من الكتل الضخمة من جبال الجليد التي تتحرك في البحار وتذوب لتشكّل موجات من ارتفاع منسوب المياه، وتؤدي لتأثيرات مخيفة على سكان الدول الشاطئية، وبالتالي خسارة الأرض توازن النظام البيئي والمناخي.

وارتفاع منسوب المياه بنحو 65 سنتيمتراً في منطقة غرب القطب الجنوبي (التقديرات حالياً تشير إلى أنها وصلت إلى 29 سنتيمتراً في المنطقة خلال الـ100 سنة الماضية)، سيؤدي بتقدير الباحثين، في دراسة منشورة يوم 13 ديسمبر/كانون الأول، إلى سيناريوهات رعب لملايين البشر الذين سيفقدون سبل تأمين عيشهم بسبب غرق الكثير من الأراضي والمدن القريبة من البحار حول العالم.

Image
أزمة المناخ تضرب الاقتصادات وتزيد مستويات الفقر

المشكلة التي يشير إليها الباحثون تكمن أيضاً في ارتفاع درجات حرارة البحار والمحيطات، وتأخذ التيارات الدافئة بالتغلغل في الطبقة الجليدية، ثوايتيس، التي تتكسّر وتذوب كتلها فترفع منسوب المياه.

وتظهر صور وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) "تغيّرات لم نشهدها سابقاً على الإطلاق"، بحسب خبير الرقع الجليدية تيد سكامبوس، الذي صرّح قبل أيام لمحطة "سي بي إس نيوز" بأنّ ذلك الذوبان المتسارع "سيضع مئات ملايين البشر أمام حالة تهجير إجباري من أراضيهم ومدنهم الواقعة على السواحل حول العالم".

المساهمون